strong>دمشـق تحمّل واشنطن مسؤولية التدهـور الأمني: التفجير شـمالاً وجنوباً هدفه سلاح المقـاومة
تتجه الأنظار مجدداً الى الخارج، وهذه المرة الى باريس حيث يجتمع الرئيس فؤاد السنيورة مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في خطوة هي الأكثر أهمية منذ تراجع حظوظ المبادرة العربية وتعاظم النشاط الإرهابي في لبنان.
وفي بيروت التي بردت فيها المتابعات السياسية، ظل الاهتمام منصباً على متابعة الانعكاسات الداخلية والخارجية للهجوم على الوحدة الإسبانية في قوات «اليونيفيل» في الجنوب، فيما استمرت المواجهات في مخيم نهر البارد لتشير الى حرب استنزاف في غياب المعالجات الناجعة.
وفور وصوله الى باريس امس، التقى الرئيس السنيورة الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما. واتهم، في تصريحات، سوريا بالوقوف وراء التفجير الذي استهدف القوة الإسبانية أول من أمس، مشيراً الى أن معرفة المسؤول عن هذا العمل الإرهابي يجب أن تنبع من التصريحات السابقة «التي توحي بالعبث باستقرار لبنان، ويجب أن ننظر إلى ما صدر من تصريحات».
ودعا السنيورة الى عدم رفع سقف التوقعات ازاء مبادرة الحوار التي دعت إليها باريس، كاشفاً أنه بحث مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في أمر المبادرة بعد إطلاقها واتفقا على تجميدها «في انتظار ما تؤول إليه مبادرة الجامعة العربية».
وفي انتظار اجتماعات اليوم، ركّزت الأوساط المتابعة في بيروت والعاصمة الفرنسية على سعي السنيورة، بالتعاون مع الوزيرة الأميركية، لانتزاع موقف فرنسي يتمسك بثوابت الرئيس السابق جاك شيراك، وعدم حصول أي تواصل بين باريس وسوريا، وهو الأمر الذي تفترض قوى 14 آذار أنه سيساعد على ممارسة المزيد من الضغط بغية الحصول على قرارات جديدة في مجلس الأمن الدولي ضد سوريا من جهة وعدم إدخال تعديلات على السياسة الفرنسية تجاه الأطراف اللبنانية، والسعي الى إطاحة اجتماع باريس المقترح منتصف الشهر المقبل أو تعديل وجهته باتجاه فرض أولويات فريق السلطة.
وللمرة الأولى منذ توسع الأعمال الإرهابية في لبنان واتهام الغرب وقوى الأكثرية سوريا بالوقوف وراءها، نقلت وكالات الأنباء العالمية عن مصدر سوري وصفته بالمطلع قوله إن التفجير الذي استهدف عناصر القوات الدولية يندرج في السياق نفسه من الأحداث التي يمر بها لبنان «تنفيذاً لمشروع أميركي ـــــ إسرائيلي يستهدف التخلص من سلاح «حزب الله»، وشدد على أن دمشق لن تساوم على الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. وأوضح أن «الهدف النهائي من كل ما يجري هو تسليم رأس السيد حسن نصر الله وسلاح حزبه». وشدد على أن «سوريا لن تفعل ذلك مهما جرى، فالسيد نصر الله زعيم لبناني له صدقية عربية ويحظى باحترام الجميع».

الوضع جنوباً

وأعلنت قوات «اليونيفيل» حال الاستنفار بـ«درجة الأصفر» في صفوف قواتها ومواقعها المنتشرة في القطاع الشرقي وعلى الخط الأزرق، معلنة «اتخاذ إجراءات أمنية ميدانية جديدة بالتعاون مع الجيش».
وعمدت الكتيبة الإسبانية إلى صرف موظفيها من المدنيين العاملين في مقر قيادتها في سهل بلاط الى منازلهم مؤقتاً، على أن يُستدعوا لاحقاً. وقام نحو 150 عسكرياً من قوة اليونيفيل بمسح تام للتلال الشرقية والغربية القريبة من موقع الانفجار، إلى مسافة ثلاثة كيلومترات، بحثاً عن بقايا وأدلة تساعد في التحقيق.
وتفقد قائد الجيش العماد ميشال سليمان مكان الانفجار والتقى وزير الدفاع الإسباني خوسيه أنتونيو ألونسو الذي حضر مساءً مراسم صلاة ووداع للجنود الستة في المقر العام للقوات الإسبانية في بلاط، قبل أن ينقلوا الى مطار بيروت الدولي. وأكد سليمان أن «الاعتداء الإرهابي يأتي في سياق النيل من وحدة الوطن واستقراره». وأعلن «إصرار الجيش على مواجهة الإرهاب المتسلل الى الوطن بكل السبل والإمكانات المتوافرة ومهما بلغت التضحيات».
ردود فعل
ودان مجلس الأمن الدولي في بيان رئاسي «بأقسى العبارات» الهجوم، و«أثنى على الحكومة اللبنانية وتصميمها والتزامها بمطاردة مرتكبي الجريمة ومعاقبتهم». وشدد على دعم ولاية «اليونيفيل» في تطبيق بنود القرار 1701. ورأى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الاعتداء يستهدف «زعزعة السلام والأمن» في الجنوب اللبناني، فيما نفى نائب المندوب الأميركي في مجلس الأمن إليخاندرو وولف «أي علاقة بين الحادث وما يجري من تصدّ للجماعات الإرهابية في نهر البارد»، مؤكداً «أننا سنساعد الحكومة اللبنانية في التحقيقات الخاصة لجلب الفاعلين للعدالة».
ونوّه وزير الخارجية البلجيكي، كاريل دي غوخت، الذي حضر اجتماع مجلس الأمن باستنكار «حزب الله» للهجوم، مشيراً الى أن «هناك خطراً مؤكداً» من «القاعدة» و«فتح الإسلام» على القوات الدولية وأن الهجوم «ينسجم مع أفكارهما». وأضاف: «يبدو لي أن الأمر مرتبط بفتح الإسلام، وهم ادعوا ذات مرة علاقتهم بالقاعدة. لذا أظن أنهم يلعبون دوراً خطراً في لبنان فوق الوضع الصعب القائم بالفعل هناك. وهذا يعرّض عملية اليونيفيل للخطر، وعلينا أن نعير ذلك الاهتمام». وأوضح: «لقد زرت لبنان مرات قبل أشهر، وزرت مخيمات اللاجئين. هؤلاء ليسوا لبنانيين، إنهم سعوديون وباكستانيون وأفغان وشيشان».
وفي لبنان، توحّدت المواقف على وضع التطوّر الأمني الخطير في خانة زعزعة أمن لبنان واستقراره، لكنّ الانقسام بدا جلياً حيال تحديد هوية المجرم، إذ أشارت «الأكثرية» بأصابع الاتهام إلى سوريا و«حلفائها»، فيما ركّزت المعارضة على وضع الاستهداف في خانة «تهديد لبنان عموماً، والجنوب خصوصاً»، مشدّدةً على أن مواجهة الانكشاف الأمني والسياسي تستدعي تأليف حكومة وحدة وطنية.

الرواية السورية

وذكرت وكالة «يونايتد برس» عن مصدر سوري مطلع رفض الكشف عن اسمه تحميله مسؤولية ما جرى لـ«المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، الذي يُنفذ بيد قوى ما يسمّى الأكثرية». وشدد على أن «الولايات المتحدة مستعدة لأن لا تبقي حجراً على حجر في لبنان حتى تحصل على رأس نصر الله الذي كسر رأس إسرائيل». ونفى أي مسؤولية لسوريا في أحداث مخيم نهر البارد، معتبراً أن المخيم «تحول من منطقة تتبع للنفوذ السوري إلى منطقة تتبع لنفوذ النائب سعد الحريري وذلك منذ أكثر من عام».
وسرد المصدر رواية مختلفة عما نشر في شأن اعتبار عملية السطو على فرع بنك البحر المتوسط في أميون، الشرارة التي أشعلت المعارك في نهر البارد، محمّلاً «المسؤولية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة اللتين حاولتا توريط الجيش في الأمر بغية القول «إن لدينا جيشاً قوياً ولا حاجة لميليشيات مسلحة». واعتبر أن «عدم حسم الجيش الأمر في نهر البارد أفشل السيناريو الأميركي الساعي لتجريد حزب الله من سلاحه، الأمر الذي يستدعي تفجيرات في أماكن أخرى لتحقيق الهدف المرجو».
وأشار إلى أن واشنطن «أحبطت حتى المشروع الفرنسي لإعادة هيكلة السياسة الفرنسية في المنطقة حين طلبت من باريس سحب جان كلود كوسران» المبعوث الفرنسي إلى لبنان وعدد من دول المنطقة «خلال 24 ساعة». وأضاف أن الأميركيين منحوا الفرنسيين مقابل التراجع عن الدور الذي كان يمكن أن يلعبوه في المنطقة عبر كوسران، دوراً في حل أزمة دارفور كترضية»، كما أشار الى أن التفجير الذي استهدف جنود الكتيبة الإسبانية «هدفه إلصاق التهمة بسوريا وزعزعة العلاقة السورية ـــــ الإسبانية المتينة».