باريس ـ بسّام الطيارة
كوسران موفداً إلى بيروت والسعوديّة تضمن موقف «المستقبل» وتطلب دعماً أميركيّاً لتهدئة جعجع


تبنّت فرنسا رسمياً مبادرة تقريب وجهات نظر القوى اللبنانية المتنازعة. ودعت الى لقاء حول «طاولة مستديرة» يجري العمل على إعدادها، إلا أن الترقب والحذر ما زالا يلونان هذه المبادرة إلى جانب بعض البلبلة الإعلامية بسبب الحديث عن «مبادرة مشتركة إيرانية ـــــ سعودية ـــــ فرنسية». وقد نفى الناطق الرسمي المساعد دوني سيمونو أن تكون مبادرة الوزير برنار كوشنير مشتركة مع السعودية وإيران. وذكر بأن «الوزير الذي يعرف لبنان منذ أكثر من عشرين سنة» كان قد عرض «خلال زيارته الأخيرة للبنان استعداده لتوفير فرص حوار بين جميع القوة الفاعلة في لبنان»، نافياً أن يكون هدف هذه المبادرة «أن تحل محل الحوار الوطني»، كما أكد أنها ليست «مؤتمراً دولياً جديداً»، بل هي «دعوة لمساعدة اللبنانيين للقاء في إطار مشاركة رحب، بعيد عن التوتر، يسمح بإعادة مسيرة الحوار».
وعلمت «الأخبار» أن الوزير كوشنير قرر إيفاد جان كلود كوسران الاثنين المقبل الى بيروت لمتابعة تنفيذ المهمة، وهو سيمكث بضعة أيام، وقد عُهد إليه الملف اللبناني نظراً لمعرفته الوثيقة بالجوانب الإقليمية المتشعبة التأثير فيه، وخصوصاً الجانبين السوري والإيراني، وهي المهمة التي ستقلص تدريجاً من مهمات ونفوذ السفير الحالي برنار إيمييه الذي تقرر أن يغادر لبنان نهائياً الى تركيا بعد وقت قصير وأسندت مهماته الى سفير فرنسا الحالي في إحدى دول أفريقيا الغربية.
وكوسران كان مديراً لمكتب وزير الخارجية كلود شيسون، ثم أضحى مستشاراً لرئيس الوزراء بيار بيريغوفوا، قبل أن يعيّن سفيراً لبلاده في دمشق ثم في أنقرة، ثم رئيساً لجهاز الاستخبارات الخارجية عام 2002، قبل أن ينقله الرئيس شيراك الى القاهرة. وكذلك عمل في طهران. وبسبب خبرته الواسعة بالشؤون الشرق أوسطية والإيرانية، أوفدته باريس إلى طهران في تموز الماضي للعمل على ترتيب لقاء يُعقد في بيروت بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونظيره الفرنسي فيليب دوست بلازي.
وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوقة أن التوجه هو لتوجيه الدعوة للقاء بين ٢٩ و٣٠ من الشهر الجاري للقاء يتم إما في مقر إقامة وزير الخارجية الرسمي في «سان كلو» في ضاحية باريس الغربية أو في قصر «رامبويي» التاريخي الذي شهد العديد من اللقاءات التي تركت أثرها في تاريخ بعض الدول. واختيار هذا التاريخ ليس عبثياً بل هو يصادف وجود كوندوليزا رايس في باريس مما يسمح لواشنطن حتى في حال عدم حضور ممثل لها اللقاء أن تكون قريبة من الوفود وأن تقوم بمشاورات جانبية.
أما في ما يتعلق بنوعية المدعوين فرغم تكتم الرسميين الفرنسيين فإن «الأخبار» تستطيع أن تؤكد أن المدعوين من لبنان هم حوالى 25 شخصية «يجب أن يكونوا مكلفين رسمياً من الجهات التي يمثلونها» وأن الدعوات سوف توجه «إلى جميع القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية» كما أن من المؤكد ألا تحصر الدعوات بالقوى الممثلة في البرلمان، إذ إن مصادر رسمية أكدت أن الدعوات سوف توجه أيضاً إلى «ممثلين عن المجتمع المدني» وهو ما فسّره المراقبون بأنه يشير إلى المعارضة غير الممثلة في مجلس النواب. وسوف تشارك في الاجتماع شخصيات فرنسية من المجتمع المدني كما يشارك فرنسيون من أصل لبناني.
كذلك علم أن معظم القوى التي تم التواصل معها وافقت من حيث المبدأ على المشاركة في «لقاء الحوار». ومن المنتظر أن توجه دعوات إلى القوى الإقليمية المؤثرة على الساحة اللبنانية، وهذا ما أكده الناطق الرسمي المساعد حين قال رداً على سؤال عن هذا الأمر «من الممكن أن يوجه الوزير الدعوة إلى بعض القوى» قبل أن يستدرك مخففاً «دون أن تكون هذه الأطراف مرتبطة مباشرة بقوى لبنانية». وتتحدث بعض التسريبات عن «حوار غير مباشر حول موضوع اللقاء» جرى عبر سفارات فرنسا في دمشق وطهران سبق الإعلان عن المبادرة.
ولم تستبعد المصادر «دعوة ممثلي دمشق وطهران إلى اللقاء أو أن يكون الاتفاق خلف الكواليس قد تم بين باريس والعاصمتين بما يلغي الحاجة الى حضور ممثلين عن سوريا وإيران». وتتوقع المصادر الدبلوماسية نفسها في هذه الحال، أن تقوم باريس بخطوة تجاه دمشق تتجسّد بإرسال ممثل على مستوى عال في زيارة عمل إلى دمشق «تعلن نهاية مقاطعة عاصمة الأمويين».
ردود الفعل اللبنانية
وفي بيروت، رحبت قوى سياسية عدة في الموالاة والمعارضة بالدعوة. وقال النائب حسن حب الله إن حزب الله «يتعامل بإيجابية مع أي مبادرة من أي دولة صديقة أو شقيقة، تعمل على إخراج لبنان من الأزمة»، مع اعتباره أن «الأساس لأي حل سياسي هو ضمان شراكة حقيقية وفعالة للقوى السياسية»، وأن «المهم ليس مجرد اللقاء». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في حركة امل أن الحركة «تتعاطى بإيجابية مع الدعوة». كما أعلن مسؤول الاعلام الخارجي في التيار الوطني الحر سيمون ابي رميا، أن التيار «يرحب بشدة بالدعوة»، مشيراً الى ان هذه المبادرة طرحت خلال لقاء النائب ميشال عون مع كوشنير في باريس في 28 أيار الماضي. وقال مصدر في تيار المستقبل «إننا على استعداد تام للتجاوب مع المبادرة عندما تطلق رسمياً». ورحب قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع «بالمطلق بأية دعوة الى الحوار». ورأى أن الحوار الذي تدعو إليه فرنسا «يتخطى الكثير من العقبات إذا اعتمدت صيغة طاولة الحوار الماضية من حيث الحضور»، مقترحاً أن يكون ذلك برعاية البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير.
الوساطة السعودية
في هذه الأثناء واصل السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة اتصالاته، وهو أبلغ قوى بارزة في المعارضة ترحيب بلاده وتيار «المستقبل» بفكرة قيام حكومة وحدة وطنية، وأنه يقوم بهذه الاتصالات من خلال تشاور متواصل مع الفرنسيين والايرانيين وحتى مع الاميركيين، وعلم أن السفارة الاميركية في لبنان كلفت أحد أبرز دبلوماسييها المتابعة مع خوجة، بينما عملت قوى في 14 آذار امس على «تهدئة خاطر جعجع وشخصيات أخرى من مسحيي الفريق تحت عنوان أنها سوف تضمن ألا تتراجع حصة تمثيل هؤلاء في أي حكومة جديدة» وهو الأمر الذي يثير حفيظة القوات وشخصيات في الموالاة تعتقد أن التسوية سوف تكرّس النفوذ الاكبر للتيار الوطني الحر.