باريس ــ بسّام الطيارة
يدور الحديث في الوسط الفرنسي حالياً عن استعادة الرئيس نيكولا ساركوزي لـ«الملف اللبناني»، في إطار سعيه إلى احتلال مكان في المشهد الدبلوماسي العالمي، وهو يستعد اليوم لاستقبال «باقة من المسؤولين الدوليين» في باريس لحضور «اجتماع لجنة الاتصال حول دارفور»، في مقدمهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي استغلت وجودها في العاصمة الفرنسية لتوجّه «تحذيراً» جديداً إلى دمشق، في ما يتعلق بـ«تدخلها في لبنان».
إلا أن حركة ساركوزي قد لا تأتي على مستوى آمال الدبلوماسية الفرنسية، لا بل تظهر بشكل بارز تقاطع مجمل هذه الملفات في واشنطن، وخصوصاً في ما يتعلق بملفات دارفور ولبنان وفلسطين، وهي الملفات الثلاثة التي يمكن أن تحتل حيزاً كبيراً من المحادثات الجانبية المثلثة الأضلاع بين الفرنسيين والأميركيين والمعنيين في كل ملف.
ويسلط التباحث في هذه الملفات الثلاثة ضوءاً ساطعاً على ما يمكن تسميته «فشل دبلوماسية وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير» واسترداد الإليزيه زمام المبادرة للإمساك بناصية قيادتها مباشرة.
ففي الملف اللبناني، رافق تعيين «تاريخ محدد» للقاء أطراف لبنانية في منتصف شهر تموز، سحب الأمور من يد كوشنير ومبعوثه جان كلود كوسران لمصلحة الإليزيه والمستشار الدبلوماسي للرئيس جان دافييد ليفيت. وقد أكد مصدر مقرب جداً في الإليزيه بأن ساركوزي قد «استرد الملف اللبناني».
ويفسر هذا بعض الكلمات القاسية التي بدرت عن «مسؤولين كبار مقربين من أصحاب القرار» تجاه المبعوث كوسران، وإن غلّفت ببعض المديح مثل «الاعتراف بمهارته ومعرفته الواسعة بالعالم العربي»، إذ لم يتردد بعضهم من القول جواباً عن تساؤلات عن سبب تراجع المبادرة: «أياً تكن فرضيات العمل المتوفرة، لا يعود لكوسران تحديد ما سيحصل في نهاية المطاف». واستطرد آخرون قائلين «يعود فقط لساركوزي في نهاية المطاف أن يفضل خياراً على آخر». وانتهى الأمر بأحد المقربين إلى القول «كانت مهمة كوسران القيام بجولة تفحص للأوضاع وجولة أفق» وعلى ساركوزي «أن يختار الحل الأفضل»، مشددين على أن الأمر لا يزال في مرحلة الدراسة، وإذا تطلب الأمر فإن الرئيس الفرنسي «لديه قوة إقناع خاصة» تستطيع أن تحرك الأمور، في إشارة إلى استقباله الرئيس فؤاد السنيورة اليوم.
وأشار بعض آخر إلى أن «كوشنير قد تسرّع بإطلاق مبادرته من بيروت» من دون العودة إلى الدوائر المختصة، لكون الملف اللبناني «معقداً وشائكاً» وتتداخل فيه ملفات إقليمية متعددة. ولم يتردد مصدر من القول «لا يمكن معالجة الملف اللبناني كما تُعالج ملفات الكوارث الإنسانية» في انتقاد مباشر لأسلوب «الدكتور كوشنير».
وقد ظهر نوع جديد من «التوافق والتباين الدبلوماسي» بين الحلفاء في ما يتعلق بمجمل الملفات، وخصوصاً الملف اللبناني. ورغم توافق الوزيرين كوشنير ورايس، خلال مؤتمر صحافي أمس، على «دعم الحكومة الشرعية المنتخبة» فإن كلاً منهما وجه «رسالته الخاصة» إلى الفرقاء؛ الوزير الفرنسي شدد على «أن فشل مبادرة عمرو موسى تعود إلى أنه أراد جمع الأطراف المتنازعة في بيروت»، بينما تسعى فرنسا لجمع «الفرقاء في باريس للتحاور»، مشيراً إلى أنه سيلتقي الأمين العام لجامعة الدول العربية اليوم للتشاور في هذه المسألة.
أما رايس فقالت إن واشنطن «تدعم الحكومة الشرعية» وإن على سوريا أن «تكف عن التدخل في شؤون لبنان» وهي دعت «من يتصلون بسوريا إلى إيصال هذه الرسالة الموجودة في القرارين ١٥٥٩ و١٧٠١».
ولم توضح رايس «الأطراف التي تتصل بسوريا»، إلا أن مصادر رأت أن رايس تشير «إلى محاولات فرنسا الاتصال بدمشق»، وهو ما تم التراجع عنه في اللحظة الأخيرة.
وظهر «التباين»، الذي عبّر عنه كوشنير، حين تطرق إلى دور سوريا في لبنان، إذ أكد على «الدور السلبي الذي لعبته، وتلعبه سوريا في لبنان» إلا أنه أعاد التذكير «بالدور الإيجابي الذي لعبته في تحقيق اتفاق الطائف» وعودة السلام.
ورغم دعمها للمبادرة الفرنسية، فقد ظهر عدم اهتمام رايس بالأمر، إذ إنها لم تذكرها بتاتاً، في حين أن الوزير الفرنسي أشار إلى أن باريس «تسعى إلى إنجاح الملتقى». وقال «إن هذا ما سوف يفعله الرئيس ساركوزي خلال لقائه مع فؤاد السنيورة»، مشيراً إلى «أنه سوف يكون حاضراً».
إلا أن ما أثار الانتباه هو أن كوشنير برر ضرورة اللقاء في باريس بأنه «لجمع الفرقاء». وشدّد على أنها «رسالة تشير إلى تأكيد دعم باريس لفريق ١٤ آذار»، وقد رأى بعضهم في هذا محاولة لتليين موقف الأكثرية في لبنان ولدفعها لعدم إفشال المبادرة الفرنسية وعدم التخلي عن الدور الفرنسي والانطواء كلياً تحت مظلة أميركية فقط.
مع هذا، أشارت مصادر مقربة من الملف اللبناني إلى أنه «رغم العمل على التحضير لهذا اللقاء»، فإن إمكانية إنجاحه لا تزال «ضعيفة» بسبب الممانعة الأميركية من جهة، وتطلع بعض الفرقاء اللبنانيين إلى «الالتصاق بمسار الأميركي».
ورداً على سؤال حول التوازي بين الوضع في غزة وفي لبنان، وحول إمكان أن يصيب لبنان ما أصاب غزة، قالت رايس «إن ولادة الديموقراطية هي عملية صعبة جداً». واستطردت بإجراء مقارنات بين الوضع العراقي قبل التدخل الأميركي وبين الوضع الحالي الذي وصفته «بأنه أحسن مما كان عليه إبان عهد صدام». كما قالت إن «منطقة الشرق الأوسط لم تعرف الديموقراطية، ولذا من الصعب أن تتجذر فيها» وإن الجيش اللبناني يدخل للمرة الأولى إلى المخيمات ويحارب القوى التي تتصدى للديموقراطية، مشيرةً إلى أنه بعد خروج الجيش السوري «دخل الجيش اللبناني إلى الجنوب وهذا بحد ذاته ربح كبير للشعب اللبناني».