في زيارته الماضية الى لبنان نهاية السنة الماضية، سافر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بخلاصة هي عبارة عن سؤال: من يسبق من؟ الاتفاق على الحكومة أم إقرار المحكمة الدولية؟ وها هو يعود اليوم الى بيروت في مهمة ثانية ويخرج بنتيجة مشابهة خلاصتها: من يسبق من؟ الحوار أم تأليف الحكومة؟وفي اليوم الثالث، ولدت حركة عمرو موسى والوفد المرافق بضع أفكار لا تبدو قابلة للتحول الى مبادرة متكاملة، وهو ينتظر جولة أخيرة من المشاروات مع الافرقاء المعنيين قبل أن يعلن نتيجة ما قام به، وسط انطباعات سلبية لدى مراجع كانت في قلب الاتصالات، وأبلغت «الأخبار» أن الوفد لم يحمل معه عرضاً جدياً سوى الدعوة الى الحوار باعتباره مدخلاً الى علاج القضايا الخلافية.
ومع أن العنوان «يبدو مشوّقاً» بحسب أحد الذين التقوا الوفد العربي، الا انه «ينم عن سذاجة سياسية، باعتبار أن موسى والوفد المرافق كما فريق 14 آذار يعرف أن الحوار حصل مرات ومرات، مباشرة وبواسطة موفدين ووسطاء»، وأضاف المرجع: «كل القضايا الخلافية معروفة وبالتالي فإن المطلوب الآن خطوة عملية تجعل من الحوار آلية لمعالجة المشكلات القائمة».
في غضون ذلك كان ملف الحدود اللبنانية ـــــ السورية يقفل على تصريحات لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع أكد فيها أن دمشق لا تفكر أبداً في إقفال الحدود كاملة مع لبنان، واصفاً ما اتخذ من إجراءات بأنه يعود الى أسباب أمنية. وحذر الشرع من وجود قوى سياسية في لبنان تريد أخذه الى الانهيار.
صيغة لبري
وعلمت «الأخبار» أن موسى بحث مع الرئيس نبيه بري، خلال غداء العمل الطويل بينهما، في صيغة حملها إليه من النائب سعد الحريري، بحيث تبحث طاولة الحوار هذه في قضايا حكومة الوحدة الوطنية ورئاسة الجمهورية والامن والحدود مع سوريا والسلاح الفلسطيني، وقد أبلغ بري موسى أنه لا يستطيع أن يوافق على هذه الصيغة قبل عرضها على كتلته النيابية وعلى حلفائه. وعندما عاد موسى الى عين التينة أمس قال لبري إن ثمة قضايا كنتم قد اتفقتم عليها على طاولة الحوار الشهيرة. فذكره بري بأنه في آخر زيارة له لبيروت كان البحث يتركز على التوازي بين الحكومة والمحكمة، ولكن الآن وبعدما أقرت المحكمة فقد بات المطلوب السير في تأليف حكومة الوحدة الوطنية.
وقال بري لموسى إن موقف المعارضة هو تأليف حكومة وحدة وطنية غير خاضعة لأي التزامات أو شروط مسبقة تطرح فيها كل القضايا وتكون طاولة حوار في هذه القضايا، أما في ما يتعلق بما كنا قد اتفقنا عليه على طاولة الحوار فلا يمكن أحداً أن يتنكر له وفي إمكاني أن أدلي بتصريحات بهذا المعنى، ولكن ليس مقبولاً الحديث عن ضمانات مسبقة تتحدث عنها الأكثرية. وأضاف بري نحن مع حوار على مستوى الصف الثاني، ولكن يجب أولاً الإقرار من الطرف الآخر بحكومة وحدة وطنية يتم فيها التمثيل على أساس حجم تمثيل القوى السياسية في مجلس النواب أي 17 + 13. أما كيف تركب هذه الحكومة فهناك خياران: الأول توسيع الحكومة الحالية وتعديل توسيع الحقائب فيها وتكون على أساس تشكيلة 17 + 13 ويبقى برنامجها الوزاري بلا تعديل، والثاني تأليف حكومة جديدة على أساس 17+ 13 على ان يبحث في برنامجها ويتفق عليه.
موسى
وكان الأمين العام للجامعة العربية قد اختتم يومه الثالث بلقاء مسائي مطوّل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد جولة نهارية قادته الى قيادات مسيحية عدة، ولقاء موسع مع عدد من قيادات 14 آذار، ثم جوجلة للأفكار مع الرئيس نبيه بري الذي لم يظهر تفاؤلاً إضافياً بسبب «شعوره بأن فريق 14 آذار ليس في أجواء التوافق»، كما زار نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان.
إلا أن البحث مع العماد عون تطرق الى الأمر بتفصيل وصراحة لم يسمعهما الوفد من قيادات أخرى. وأبلغ عون الوفد أن لبنان ليس أمام خيارات كثيرة، فإما الإسراع في تأليف حكومة وفاق وطني تضم الجميع بحسب أحجامهم والشروع في حوار داخلها لترتيب أمور البلاد وضمان وحدتها، وإلا فالجميع يسيرون نحو صدام لا أحد يعرف نتائجه، لافتاً انتباه الوفد الى أن فكرة الحكومة الثانية جدية جداً. وشرح عون الأوضاع القائمة في البلاد منذ فترة طويلة، ومضاعفات الحرب الاسرائيلية على لبنان. وقال: هناك آثار سياسية ونفسية واقتصادية للحرب، وقلنا منذ اليوم الاول لتوقفها إن المطلوب حكومة وحدة وطنية تعمل على إزالة هذه الآثار لا تعميق الخلافات، ولكنهم يرفضون، وحصل حوار مفصل حول أمور كثيرة، ونحن لا نرفض العودة الى الحوار ولكن التجربة علمتنا أن المطلوب من الفريق الآخر الآن الاعتراف بنا بوجودنا وبحجمنا وأن يتم ذلك من خلال تأليف حكومة وحدة وطنية يجري الحوار بداخلها، لأن الاستمرار في الأفكار وآليات الحوار السابقة لن ينتج شيئاً، فيبقون هم في الحكم ونبقى نحن في خيمة الاعتصام. ونحن قدمنا الكثير من التنازلات ووصل التسامح من صوبنا الى حدود لم تعد مقبولة، لأنهم يريدون منا إلغاء ذاتنا، وهو أمر غير ممكن، وبالتالي فإن المطلوب الآن بسيط، وهو إعادة إدارة البلاد من خلال مشاركة حقيقية في حكومة تتولى كل الامور».
كذلك لفت عون الوفد الى أن الحديث عن دور سوريا في الاعمال الارهابية التي تقع في لبنان يجب ألا يبقى في إطاره السياسي وقال «ربما يكون لدينا نحن وغيرنا شكوك في دور لسوريا، ولكن لماذا لا يقدم لنا وزير الداخلية ملفاً موثقاً يقود الى إدانة سوريا، وليفعلوا ذلك وأنا أول من سوف يحمل الملف وأذهب به الى أعلى المراجع الدولية وأعمل لأجل إدانة شاملة لسوريا».
أما عند جعجع فإن الحوار عاد الى الأولويات الامنية، وكرر قائد القوات اللبنانية أن فريق 14 آذار يتعرض للقتل يومياً من قبل سوريا وأنه لا يمكن الدخول في مناقشة الحكومة وتوزع الحقائب ويجب تأجيل معالجة هذا الجانب، وتحدث جعجع عما سمّاه «النزعة التعطيلية» لفريق المعارضة،
الشرع: لا إقفال للحدود
من جهته نفى نائب الرئيس السوري فاروق الشرع أمس إغلاق الحدود بشكل كامل مع لبنان، ورأى أن أمراً كهذا «خطوة كبيرة جداً لا يمكن أن تتم»، واصفاً إغلاق معبر الجوسية ـــــ القاع أول من أمس بأنه «إجراء احترازي».
وقال الشرع في لقاء مع عدد من المراسلين الأجانب في دمشق، إن العلاقات مع لبنان «لا يمكن أن يستحيل معها الإصلاح». وقال «كما لا أعتقد بأنها معرضة للتفجير أبداً إذ لا يمكن لحفنة من السياسيين اللبنانيين أن يؤدّوا إلى قطع العلاقات بين البلدين أو إقفال الحدود ونشوب نزاع عسكري»، مشيراً إلى أن «لسوريا حلفاء في لبنان هم أكثر قوة من الطرف الآخر».
ورداً على سؤال عن احتمال نشر قوات دولية على الحدود بين البلدين لمنع دخول أسلحة الى لبنان قال الشرع «أنا لم ألمس أن هناك دولاً جدية وهامة على استعداد لإرسال قوات على الحدود اللبنانية ـــــ السورية». وشدد على ضرورة التوصل الى اتفاق بين الفرقاء اللبنانيين قائلاً «في لبنان أي شيء غير ممكن إلا الوفاق الوطني أي حكومة وحدة وطنية». وتابع «من دون ذلك لا استقرار في لبنان، وكل طرف لبناني يقول غير ذلك لا يفهم السياسة أو يعمل لجهة أجنبية».
ورداً على سؤال عن احتمال قيام حكومتين لدى انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أجاب «لدينا اطمئنان إلى أن هناك قوى سياسية في لبنان تعرف مصلحة لبنان الحقيقية وأهمية العلاقات السورية ـــــ البنانية».