strong>الجيش يرفض المساومة وأيّ معارك أخرى ويؤكّد إعادة البندقية إلى جهتها الطبيعية ضد إسرائيل
قرابة الرابعة من بعد الظهر، كان عمرو موسى يعد نفسه بإذاعة بيان اتفاق بين الاطراف اللبنانية على جدول أعمال وآلية للحوار ينطلق الأسبوع المقبل، ويفتتح ببيان يذيعه السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة يعلن فيه نتائج الاتصالات التي توصل إليها، باعتبارها أساس البحث الإضافي في ملف الحكومة. لكن الأمين العام للجامعة العربية كان ينتظر جواباً من جزءين، ومن طرفين: الأول من فريق الموالاة، يتضمن بياناً واضحاً بإعلان القبول بصيغة واضحة لحكومة الوحدة الوطنية، وهو الأمر الذي لم يتم، والثاني من فريق المعارضة ويتضمّن قبولاً بإعطاء تعهد بعدم تعطيل نصاب جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ولو من دون اتفاق مسبق على اسم الرئيس الجديد ومواصفاته.
وخلال 3 ساعات من الاتصالات المكوكية بين الفريقين واتصالات مماثلة بين القوى في ما بينها، تلقى موسى الجواب الذي لم يكن يتوقع خلافه برغم كل موجة التفاؤل التي لامسها خلال الساعات السابقة، وفهم أن عليه طيّ الورقة في جيبه وإعلان الانسحاب بهدوء وأن يترك خلفه بعض الآمال بتطور يتيح تحقيق ما كان يعرضه على الطرفين المتنازعين. لكن موسى حرص في مؤتمره الصحافي وفي كلامه غير المعلن على عدم رمي كرة المسؤولية في حضن فريق دون الآخر، لافتاً انتباه سائليه الى وجود عناصر خارجية للأزمة لا ينبغي تجاهلها.
وحسب المعلومات، فإن موسى كان قد انتهى الى صياغة ورقة من بين عشرات الاوراق التي أعدت خلال الايام الماضية، وتقول بأن الأطراف السياسية اللبنانية الاساسية سوف توفد من يمثلها بتفويض الى اجتماعات مفتوحة الأسبوع المقبل، للبحث في ثلاثة بنود:
الأول: البحث في تأليف حكومة وحدة وطنية من النقطة التي وصلت إليها مساعي السفير السعودي في لبنان الذي يتولى إعلان خلاصة ما قام به.
الثاني: تهيئة المناخات المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وبحسب الاصول.
الثالث: بحث ملف الاستقرار الأمني والعلاقات مع سوريا بحسب ما كانت طاولة الحوار قد توصلت إليه سابقاً.
لكن موسى كان بيده «ملحق سري» أو ما هو غير معلن، ويتضمّن تعهداً شفهياً بأن تكون صيغة تأليف الحكومة الجديدة وفق قاعدة 19 مقابل 11، وأنه يريد في المقابل تعهداً من جانب فريق المعارضة بأن ممثليه في المجلس النيابي لن يقاطعوا جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى لو لم يحصل اتفاق مسبق على الرئيس الجديد، بالاضافة الى تعهدات من النوع الذي يقول بالحصول على دعم عربي ودولي لتأليف الحكومة وتسهيل أمور العلاقات العربية ـــــ العربية التي تخص ملف لبنان.
ومع أن فريق 14 آذار أصر على ربط الحكومة بالملف الرئاسي، إلا أنه قدم الأمر على قاعدة العودة الى حكاية التعطيل، وهي الحكاية التي استخدمها الفريق نفسه في المفاوضات السابقة حول تشكيل الحكومة وقوله يومها إنه يخشى أن يعطل وزراء المعارضة مشروع إقرار المحكمة الدولية، وطرح فريق 14 آذار الآن أن تتعهد المعارضة بعدم تعطيل جلسة انتخاب الرئيس، وإذا حصل ذلك فإن فريق 14 آذار يقر بأن الانتخاب يحتاج أولاً الى نصاب الثلثين، لكن فريق الموالاة رفض إعادة البحث في بعض القرارات التي سبق لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة أن أقرتها بعد خروج المعارضة من الحكومة، كما أكدت أنه إذا رفض فريق 14 آذار استقالة الحكومة الحالية فإنه يجب تثبيت البيان الوزاري، وأن يصار الى البحث في أي حوار مستجد في توزيع المقاعد والحقائب الوزارية وأن تُترك ملفات الرئاسة والعلاقة مع سوريا والملف الامني الى الحكومة الجديدة لكي تتخذ بشأنها ما يفترض من قرارات.
وبينما كان نافذون في فريق المعارضة يتحدثون عن عدم ممانعة لمبدأ الحوار فإن قوى أخرى، ولا سيما التيار الوطني الحر، تحدثت صراحة عن رفض العودة الى لعبة تضييع الوقت، وأبلغ التيار القوى الاخرى بما فيها الوسيط العربي أنه لا مجال لحوار لا يسبقه إقرار علني وواضح من جانب فريق الموالاة بحقوق المعارضة ولا سيما في انتزاع تمثيل داخل الحكومة بما يتناسب مع حجمها داخل المجلس النيابي، كما رفض التيار الوطني ربط مصير الحكومة بمصير الرئاسة، وهو الأمر الذي وجدت فيه المعارضة مجتمعة «لعبة ابتزاز جديدة» من جانب فريق السلطة، بحسب قول مصدر بارز في المعارضة.
ولفت بري موسى الى أنه سبق الجميع في الدعوة الى التوافق على موضوع الاستحقاق الرئاسي، وأن هناك اتفاقاً واتصالات مستمرة بينه وبين البطريرك الماروني نصر الله صفير لهذه الغاية. وذكّر بما كان قاله منذ مدة أن من نعم هذه الأزمة أنه لا الموالاة ولا المعارضة تملك أكثرية ثلثي أعضاء مجلس النواب حتى تتفرد بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فهل تريد الأكثرية لنواب المعارضة أن يحضروا الجلسة حتى تنتخب بأكثريتها المطلقة في دورة الاقتراع الثانية رئيساً من جلدتها؟
وأشارت الى أن بري، في سياق الرغبة في تسهيل مهمة الوفد، أكد أن تمثيل كتلة العماد ميشال عون في الحكومة إذا كان سيثير مشكلة لدى الفريق الآخر المسيحي وغيره، فلا مانع من إعطاء عون المقعد الشيعي السادس الذي سيكون من حصة الطائفة الشيعية إذا تقرر أن تكون الحكومة مكونة من30 وزيراً.
ورمت مصادر الموالاة كرة عدم التوصل الى اتفاق في ملعب المعارضة وقالت لـ«الأخبار» إن هذه المعارضة لم توافق على اقتراح لموسى يقضي بانعقاد طاولة حوار تبحث في موضوع تأليف حكومة وحدة وطنية والاستحقاق الرئاسي والوضع الأمني والحدود اللبنانية ـــــ السورية، وردت عليه طارحة البحث بالمطلق في تأليف حكومة وحدة وطنية تتحول إلى طاولة حوار، مستبعدة موضوعي رئاسة الجمهورية والحدود مع سوريا عن البحث.
ومع ذلك حاول موسى تدوير الزوايا وأجرى هو من جهة وأعضاء في فريقه من جهة ثانية، جولة مفتوحة من الاتصالات لضمان اتفاق الحد الأدنى، فتحدث عن موافقة أميركية ـــــ فرنسية ـــــ سعودية على مبدأ حكومة الوحدة تتضمّن منح المعارضة الثلث الضامن، ثم نقل الى المعارضة إلحاح فريق السلطة على ضمانة بشأن الملف الرئاسي وعدم إغفال ملف الأمن والحدود مع سوريا. وتحدث عن نيته إجراء اتصالات مكثفة مع سوريا لهذا الغرض إذا ما انطلق الحوار اللبناني، ولم ينس أن يحذر الاطراف من أن إنهاء مهمته من دون نتائج سوف يعقد الامور أكثر وسوف يعرقل اتصالاته الخارجية. ومع ذلك اصطدم في اللحظة الاخيرة بتمسك كل طرف بمواقفه دون تنازلات جدية، الامر الذي دفع الى إبلاغ الاطراف كافة أنه بات مضطراً للسفر.

المؤتمر الصحافي

موسى الذي غادر والوفد المرافق ليلاً، تحاشى إعلان هذا الفشل، وعمل بدبلوماسيته المعهودة على إشاعة الأمل بإمكان التوصل الى اتفاق قريب، وقال: «كنا نود أن ننهي الاتفاق اليوم وسنظل على استعداد للعودة عندما يكون الكل مستعدين للتعامل بإيجابية».
وقال موسى إن الوفد العربي اقترح استئناف الحوار للبحث في «تأليف حكومة وحدة وطنية، وتهيئة الأجواء للاستحقاق الرئاسي ليتم في موعده الدستوري، والحفاظ على أمن لبنان واستقراره». وأكد «أن المباحثات تقدمت حول أوراق بعناصر واضحة، وكانت هناك موافقة مبدئية، عليها، على الأقل. ثم سرنا نحو موافقة تقترب من الوصول إلى اتفاق»، لافتاً الى أن «بعض الأفكار أو المواقف أو الصياغات التي اقترحت في الآونة الأخيرة، أخّرت الوصول إلى اتفاق رسمي مكتوب في هذا الشأن». وإذ توقع أن «ننجح في إقرار الحوار في فترة قريبة» أعرب عن أسفه «لأننا لم ننته إلى نتيجة هذه المرة». وأعلن أنه سيزور سوريا قريباً «لأن مشاورات كثيرة تتعلق بها، ومنها ما يختص بلبنان ومن ضمن التكليف».

الجيش: المهمة لا تتمدّد

في هذه الأثناء كانت قيادة الجيش اللبناني تواصل متابعة سير العمليات العسكرية في نهر البارد وتصدر في الوقت نفسه بياناً يتضمن موقفاً سياسياً أزعج قوى نافذة في فريق الموالاة، وأعلنت قيادة الجيش أنها «تتطلع بكل عزم وثقة الى إنهاء هذه الحالة الطارئة والشاذة بأسرع وقت ممكن لعودة أهالي المخيم الى منازلهم والشروع في إعمار ما تهدم، بعيداً عن هواجس التهجير والتوطين»، ورفضت المساومة على دماء الشهداء مؤكدة مواجهة الإرهابيين، وشددت على «العودة بالبلاد الى وضعها الطبيعي، وبندقية الجيش الى اتجاهها الصحيح في مواجهة العدو الاسرائيلي، لا في اتجاه أي عربي أو فلسطيني أو لبناني مقاوم للاحتلال».
ميدانياً، سجّل قصف متقطّع وعنيف بعض الأحيان، في محيط المخيم وعلى جبهاته كلها. وأبلغت مصادر أمنية «الأخبار» أن «أكثر من 50 مسلحاً من حركة فتح الإسلام قُتلوا في اليومين الأخيرين، وأصيب ما لا يقل عن 70 بجروح، فيما سقط 4 قتلى في صفوف المدنيين ونحو 80 جريحاً».
ودخل وفد «رابطة علماء فلسطين» عصر أمس الى المخيم للقاء مسؤولي الحركة، فيما وردت معلومات عن إقصاء القائد الميداني شاهين شاهين عن التفاوض مع وفد الرابطة، وإسناد الأمر الى شخصية أخرى من دون توضيح الأسباب. وأكدت مصادر في الرابطة أنّه «لا يزال في جعبتنا المزيد والمفيد عن هذه المبادرة، وسنطرحه خلال الساعات المقبلة»، مشيرةً إلى أنّ «مضمون معطيات المبادرة يأخذ في الاعتبار وضع تصوّر كلي للأزمة». وأوضحت أنّ «موضوع تسليم مسؤولي الحركة وقياداتها أنفسهم مطلب لبناني، ويبدو أنه لا تنازل عنه من جانب الدولة، ومبادرة الرابطة تأخذ في الاعتبار، بناءً على ذلك، جمع المؤتلف والتفاهم على المختلف عليه».