strong>اغتيال النائب وليد عيدو و«14 آذار» تطلب تدخّلاً عربياً ضدّ سوريا وتدعو المعارضة للتراجع
الاغتيال الوحشي لنائب بيروت القاضي وليد عيدو ونجله خالد وثمانية من المدنيين، رسم صورة سوداء فوق بيروت التي لم تخرج بعد من رعب التفجيرات المتنقلة بين شوارعها. وهي المدينة التي ستخرج اليوم لتشييع الشهداء في موكب أريد له أن يكون رسالة في وجه مسلسل الإرهاب. فيما ساد التوتر البلاد من أقصاها الى أقصاها في ظل استمرار المواجهة بين الجيش اللبناني ومسلحي «فتح الاسلام» في الشمال، ومواصلة القوى الأمنية اعتقال مشتبه فيهم وضبط أدوات معدة للاستخدام في أعمال إرهابية.
ومع أن شوارع بيروت شهدت مساء امس بعض الأعمال الاحتجاجية التي ترافقت مع هتافات سياسية داخلية، إلا أن النائب سعد الحريري طلب من قيادات في تيار «المستقبل» العمل على ضبط الشارع ومنع أي انفعالات من النوع الذي يؤدي الى حصول فتنة في البلاد، وهو الأمر الذي يعمل عليه الطرف الآخر، حيث أفيد ليلاً عن إجراءات اتخذتها قوى المعارضة لمنع أي احتكاك أو انفعالات في المقابل.
إلا أنّ محاولات ضبط الغضب الشعبي ترافقت مع سلسلة من المواقف والبيانات التي أشارت الى مرحلة جديدة من المواجهة بين فريق 14 آذار وسوريا، الأمر الذي ينذر بمخاطر إضافية بسبب اتجاه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى مزيد من الخطوات المتصلة بطلب دعم خارجي لمواجهة «إرهاب النظام السوري» على ما جاء في البيانات والمواقف.
وإذ اكتفت المعارضة بإدانة الجريمة وتقديم العزاء والدعوة الى التوحد، فإن ما صدر عن الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري وعن اجتماع قوى 14 آذار، عكس خطوات تتجاوز الغضب الى مستوى الخطوات السياسية التي تمثل هروباً الى الأمام.
وكان لافتاً أن المشترك في مواقف السنيورة والحريري وبيان قوى 14 آذار وتصريحات الاقطاب فيها هو الآتي:
أولاً: تثبيت اتهام سوريا بالمسؤولية عن الجريمة وصلتها بمسلسل الجرائم الاخرى، وتوسيع دائرة طلب الضغوط من مستوى الأمم المتحدة الى مستوى الدول العربية من خلال دعوة مجلس جامعة الدول العربية الى اتخاذ موقف ضاغط على دمشق.
ثانياً: عدم الإشارة الى المناخ التشاوري حول قيام حكومة وحدة وطنية، والعودة الى مطالبة قوى المعارضة بالتراجع عن مواقفها وعن مطالبها وبرامجها وتحميلها مسؤولية التدهور القائم.
ثالثاً: العودة الى تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية عرقلة «قيام الدولة»، وهذه المرة من خلال تحميله مسؤولية عدم إجراء انتخابات فرعية، في مقابل ارتفاع منسوب القلق عند الفريق الاكثري من أن يكون هدف اغتيال النواب والوزراء هو تقليص حجم الأكثرية النيابية لمصلحة الآخرين.
رابعاً: الاتجاه نحو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بغية القيام بخطوات سياسية وأمنية وعسكرية في مواجهة سوريا والتمهيد لمرحلة المطالبة المباشرة بنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا.
ومع أن المواقف الصادرة عن العواصم العربية والدولية ركّزت على إدانة الجريمة وإعلان الوقوف الى جانب لبنان، فإن الآثار السياسية ستبرز خلال الايام القليلة المقبلة، علماً بأن الاهتمام انصبّ امس على عدم حصول أي تطورات أو ردود فعل داخلية، وسط إقفال طوعي بدأ منذ مساء امس ويستمر اليوم مع صدور قرارات رسمية وأهلية بالاقفال التربوي والتجاري الذي سيترافق مع تشييع كبير يعد له في العاصمة.
الجريمة
وكان انفجار سيارة مفخخة قد دوّى، عند الخامسة والنصف عصر أمس، مستهدفاً موكب عيدو المؤلف من سيارتين أثناء مغادرته مسبح «سبورتينغ»، ما أدّى إلى استشهاده ونجله البكر خالد واثنين من مرافقيه، وستة مدنيين وجرح 11 آخرين.
وأدّى عصف الانفجار، الذي قدّرته القوى الأمنية بما يعادل 80 كلغ من مادة «تي أن تي» إلى تطاير عدد من الجثث والأشلاء وقطع السيارات عشرات الأمتار نحو ملعب النجمة، وإلى أضرار مادية كبيرة. وحضرت إلى مسرح الجريمة قوة من الجيش عملت على تطويق المكان، وعناصر من مختلف الأجهزة الأمنية التي عملت على رفع الأدلة من مسرح الجريمة، ومسح الأبنية المحيطة بالمكان، وخاصة أسطح الأبنية المشرفة على مكان الانفجار، وخصوصاً أن الاحتمال الأبرز هو أن التفجير حصل بواسطة التحكم عن بعد.
ردود الفعل
ولاقت الجريمة موجة استنكار عارمة، فرأى الرئيس إميل لحود فيها «حلقة جديدة من مسلسل الجرائم الارهابية منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري»، مشيراً الى «تزامن الاغتيال مع تقدم المساعي لإيجاد حل للأزمة السياسية». ونعى الرئيس نبيه بري عيدو، متخذاً باسم المجلس «صفة الادعاء على المجرم أو المجرمين والمخطط أو المخططين والمتواطئين في تنفيذ هذه الجريمة». ودعا اللبنانيين «الى الانتباه واليقظة من أصابع الفتنة التي تغزل مؤامراتها». واتصل بالحريري معزياً.
وأجرى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فور حصول الجريمة، سلسلة اتصالات شملت قادة عرباً والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ودعا في كلمة مجلس وزراء الخارجية العرب الى«الانعقاد استثنائياً وتحمّل الجامعة العربية مسؤولياتها إزاء لبنان وأمن مواطنيه ومستقبل حرياته» وطلب من الأمم المتحدة «المساعدة الأمنية والتقنية للمؤازرة في كشف هذه الجرائم الفظيعة، وتوسيع التحقيق الدولي لكي يشمل هذه الجريمة الإرهابية الجديدة»، وتوجه الى المعارضة متسائلاً: «إلى متى يبقى المجلس (النيابي) مقفلاً ولماذا؟ وإلى متى يبقى الاعتصام في وسط بيروت؟».
وبدوره اتهم النائب الحريري سوريا من دون أن يسميها بالتورط في اغتيال عيدو، ودعا «الجامعة العربية الى تحمل مسؤولياتها إزاء النظام الارهابي الذي يخل بأمن لبنان ويقتل رجاله». وأضاف «إما أن تتمكن الجامعة من حماية لبنان، وإما أن تقاطع نظام الارهاب الذي يعتدي عليه».
وتداعت قوى 14 آذار الى اجتماع موسع في قريطم، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه الجريمة «رسالة واضحة من النظام السوري رداً على قيام المحكمة الدولية»، وشددت على «إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في المتن الشمالي وبيروت لملء المقعدين الشاغرين باستشهاد النائب بيار الجميل والنائب وليد عيدو، وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية أي استمرار في عرقلة هذه الانتخابات واعتباره شريكاً مباشراً في الجرائم، ودعوة الحكومة الى مطالبة المجتمع الدولي بضم الجريمة الى ملف التحقيق الدولي، وتقديم شكوى ضد النظام السوري الى جامعة الدول العربية، ومطالبة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بمساعدة لبنان على ضبط الحدود مع سوريا ووقف تسلل المسلحين وتدفق الاسلحة الى الاراضي اللبنانية».
وتلقى الحريري اتصالاً من العماد ميشال عون الذي رأى ان الجريمة «ربما تهدف الى توسيع رقعة الاضطرابات التي بدأت بالشمال» محذراً من ان «التصرف الثوري يمكنه ان يطور المشكلة والجريمة الى مشكلة وجريمة اوسع». وفيما سارع النائب وليد جنبلاط الى اتهام سوريا بالوقوف وراء الاغتيال، دانت كتلة «الوفاء للمقاومة» هذا «العمل الإرهابي الجبان»، ودعت اللبنانيين «الى التضامن والوحدة»، وتقدمت من كتلة «المستقبل» ورئيسها واللبنانيين جميعاً بأحر التعازي.
كوسران
من جهة أخرى، كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ«الأخبار» أن الموفد الفرنسي جان كلود كوسران سيتوجه إلى دمشق في الساعات المقبلة، في زيارة يلتقي خلالها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، وذلك في اتصال هو الاول بين باريس ودمشق على هذا المستوى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وكذلك الاتصال الأول بين إدارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والقيادة السورية.
وكان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي أعلن أمس ان «السفير كوسران موجود حالياً في المغرب للالتقاء بوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إضافة الى مسؤولين مغاربة». ورداً على سؤال عما اذا كان كوسران سيتوجه لاحقاً الى دمشق وطهران، أجاب: «اذا وجدنا أن من الضروري عرض هذه المبادرة في دول اخرى فإن انتقال الوزير كوسران يصبح ممكناً».
وذكرت صحيفة «لوكانار أونشانيه» الفرنسية أن الولايات المتحدة تدعم إجراء فرنسا اتصالات مباشرة مع سوريا «والقوى المؤيدة لها في لبنان». وأوضحت أن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أعربت لنظيرها الفرنسي برنار كوشنير عن تفهمها لإجراء هذه الاتصالات.
جبهة البارد
شمالاً، شهد مخيم نهر البارد امس اشتباكات متقطعة فيما ظلت الوساطات والمساعي عاجزة عن التوصل الى أي حل ينهي القتال. ودلت التطورات الميدانية على ان المعركة بدأت تقترب من ساعة الحسم، فيما قال جميل رعد من «جبهة العمل الاسلامي»، الذي كان قد تولى المفاوضات، إن الجبهة أوقفت خط التفاوض، مضيفاً ان لا امكانية لأي طرح سياسي حالياً.
وفي وقت مبكر من نهار امس احترقت كل الخطوط الهاتفية الخلوية لقياديي «فتح الاسلام» في المخيم، وانعدمت الاتصالات بينهم وبين الصحافيين وبين الاطراف المفاوضة.