بـري يشـكو مظاهـر مسـلحة في بيـروت تذكّـر بالحـرب وفيلتمـان «لا يعـرف ما تريـده» المـوالاة
ما إن غادر الموفد الفرنسي جان كلود كوسران بيروت مساء أمس، مختتماً جولته على أركان الموالاة والمعارضة بلقاء تأخر يومين مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، حتى تلقى الاخير اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير تناول المبادرة الفرنسية الهادفة الى جمع قيادات الصف الثاني في فريقي الأكثرية والمعارضة الى طاولة حوار في باريس تمهّد لحوار لاحق في بيروت على مستوى الصف الأول.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية أن الاتصال تناول «الأوضاع الراهنة المحيطة بلبنان والمنطقة»، وأن كوشنير أكد للسنيورة «دعم الحكومة الفرنسية للبنان والحكومة اللبنانية في سياستها ومواقفها والإجراءات التي تتخذها»، مشيرة إلى أن البحث «تطرق الى أهمية الدعوة الى الحوار، التي أبلغها الموفد الفرنسي للأطراف اللبنانية».
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس أن الحوار بين الأطراف اللبنانية المرتقب أواخر حزيران الجاري في فرنسا سيكون مفتوحاً أمام «الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان اللبناني وممثلين عن المجتمع المدني». وقال المتحدث باسم الوزارة، جان باتيست ماتيي، «إننا في مرحلة تشاور»، ولم يحدد من هم المشاركون في الاجتماع، مكتفياً بالاشارة الى أن طاولة الحوار ستضم لبنانيين وممثلين عن السلطات الفرنسية.
ورداً على سؤال عن احتمال مشاركة شخصيات غير لبنانية، قال المتحدث الفرنسي إن الاجتماع «لن يكون مؤتمراً دولياً» و«لا يهدف أيضاً الى حسم المسائل الأكثر حساسية من الناحية السياسية». وختم قائلاً «إنه ليس مؤتمراً جديداً أو اجتماعاً رسمياً، إنها فرصة حقيقية لعقد لقاء غير رسمي بين ممثلين عن القوى السياسية اللبنانية... وقد رأينا أن هناك فائدة في ذلك».
الأصابع الشيراكية
وأفاد مراسل «الأخبار» في باريس بسام الطيارة أن الاستقبال الفاتر الذي لاقته المبادرة الفرنسية لدى فريق «الأكثرية»، صبّ مياهاً باردة على حماسة الدوائر الفرنسية، وسط تخوف الإدارة الساركوزية من أن تنتهي بفشل ذريع ينعكس سلباً على مبادرات في ملفات أخرى مثل دارفور. وعلق دبلوماسي فرنسي على تأخير لقاء السنيورة بكوسران يومين قائلاً «لو أن ديفيد ولش حضر الثانية ليلاً لاستقبله السنيورة بالبيجاما»، فيما أشار البعض الى «أصابع لبنانية موجودة في باريس» وراء محاولة إحباط المبادرة عبر بعث «استيضاحات ملوّنة بازدراء» إلى الدوائر المعنية مع عبارات «تشوبها الأبوية المتعالية» من نوع «فليحضر الجميع إلى باريس. لمَ لا!». ولم يتردد أحد القيّمين على هذا الملف بالقول «لقد كشف البعض أقنعتهم»، فيما وصف آخر الجو بأنه «جو صدمة حقيقية».
كذلك لاحظ مراقبون أن بعض الأوساط اللبنانية المقربة من الأكثرية، والتي تهكمت على فكرة اللقاء في باريس، بدأت تروّج روايات عن «خطأ ساركوزي وقلة خبرته». ويعتقد هؤلاء أن وراء كل هذا «أصابع (الرئيس السابق جاك) شيراك» الذي، بحسب مسؤولين عن الملف اللبناني، «ما زال قادراً على الأذية»، وخصوصاً أن جهاز المستشارين الدبلوماسيين الجدد للعهد الجديد لم يكتمل ولا تزال فيه الكثير من العناصر الشيراكية. إلا أن هؤلاء يحذرون من «اللعب كثيراً بذيل الأسد ساركوزي» قائلين إنه أثبت «أنه لا ينسى أبداً» من يسيء إليه، وإنه ما زال في بداية عهده.
بري والأكثرية
في غضون ذلك، حمل رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره امس على «ممارسات تجري في كل مؤسسات الدولة، وتحولت الى فوضى منظمة حتى إن الناس بدأوا يشاهدون في شوارع بيروت مظاهر غير مألوفة من وجود مسلحين بسيارات تذكّر بأيام الحرب، بحيث لا يعرفون الى من ينتمي هؤلاء المسلحون وهل هم في سلك القوات المسلحة أم ميليشيات أم ماذا؟». وكرّر بري التأكيد أن الأكثرية «لا تريد حواراً ولا تريد حكومة جديدة، وهي تمعن في سياسة المكابرة والتسلط». وقال «لو كانت هناك سلطة وحكومة موحدة وقرار وطني موحد لما حصل ما يحصل من خضات واهتزازات أمنية، ولما تجرأ أحد على شهر السلاح في وجه الجيش. لكن الانقسامات السياسية هي التي غذَّت هذه الظواهر».
وعلمت «الأخبار» أن بري أبلغ هذا الموقف الى الوزير الفلسطيني صالح زيدان، الذي زاره أمس، وطالب المنظمات الفلسطينية بأن تتحمّل مسؤوليتها لمعالجة قضية نهر البارد لأن المرجعيات الفلسطينية هي المسؤولة عن أمن المخيمات بموجب الاتفاقات المرعية الإجراء.
وتساءل بري «الى متى تستمر الحكومة في رمي كل أثقالها على ظهر الجيش الذي ما زال الأمل الباقي لحراسة الوحدة الوطنية وضمان السلم الأهلي؟ والى أين تأخذ الأكثرية البلد؟ وهل هي تعرف ما تريد؟».
وقد فوجئ بري بأن السفير الاميركي جيفري فيلتمان، الذي زاره امس، أبلغه أنه هو أيضاً لا يعرف ماذا يريد فريق الاكثرية. وقال له حرفياً «أنا مثلك لا أعرف ماذا تريد الاكثرية؟».
مخيم البارد
من جهة ثانية، استمر الجيش اللبناني أمس في قصف مواقع مسلحي حركة «فتح الإسلام» داخل مخيم نهر البارد، الذي شهد اشتباكات متبادلة ومتقطعة، تخللها قصف عنيف على المحورين الشمالي والشرقي. ووصف مصدر عسكري القتال بأنه «أشد من المعتاد». وترافق القصف مع حصول اشتباكات عنيفة في عمق المخيم. وأفيد أن الجيش أصبح على مشارف منزل كان يستخدمه قائد «فتح الإسلام» شاكر العبسي، ودمره كلياً، وألقى القبض أمس على عنصرين من فتح الإسلام، بعدما كان قد أسر أول من أمس عنصرين آخرين حاولا التسلل ليلاً إلى أحد مواقعه.
وعلى صعيد المبادرات، أدت حادثة إطلاق النّار على عضو «رابطة علماء فلسطين» الشيخ محمد الحاج، أثناء خروجه أول من أمس من مخيم نهر البارد، الى تجميد موقت للمبادرة التي تقوم بها الرابطة. وأوضحت مصادر فلسطينية، لـ«الأخبار»، أنّ «تعليق المبادرة موقتاً سببه الأساسي أن هناك اختلافاً وتبايناً في الرأي لا يزال واسعاً بين قوى التحالف الفلسطيني، التي وافقت على المبادرة المكوّنة من ستّ نقاط وأعلنت دعمها لها، وبين بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة «فتح»، التي أشار معنيون فيها إلى أنّها تفضّل «حسم هذا الأمر عسكرياً، لأنّ التعايش مع هذه الحركة، بعد كلّ ما أصاب المخيم من دمار، أمر غير مقبول أبداً».
وأعرب الحاج عن تفاؤله بـ«سير المفاوضات الحاصلة»، مشيراً إلى «ليونة وتجاوب لمسهما من القائد العسكري لفتح الإسلام شاهين شاهين».