بري نبّهه الى جدّية خيار الحكومة الثانية والسنيورة وجنبلاط أثارا ملف الحدود... وجبهة البارد تنتظر الحل
لم يتلمّس أطراف النزاع اللبناني مبادرة من نوع خاص من جانب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والوفد العربي المرافق، فظلّت الأمور عامة في يومها الأول، رغم أن دبلوماسيين عرباً مرافقين لموسى لفتوا الى أنه يركّز على ترتيب استئناف الحوار بين القوى المتنازعة، على قاعدة البحث عن حل لتأليف حكومة وفاق وطني، وإلى أن الجامعة العربية ستبذل، من جهتها، كل الجهود مع العواصم العربية والإقليمية والدولية المعنية لدعم خطوة كهذه، فيما أعلن موسى أن الاجتماعات ستتواصل «غداً (اليوم) وبعد غد (غداً) ولدينا وقت لنشفي الغليل يوم الخميس».
وذكرت مصادر مطلعة أن الاجتماعات الاولى لموسى بدت استطلاعية، وأن من المنتظر أن يعرض بعض الافكار في اليومين المقبلين في ضوء ما يسمعه من الفريقين، من دون أن تكون هناك إشارات إلى اختراقات كبيرة، وهو الأمر الذي دفع بموسى نفسه الى الحديث مع متصلين به عن ضرورة التروي وعدم تحديد سقف مسبق للتوقعات، لئلا تصاب المهمة بنكسة أو بفشل، وخصوصاً أن التباعد كبير بين الاطراف اللبنانية.
وقد نفى موسى، الذي يريد فريق 14 آذار منه حصر جدول أعماله بملف الحدود مع سوريا، أن يكون وزير الخارجية بالوكالة طارق متري قد حمل إليه ملفاً أمنياً يشرح مسؤولية سوريا في ما يجري على الأراضي اللبنانية، كما لم يثر الموضوع مع الرئيس بري، فيما سمع الكثير عنه من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط.
بري والسنيورة وجنبلاط
وعلمت «الأخبار» أن موسى استهلّ اللقاء مع بري بإبداء العواطف والرغبة في المساعدة، فيما عرض رئيس المجلس مجمل مراحل الأزمة والمبادرات التي قام بها وما اصطدمت به من عقبات، وقال: «إن كل خطوة كانت تُربط بالمحكمة الدولية، أما الآن، وبعدما أُقرت المحكمة وصارت خارج التداول، فقد بات من المفروض البحث في تأليف حكومة الوحدة الوطنية. وأنا قلت دائماً إن المشكلة هي في الحكومة وليست في المحكمة». وأضاف: «باسم المعارضة أؤكد أنها تبدي كل استعداد وانفتاح على الحوار الجدي في القضايا التي يمكن من خلال معالجتها وضع البلاد على طريق الخلاص. ولكن لا حوار من دون إطار. يجب أن نحدّد الإطار، وعلى أي شيء سنتحاور. حتى الآن لا نعرف ما الذي يريده الفريق الأكثري، بعضهم طرح موضوع توسيع الحكومة، وبعضهم الآخر طرح تأليف حكومة جديدة على أساس برنامج سياسي واضح، وبعض ثالث قال إن حكومة الوحدة الوطنية أصبحت وراءنا، ومنهم من قال إن حكومة الوحدة الوطنية موجودة وهي حكومة الرئيس السنيورة وعلى الوزراء المستقيلين العودة إليها».
وتساءل بري أمام الوفد: «على أي قاعدة سنتحاور، وخصوصاً أن قوى 14 آذار قالت في بيانها بعد إقرار المحكمة الدولية إن المهم الآن هو إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وبعده تولد حكومة الوحدة الوطنية؟». وقال: «شوفوا الإخوان شو بدهم، ونحن جاهزون للكلام. نحن في المعارضة نعرف ما نريد ونحن جاهزون. إذا أرادوا توسيع الحكومة من خلال بقاء بيانها الوزاري على ما هو فنحن جاهزون، وإذا أرادوا حكومة جديدة فنحن حاضرون لمناقشة النقاط التي تسبق تأليفها».
وشرح بري كيف أن الوضع اللبناني تحيط به «مخاطر مؤكدة». وأشار الى أن ما حصل من اهتزازات أمنية واغتيالات وتفجير في مخيم نهر البارد «كان نتيجة عدم توحد السلطة في لبنان، وإن غياب التوحد الوطني اللبناني هو ما غذّى هذه الظواهر، وكذلك فإن عدم توحّد السلطة الفلسطينية هو الذي أدّى الى ما شهدناه في غزة، وبالتالي فأنتم تعالجون في لبنان الأزمة اللبنانية وتأثيرات الأزمة الفلسطينية من خلال امتداداتها وروافدها على الساحة اللبنانية». وحذر من أن فشل الجامعة العربية في معالجة الازمة اللبنانية «سيعني سقوطاً للبنان وسقوطاً للجامعة في آن واحد».
وردّ بري على أسئلة عدة وجّهها الوفد العربي إليه، وخصوصاً حول موضوع حكومة الوحدة الوطنية، فقال: «قبل مجيئكم الى هنا بأيام قليلة، كان هناك مسعى للسفراء العرب من أجل قيام حكومة وحدة وطنية لمواجهة تحديات أزمة مخيم نهر البارد والتفجيرات والاغتيالات. وقد طُرحت علينا فكرة حكومة الـ17 + 13، وانتهت هذه الفكرة في بزمّار عند الدكتور سمير جعجع بالعودة الى بدايات المبادرة العربية أي حكومة الـ19+ 10+ 1». وشهد على كلام بري في هذا الصدد السفيران السعودي عبد العزيز خوجة والمصري حسين ضرار اللذان كانا حاضرين. وإذ أكد بري للوفد «أن المعارضة تُسهّل الأمور وأن الأكثرية هي من يعقّدها»، اتفق موسى معه على أن يعود الوفد الى الاجتماع به ثانية غداً الخميس، على الأرجح، بعد أن يكون قد استطلع مواقف فريق 14 آذار». وأبلغ رئيس المجلس الوفد العربي أن استمرار الامور على النحو القائم سيدفع بالآخرين الى خطوات قد يكون منها قيام حكومة ثانية، وبالتالي فإنه ليس متوقعاً إجراء انتخابات رئاسية في ظل الانقسام القائم.
أما مع جنبلاط، فإن إشكالاً دبلوماسياً سبق توجه موسى الى لقائه تمثل في امتناع بقية أعضاء الوفد عن المشاركة بعدما رفض وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري أحمد بن عبد الله آل محمود المشاركة نظراً الى مواقف جنبلاط التي أطلقها ضد أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. وكرّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أمام الأمين العام للجامعة العربية مطالبة العالم العربي بـ«خطوات حاسمة لردع سوريا التي تواصل أعمال القتل والتفجير وتوريد الإرهاب الى لبنان، وأن هذا الامر يمثّل أولوية، وأن تأليف حكومة وحدة وطنية يجب أن تسبقه ضمانات بأن لا تمسك المعارضة برقبة الحكومة وتعطل القرارات إذا أخذت الثلث المعطل من دون تعديل في برنامج العمل السياسي، متحدثاً عن كل الملفات بما فيها سلاح المقاومة والرئاسة والوضع على الحدود مع سوريا».
وفي السرايا، أبدى الرئيس السنيورة أمام الوفد العربي تأييده لقيام حكومة وفاق وطني، لافتاً الى «عرقلة من جانب المعارضة من خلال طلبات كثيرة، وإن المواقف التي تصدر في أكثر من مناسبة لا تشجع على قيام الشراكة كاملة منذ الآن». وكرر مواقف 14 آذار من الملفات الخلافية بما فيها العلاقة مع سوريا.
وكان موسى قد قال لدى وصوله إن «الرياح التي تعصف بلبنان خطيرة والظروف صعبة، ولكن مهما كانت الصعوبات يمكن للبنانيين أن يتفقوا». وأضاف: «لا نية حالياً للتوجه الى سوريا»، لافتاً الى أن «مهمتنا مدعومة كلياً من العرب ومن المجتمع الدولي»، وأن الجامعة ستطرح على الأطراف اللبنانية المختلفة «مشروعاً وتصوراً لبعض النقاط المحددة، لكنه يخضع للطرح والاستماع والنقاش... وسنستمع إلى آراء هذه الأطراف أولاً قبل أن نتوقع ردوداً إيجابية منها».
وعلى جدول أعمال الوفد اليوم لقاء رئيس الجمهورية إميل لحود وقيادة الجيش والنائب سعد الحريري وقياديين في «حزب الله» وشخصيات أخرى، على أن يزور غداً دار الفتوى، ويلتقي النائب ميشال عون والبطريرك نصر الله صفير والرئيس أمين الجميل وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب السابق نسيب لحود ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان.

المبادرة الفرنسية

الى ذلك، بدا أمس أن مبادرة الحوار اللبناني التي أطلقها وزير الخارجية برنار كوشنير تلفظ أنفاسها الأخيرة، إذ رأى الناطق الرئاسي الفرنسي دافيد مارتينو «أن من المبكر جداً الحديث عن مبادرة». وعلى رغم نفي الناطق باسم الخارجية جان باتيست ماتيي أن تكون باريس في صدد إرجاء موعد اللقاء، إلا أنه استطرد أن «أي قرار لم يتخذ بعد»، مشدداً على أن فرنسا «لا تزال في طور التشاور»، فيما أشارت أوساط دبلوماسية في باريس الى «ممانعة» قوية للمبادرة من قوى مؤثرة إقليمياً وعلى الساحة اللبنانية، ما جعلها «ميتة قبل ولادتها». وعلى رغم ذلك، علمت «الأخبار» أن الموفد الفرنسي جان كلود كوسران توجه أمس الى طهران لمتابعة اتصالاته في شأن الحوار.

نهر البارد

في هذه الأثناء كان الجيش اللبناني يحكم قبضته على آخر الابنية الرئيسية في المخيم الجديد ويقترب من محاصرة كاملة للمخيم القديم، بعد معارك قاسية خسر فيها ثلاثة شهداء، فيما ذكرت معلومات من داخل المخيم أن قادة أساسيين في «فتح الإسلام» تواروا عن الأنظار، وأن البحث في حل يستند إلى وساطة حركة الجهاد الإسلامي ورابطة علماء فلسطين ينتظر قرار قيادة الجيش من مسألة وقف النار وتسلم قوة أمنية فلسطينية الأمن في المخيم القديم وتسهيل عودة النازحين من أبناء المخيم، ثم الشروع في حملة أمنية وقضائية لاعتقال متورطين في الجرائم ضد الجيش، على أن يتم ذلك بعد إعلان مسلحي «فتح الإسلام» وقفاً للنار من جانبهم، وتسليم أسلحتهم الى القوة الفلسطينية، وهو الأمر الذي تردد أمس أنه قد يتم اليوم أو غداً على أبعد تقدير.