وفي الأسبوع الثالث، امتدت ألسنة اللهب من نهر البارد الى عين الحلوة، وسط غياب تام لأية وساطات، وفي ظل انقسام فلسطيني تجلّى في تحذير ممثل منظمة التحرير عباس زكي من «الميوعة» في التعاطي مع «فتح الإسلام»، في مقابل تشديد حركة «حماس» على أن «الحل سياسي يضمن أمن لبنان وسلامة أبناء مخيم نهر البارد»، منبّهة إلى أن «استمرار المعالجة العسكرية يهدّد بالإضرار البالغ بقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».في هذا الوقت، قالت مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية، لـ«الأخبار»، إن «من يعتقد بأن ما يجري في مخيم نهر البارد حادث أمني يبسّط الأمور»، معتبرة أن حكومة الوحدة «تساعد على تحصين الجيش ودعمه في المواجهة التي يخوضها». وأكدت المصادر نفسها أن الرئيس إميل لحود يرى أن مبادرته هي «المخرج الوحيد للبلد من الأزمة الحالية، لأنها تنطلق من قاعدة اللاغالب واللامغلوب، ولأن حكومة الوحدة الوطنية هي المكان الطبيعي لأي اتفاق، وإلا فليعطونا بديلاً يرضي الجميع».
ميدانياً، أكد الجيش اللبناني أنه أجبر مسلحي «فتح الإسلام» على التراجع مسافة عند المدخل الشرقي للمخيم قرب بلدة المحمرة، وإبعاد نيران قنّاصتهم عن الطريق الدولي الذي يربط عكار ببقية المناطق. لكن الجيش لم يشر في أي من بياناته الى أنه يقوم بعملية اقتحام الى داخل المخيم، بخلاف وسائل الإعلام اللبنانية والعربية القريبة من فريق 14 آذار. وتجنّب الجيش إعلان حصيلة نهائية للخسائر البشرية في صفوفه، فيما أشارت مصادر إعلامية وأخرى طبية الى سقوط أكثر من سبعين جريحاً في صفوف العسكريين خلال الساعات الـ48 الماضية وأن عدد الشهداء ارتفع الى أكثر من 40 منذ اندلاع المعارك قبل أسبوعين، وذلك في مقابل سقوط أكثر من ثلاثين قتيلاً من فتح الإسلام وتوقيف نحو ثلاثين آخرين.
أما على صعيد المحاور، فإن الاختراقات الفعلية ظلت محصورة في بعض المربعات القريبة من المخيم القديم. وقد حرص الجيش على إبعاد القناصة عن عدد من الأبنية المطلة على الطريق الدولي، بينما احتدمت المعارك أمس عند الحدود القديمة للمخيم، بعد تراجع المسلحين إليه، وعمدهم، بحسب مصادر امنية، الى تلغيم الابنية التي انسحبوا منها. وأفادت المعلومات أن نحو 20 ضحية سقطت بين المدنيين داخل المخيم. ونقلت وكالة «رويترز» عن أحد سكان المخيم قوله، عبر الهاتف، «لا يوجد متر مربع لم تضربه قذيفة».
وقدّرت معلومات «الاونروا» أن يكون عدد المدنيين الباقين داخل المخيم بحدود 7 آلاف، فيما قدرت مصادر اللجان الشعبية عددهم بما لا يقل عن 11 ألفاً، بينهم نحو 150 مقعداً، حالت ظروفهم الخاصة دون إخراجهم. وكان الرئيس فؤاد السنيورة قدّر، في مقابلة مع تلفزيون «العربية» السبت الماضي، عدد المدنيين الموجودين داخل المخيم بـ3100.
المحاور الأربعة
وفي محصلة العمليات العسكرية، شرحت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن الجيش سيطر على المواقع المتقدمة للمسلحين الذين انكفأوا عن مباني الخان وصامد ومنشآت المشغل الزراعي. ودارت أمس أعنف المعارك على المحور الشرقي، حيث يتمركز المسلحون في بناية الحصري البعيدة عن مواقع الجيش حوالى مئة متر.
وعلى المحور الجنوبي، صد الجيش محاولة تسلل في اتجاه بلدة بحنين. أما على المحور الغربي لجهة مجمع المدارس، فلا تزال المعارك مستمرة في محيط مبنى التعاونية، حيث تحيط بمواقع المسلحين مجموعة من الابنية السكنية.
الوساطات
في هذه الاثناء، لم تكن الوساطات السياسية تتوصل الى حلول جدية. وقالت مصادر فلسطينية إن «فتح الاسلام» لا تزال ترفض تسليم السلاح أو المقاتلين، وإنها تقبل بلجنة أمنية لا يكون فيها عناصر من حركة «فتح»، التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، فيما قال رجال دين إن الاتصال بزعيم التنظيم شاكر العبسي انقطع خلال الساعة الـ36 الماضية، ولا مؤشرات إلى تحقيق تقدم حتى الآن، رغم أن الضغوط من أجل حصر المواجهات تتزايد بعد سقوط أضرار كبيرة في الممتلكات.
وذكرت المصادر أن الرئيس السنيورة تلقى عرضاً بواسطة فصيل فلسطيني يتضمن إعلاناً لوقف النار في مقابل تسليم الأسلحة والمكاتب الى لجنة خاصة، والسماح بسفر من يرغب من المقاتلين الى الخارج وترك الآخرين يتدبرون أمورهم. لكن السنيورة رفضه وأبلغه أن المطلوب من المسلحين تسليم أنفسهم وأن العدالة ستكون إلى جانب من يستحقها.
«حزب الله» وعون
وفي الجانب السياسي، استمر السجال على مبادرة فريق 14 آذار. وبينما دعا النائب وليد جنبلاط الى منع أي نقاش حتى الانتهاء من عملية الجيش في الشمال، فإن النائب سعد الحريري طلب من المقربين انتظار رد فعل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على مبادرته. وعلم أن الحزب قرر عدم التعليق على الأمر.
ورد «حزب الله» على مبادرة 14 آذار، معتبراً، على لسان عدد من نوابه وقيادييه، أنها «غير جدية ومحاولة لتقطيع الوقت... ونوع من الدعاية السياسية والإعلامية لإخفاء الخطوات التي يريدون أن يستكملوها للإطباق على لبنان والسلطة، وليست مد يد أو انفتاحاً». ووصف تمنّي رئيس السنيورة على نصر الله ممارسة ضغطه على «فتح الاسلام» لتسليم أنفسهم للعدالة، بأنه «إيحاء خبيث وتحريضي» بوجود علاقة بين الطرفين، وهروب من مسؤوليته في معالجة الأزمة.
وفي أول رد له على مبادرة 14 آذار وطلب النائب الحريري لقاءه، أكد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أن الثقة انعدمت مع فريق السلطة «العاجز عن احترام كلمته وتحمّل مسؤولياته وتقديم أي مبادرات جدية للخروج من الأزمة»، رافضاً التحدث مع هذا الفريق «إلا أمام شهود».
وقال عون، أمام حشد من الجالية اللبنانية في فرنسا، إن «آخر كلمة قالوها إنهم سينتخبون رئيساً للجمهورية وبعد ذلك يبحثون في حكومة وحدة وطنية، إذًا الانتخابات في تشرين ونتحدث معهم في تشرين الثاني». ورأى «أن حكومة وحدة وطنية من دون قيد أو شرط أكثر من ضرورية لحماية الوطن وإلا فستعم فوضى كبيرة». ولفت الى أن الأسلوب الفرنسي الجديد هو الانفتاح على الجميع.