برّي يدعو الأكثريّة إلى حوار يقود إلى حكومة مشتركة أو حكومة واحدة... والوفد العربيّ تنتظره صعوبات
رغم الحدث الأمني المفاجئ جنوباً، ورغم توسّع المواجهات شمالاً بعد نجاح الجيش في توجيه ضربات قاسية الى مسلّحي فتح ــــــ الإسلام، لم يخفّ التوتر السياسي الداخلي المرشّح لقليل من الراحة خلال اليومين المقبلين مع وصول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى برفقة وفد من الجامعة. وقد تضاربت التقديرات في شأن ما يحمله موسى، وفي شأن قدرته على تحقيق اختراقات جدية، وسط مؤشرات على عدم رضى أميركي عن أيّ مبادرة عربية أو أوروبية في الوقت الحاضر.
وحتى مساء أمس، لم تكن المواعيد قد حُدّدت بصورة كاملة لموسى والوفد المرافق. وكان لافتاً إيفاد السنيورة لوزير الثقافة طارق متري إلى الأردن في مهمة عاجلة، تردّد أنّها على صلة بالمناقشات العربية وبجانب آخر يتصل بالمعلومات الأمنية عمّا يجري في لبنان الآن. وذكرت مصادر دبلوماسية عربية في القاهرة أنّ موسى يحمل فكرة وحيدة تقول بإمكان إطلاق مبادرة حوارية مكثفة بإشراف الجامعة العربية لإنتاج توافق على الحكومة أو الرئاسة أو الاثنتين معاً. وقالت المصادر إن المساعي السعودية تجمّدت الآن ربطاً بالاتصالات مع موسى، وإن الأخير ليس كثير التفاؤل، لكنّه «قلق جداً من تطوّرات الوضع في لبنان».

الانتخابات الفرعية

في ملف الانتخابات الفرعية التي قرّرتها حكومة الرئيس فؤاد السينورة في الخامس من آب المقبل، لم يطرأ أي جديد نوعي سوى إبلاغ الرئيس إميل لحود البطريرك الماروني نصر الله صفير رفضه توقيع مرسوم صادر عن حكومة لا يعترف بها لا هو ولا نصف اللبنانيين.
وقالت مصادر قريبة من لحود إن الخلوة بين الرئيس والبطريرك تناولت الوضع في مخيم نهر البارد والمعركة التي يخوضها الجيش هناك، مروراً بجريمة اغتيال النائب وليد عيدو والتفجيرات والهجرة والخلافات السياسية، وصولاً الى الانتخابات الفرعية.
وذكرت المصادر أن لحود قال لصفير «إن الموالاة تقول إني أُعارض إجراء الانتخابات الفرعية. إنّ هذا الاتّهام غير صحيح بدليل أنني أجريت انتخابات فرعية مرّتين عندما تمّ ملء المقعدين النيابيين اللذين شغرا بوفاة النائبين إدمون نعيم وجبران تويني. لكن يومئذ، كانت الحكومة لا تزال شرعية ودستورية. أمّا الآن، وبعدما باتت الحكومة فاقدة شرعيتها الدستورية، فلا يمكنني توقيع أي مرسوم الى جانب توقيع رئيسها. هم يريدون تجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذه سابقة خطرة لا يمكنني ان أُسلّم بها لأن هذه الصلاحيات ليست صلاحيات إميل لحود الشخصية، إنّما هي ملك موقع رئيس الجمهورية».
وإذ حذّر صفير من خطورة دخول البلاد في تجربة الحكومتين مجدّداً، مذكّراً بسلبيات التجربة الماضية، أكّد له لحود أنه يعي تماماً هذا الأمر، لذلك فإنه يدعو ويلح على جميع الأطراف للاجتماع والاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتجنيب لبنان انعكاسات ما تشهده المنطقة من أحداث وتطورات خطيرة، منها الانقسام الحاصل في الأراضي الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» الذي يبعث على الخوف من احتمال وجود مخطط لإحداث وضع مماثل في لبنان.

بري: شراكة أو حكومة لهم

من جانبه، أبدى الرئيس نبيه بري انطباعات إيجابية عن المسعى العربي الجديد. ورأى أنه يتلاقى مع جهوده لإحياء الحوار الداخلي. وقال بري لـ«الأخبار» إن مهمة الوفد تتعدّى استطلاع الآراء إلى حضّ الأفرقاء اللبنانيين على مباشرة حوارهم الذي يقتضي أن يؤول سريعاً الى تأليف حكومة وحدة وطنية، و«هي الغاية المطلوبة من هذا الحوار». وإذ لاحظ أنها أيضاً المهمة المحددة للوفد، قال: «بعد تأليف حكومة وحدة وطنية، ليس ثمة حاجة الى حوار داخلي لكون هذا الحوار ينتقل الى طاولة مجلس الوزراء».
وثمّن بري إيجاباً الموقف الأخير للرئيس السنيورة بموافقته على تأليف حكومة وفق معادلة 17 + 13، وقال: «حسناً. فلنبدأ فوراً الحوار انطلاقاً من كلامه، وليطرح هو وفريقه في الحوار ما لديهما من اقتراحات لبرنامج عمل الحكومة الجديدة، ونطرح نحن كمعارضة ما لدينا، ونناقش بلا شروط مسبّقة وبانفتاح كامل، ونتفق. وهذا يعني حكومة جديدة وبياناً وزارياً جديداً. وإذا لم نتفق على برنامج الحكومة الجديدة، فلن نقف عقبة في طريق تأليفها. نخرج من الائتلاف الحكومي وليأتِ هو بوزراء شيعة آخرين ونكون نحن في المعارضة. ولتكن حكومة من فريقه هو مئة في المئة. لن نعترض. لكن نكون عندئذ أمام حكومة دستورية وميثاقية، غير مطعون فيها، حتى وإن لم نكن نحن فيها. وسيتأكدون ساعتئذ من أن نبيه بري يفتح أبواب مجلس النواب أمام حكومة شرعية ودستورية».
وأضاف: «في ظل الوضع القائم لا يمكنني أن أستقبل في مجلس النواب حكومة غابت عنها طائفة كبيرة ورئيسية. ولسوء الحظ أنا أدافع في هذا المجال عن الطائفة الشيعية لأنها هي الغائبة عن الحكومة. ولو غابت طائفة أخرى غير شيعية لفعلت الأمر ذاته، وربما كنت أقل إحراجاً. لن أستقبل حكومة فاقدة الشرعية الميثاقية لئلا أُسجّل سابقة خرق الدستور، كما فعلت عندما رفضت تسلّم مرسوم إحالة الى مجلس النواب لم يوقّعه رئيس الجمهورية تفادياً لتسجيل سابقة خرق دستوري أتحمّل تبعته».
وقال رئيس المجلس: «لن أسمح للفريق الآخر بأن يعمد الى تحميل المعارضة خراب البلد الذي يريدون إيقاعه فيه. وآمل أنهم لن يرتكبوا المعصية الكبرى. وآمل أيضاً ألّا يتجاوزوا ليس الخط الأحمر فقط، بل أيضاً الخطّ ما فوق البنفسجيّ».

مشاورات المعارضة

في هذه الأثناء، بدأت سلسلة من المشاورات بين الرئيس لحود وقيادات في المعارضة بشأن الخطوة المقبلة. وهو كرّر أنه لا يمكنه الانتظار طويلاً، وأنه أعطى قوى المعارضة مهلة حتى منتصف الشهر المقبل لإبلاغه خطة المعارضة في مواجهة برنامج الأكثرية.
وتتركّز المشاورات على الخطة التي ستواجه بها المعارضة هجوم الأكثرية، وخصوصاً إذا فشل المسعى العربي. وتردّد أن الحديث يتعلق بتأليف حكومة جديدة قبل نهاية الشهر المقبل، تتولّى هي الدعوة الى انتخابات فرعية في الموعد نفسه الذي حدّدته حكومة السنيورة. وهذا ما دفع بالقوى الأساسية الى عدم تحديد موقف نهائي من الدعوة الى انتخابات فرعية. وظلّت المواقف عند حدود الدعوة الى خطوة دستورية من خلال ضمان توقيع رئيس الجمهورية القرار.

نهر البارد والجنوب

في هذه الأثناء نجحت قوات الجيش اللبناني في التوغّل داخل مخيم نهر البارد ونسف مقارّ تخصّ مسلحي فتح ــــــ الإسلام. وقالت مصادر عسكرية إن الجيش لم يعد يواجه المقاومة نفسها التي قامت في الفترة السابقة، وإنه أمكن تحديد إطار حركة المسلحين وقطع الاتصال عنهم، وإن الأيام القليلة المقبلة ستكون لأجل تضييق الخناق أكثر وإن أحداً لم يقفل الباب على أي خطوات سياسية تقود الى حلّ سريع. ونقلت المصادر عن قائد الجيش العماد ميشال سليمان قوله إن الجنود ينفذون مهمة عسكرية ولا يقومون بعمل انتقامي.
في هذه الأثناء، أُطلقت أمس صواريخ كاتيوشا على مستعمرات إسرائيل الشمالية في حادث هو الأول من نوعه منذ حرب الصيف الماضي. وتبيّن لكل القوى العاملة في الجنوب، كما لإسرائيل، أن عناصر تابعين لتنظيم فلسطيني هم من أطلق الصواريخ من منطقة حدودية، وأن حزب الله لا علاقة له بالأمر. لكنّ الرئيس السنيورة رأى أن الحادث له هدف سياسي ينحصر في إشاعة الانطباع بأن انتشار الجيش وقوات الطوارئ الدولية في الجنوب لا يفيد في ضبط الأمن والاستقرار هناك.