القاهرة ــ خالد محمود رمضان
في ختام جلسة عاصفة استمرّت أكثر من ست ساعات، قرّر مجلس الجامعة العربية، خلال اجتماعه الطارئ على المستوى الوزاري أمس في القاهرة، مساعدة لبنان على «ضبط حدوده مع سوريا لمنع تسرب السلاح»، ودعوة «الأطراف المعنية» إلى منع تسرّب المسلحين، وتأليف وفد عربي، يبدأ مهمته الأسبوع المقبل، مكلف بإجراء اتصالات مع الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية لاحتواء الوضع اللبناني.
وقرّر وزراء الخارجية تأليف وفد رفيع المستوى لإجراء اتصالات ولقاءات مع الرئاسة ومجلس النواب والحكومة ومختلف القادة السياسيين في لبنان «في ضوء ما يتعرض له من إرهاب وجرائم واغتيالات وتهريب للسلاح وتسلل المسلحين، والعمل على توفير الأجواء الملائمة لاستئناف الحوار الوطني اللبناني بشأن مختلف القضايا المطروحة، وإجراء ما يلزم من اتصالات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالوضع في لبنان».
قرّر الوزراء تقديم «المساعدة للحكومة اللبنانية والقوات المسلحة اللبنانية فى مواجهة الإرهاب وبما يمكنهما من ضبط الأمن ومساعدة لبنان على معالجة المشكلات الناجمة عن وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات».
وطالب المجلس، في قرار خاص بلبنان، الأطراف اللبنانية بوقف «الاتهامات الجزافية» تلبية لطلب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي قال دبلوماسيون عرب إنه طالب، في مداخلة امام نظرائه، بـ «وقف الاتهامات التي تطلقها بعض الجهات اللبنانية جزافاً ضد سوريا» بالتورط في التفجيرات والاغتيالات في لبنان.
وأضافت المصادر أن المعلّم دعا «الجهات اللبنانية، التي تطلق هذه الاتهامات الزائفة، إلى أن تكفّ عن استخدام الأدلة المزوّرة وشراء شهود الزور». واستهجن «الاتهامات التي تطلق جزافاً ضد سوريا بعد دقائق من الانفجارات والاغتيالات بما يؤدي إلى حالة من التحريض الشعبي على سوريا، وهو ما أدى إلى مقتل عدد من العمال السوريين في لبنان».
وأكّد المعلم، وفقاً للمصادر نفسها، أن سوريا «تدين ما تقوم به فتح الإسلام وجند الشام (في لبنان) وترى أنهما جزء من تنظيم القاعدة، وعناصرهما مطلوبة لدى سوريا، لأنهما يقومان بأعمال إرهابية داخلها». وفي ما يتعلق بضبط الحدود مع لبنان، قال المعلم إن «القرار السياسي السوري هو ضبط الحدود، وتمّ تعزيز الإجراءات بما في ذلك زيادة أعداد حرس الحدود».
ورغم أن الاجتماع كان مغلقاً، فإن بعض التفاصيل التي تسرّبت لـ«الأخبار» عكست الأجواء المكهربة منذ الساعة الأولى التى نوقش خلالها الملف اللبناني، بعدما طالب وزير الخارجية بالإنابة طارق متري بإدانة مشدّدة لسوريا وتحميلها مسؤولية ما يحدث في لبنان، إلا أن أي دولة لم تتحمس لمبدأ الإدانة الصريحة، واقترح البعض استبدال سوريا بـ «دول الجوار».
وطالب متري الدول العربية بمساعدة لبنان على ضبط حدوده والسلاح الفلسطيني على أراضيه. كذلك دعا إلى مساعدة الحكومة في ملاحقة قتلة الرئيس رفيق الحريري، لكنه لم يقدّم، كما كان متوقعاً، أي وثائق تثبت تورط دمشق في الأحداث الأخيرة في بيروت.
لكن مصادر عربية قالت إن متري عرض المستندات خلال الاجتماعات التشاورية لوزراء الخارجية العرب لإطلاعهم على وجهة نظر حكومته حيال العلاقات مع سوريا والشبهات التي تحيط بموقف دمشق من جملة التطورات الأخيرة في بيروت.
وكان متري قد عقد اجتماعاً رباعياً مع وزراء خارجية مصر أحمد أبو الغيط، والسعودية الأمير سعود الفيصل، والأردن عبد الإله الخطيب. وقال متحدث مصري إن الوزراء الأربعة «اتفقوا على ضرورة احترام المؤسسات الشرعية والدستورية والتزام قوانين الدولة، وإدانة كل عمل يخرج عن إطار الشرعية أو ينقلب عليها خدمة لأهداف خاصة أو إقليمية».
وقال متري، في كلمة أمام المجتمعين، إنه لم يتسنّ «بتوسيط العرب ولا بضغوط الأوروبيين وأطراف المجتمع الدولي والقرارات الدولية، التوصل الى حل لمشكلة دخول السلاح غير الشرعي والمسلحين إلى لبنان». وأضاف «بل زاد الوضع تفاقماً، وآخر مظاهره التعزيزات والتحركات العسكرية للجبهة الشعبية ــــــ القيادة العامّة وفتح ــــــ الانتفاضة على الحدود اللبنانية ــــــ السورية».
وفي قرار ثانٍ، حمّل المجلس الوزاري، بشكل غير مباشر، «حماس» مسؤولية الأحداث في الأراضي الفلسطينية، بإدانته «الأعمال الإجرامية» في قطاع غزة، حيث طالب بـ «عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الأحداث الأخيرة»، التي حمّل «فتح» وحماس» مسؤوليتها. وشدّد على بناء قوى الأمن الفلسطينية ودعمها وتمكينها من أداء دورها. كذلك قرّر تأليف لجنة لتقصّي الحقائق في الأحداث، لتقدم تقريرها إلى المجلس في غضون شهر. وقرر أيضاً تأليف لجنة لتحقيق المصالحة.
وأكد الوزراء العرب «ضرورة احترام الشرعية الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، واحترام المؤسسات المنتخبة بما في ذلك المجلس التشريعي» الذي تتمتع فيه حركة حماس بالأغلبية.
وخلال كلمته أمام الاجتماع، أعرب الفيصل عن «دهشته وعدم تصديقه لما يراه ويسمعه عن عمليات قتل وحشية وتصفيات جسدية وتمثيل بجثث القتلى وتدمير المنازل وحرقها» في غزة. وقال إن «الفلسطينيين حققوا من جراء هذا القتال الداخلي الحلم الذي كانت تحلم به إسرائيل، وهو زرع نار الفتنة بين الفلسطينيين وتأجيج نار الحرب»، مشيراً إلى أن «الفلسطينيين كادوا يضعون بأنفسهم المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية».
وأضاف الفيصل «نحن لا نعتقد بأن علينا أن نعرض حلولاً على المتصارعين بل نتوقع منهم أن يأتوا هم بحلول تطفئ الفتنة، فلا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع، بل الكل خاسر»، مشيراً إلى أن «استمرار ما يحدث الآن سيؤدي إلى حرب أهلية ستأكل الأخضر واليابس إذا كان هناك شيء أخضر قد بقي».
وكان رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل قد أبلغ الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في اتصال هاتفي، ضرورة اتخاذ موقف متوازن يكتفي فقط بالإشارة إلى الشرعية الفلسطينية من دون تخصيصها فصيلاً معيّناً.
ودعا مشعل من دمشق الوزراء العرب المجتمعين في القاهرة إلى عدم مساندة طرف فلسطيني دون آخر. وأضاف «أتمنى على مؤتمر الوزراء العرب أن يقف موقفاً عربياً رصيناً ويقدم مظلة للحوار الفلسطيني» من أجل الاتفاق على «إعادة تشكيل الاجهزة الامنية على اسس وطنية ومهنية وتأليف حكومة وحدة وطنية»، مشدّداً على أن «حماس» لا تسعى إلى «اغتصاب السلطة».
وقال مشعل «لا ينبغي أن ينظر إلينا أحد من زاوية مشروع الأصولية الإسلامية، فنحن أصلًا حركة تحرر وطني هدفنا الأساسي هو إنجاز مشروعنا الوطني، وأطمئن دول الجوار إلى أننا لا نصدّر ثورة ولا ننقل عدوى، ولا يرمينّا أحد بأن لنا حسابات إقليمية ولسنا في جيب أحد».
وأضاف مشعل أن «الحدث مهمّ وكبير. لا نقبل تجزئة الوضع. غزة ليست لحماس والضفة ليست لفتح. فتح وحماس جزء من الوطن. لا احتكار. هذا التفكير ليس وارداً عندنا ولن ينجح، إن كان هناك من يتآمر علينا. الوطن لا يتجزّأ. الوطن للجميع».
ووصف مشعل ما جرى بأنه «خطوة اضطرارية للتعامل مع حالة أرادت أن تفرض نفسها على الجميع، على إخواننا في فتح وعلى المشروع الوطني». أضاف «نحن في حماس نحترم الإخوة في حركة فتح، فهي حركة مناضلة نحترم مناضليها وهم شركاء معنا في المقاومة».
وقال مشعل «المشكلة ليست مع فتح أو مع أبو مازن». وأضاف «نحترم شرعيته ولا أحد يجادل فيها، هو رئيس منتخب سنتعاون معه من أجل المصلحة الوطنية». وأوضح «عباس أقدم على خطوة، وهي حل الحكومة وإقالة رئيس الحكومة. نحن أمام أزمة فلسطينية وأبو مازن (عباس) لا يعالج الموقف. هناك انقسام على الساحة الفلسطينية وهي حالة مؤسفة. أحمّل المجتمع الدولي مسؤولية أساسية عن تفاقم الأوضاع الداخلية الفلسطينية من دون أن أعفي أنفسنا كفلسطينيين من تحمّل المسؤولية».
كذلك وجّه كلامه لحركة «فتح» وطالبها بعدم نقل الفتنة إلى الضفة الغربية. وقال «أزمتنا ليست مع فتح. لا تنقلوا الفتنة إلى الضفة. لا تظنّوا حماس ضعيفة في الضفة».
وفي ردّ على مشعل، رفض المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني، احمد عبد الرحمن، أي حوار مع حركة «حماس». وقال لقناة «الجزيرة» القطرية، «ما جرى في غزّة هو انقلاب مدبّر على الشرعية». وأضاف «لا حوار مع الانقلابيين مهما كانت الاعتبارات».
واتهم الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــــــ القيادة العامة أحمد جبريل أنظمة عربية بـ «صبّ الزيت على النار» في الأزمة الفلسطينية. ودافع عن حركة «حماس»، مشيراً إلى أن «انتصارها في الانتخابات التشريعية لم يرض قيادة فتح ولا أغلب الأنظمة العربية ولا الإدارة الأميركية ولا الكيان الصهيوني».
واتهم جبريل بعض الدول العربية من دون تسميتها بـ «إقامة معسكرات لتدريب وتسليح حرس الرئاسة والأجهزة الأمنية المسيطر عليها من أمراء حرب معروف عنهم ارتباطهم بأميركا والإسرائيليين».