لحود يتحدّث عن خطوتين في وجه الأكثرية... والسنيورة يبحث في نشر قوّات عربية على الحدود مع سوريا
طرأ تطوّر خطير على ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تمثّل في انقلاب مفاجئ من عائلة الحريري وفريق المحامين الخاص بهم على الجهات القضائية التي تتولّى الملف. فبعد أكثر من عامين على وقوع الجريمة، قرّر هذا الفريق طلب تنحية المحقق العدلي الياس عيد بدعوى أنه «ينحاز» الى عائلات وموكلي المدعى عليهم الموقوفين لدى السلطات بجرم الاشتباه بتورطهم في الجريمة.
وقالت مصادر مواكبة للاتصالات إن النائب سعد الحريري، بدعم مباشر من النائب وليد جنبلاط وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وقادة في 14 آذار، أبلغوا فريقه القانوني والأمني الرسمي وغير الرسمي بوجوب منع إطلاق أي من الضباط الأربعة قبل انعقاد المحكمة الدولية مهما تطلب الأمر، باعتبار أن خطوة من هذا النوع الآن تعني انهيار البنية القانونية للحملة السياسية التي قادها فريق 14 آذار منذ اغتيال الحريري. وذكرت المصادر أن ضغوطاً عدة مورست على القاضي عيد قبل الوصول الى مرحلة طلب تنحيته عن الملف.
ومع أن عيد والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا رفضا التعليق على طلب التنحية وعلى المعلومات المتداولة عن خلفية هذه الخطوة، إلا أنهما أكدا لعدد من المتصلين بهما أن الأمر بات رهن آلية عملية تخص المؤسسة القضائية، وأنه يفترض أن يتم، خلال أيام، بتّ الطلب، على أن يُتابع الملف بعدها كما يفترض.
وفي المعلومات التي جرى تداولها في الساعات الماضية أن الفريق القانوني لآل الحريري باشر، قبل نحو شهر ونصف شهر، درس الخطوات الواجب اتخاذها، في ضوء ما أبلغته لجنة التحقيق الدولية، رسمياً وبصورة نهائية، الى فريق التحقيق اللبناني بأنها أنجزت عملها في ما يتعلّق بالموقوفين لدى القضاء اللبناني، ولا سيما الضباط الأربعة، وأن ما هو متوافر في ملفات التحقيق لا يبرّر استمرار التوقيف، وأن لجنة التحقيق الدولية غير ملزمة تقديم توصية تناقض توصية الرئيس السابق للجنة ديتليف ميليس لأنها مخالفة بالأصل. وأُرفق ذلك بموقف رسمي أبلغته جهات عليا في الأمم المتحدة الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والى وزير العدل شارل رزق.
وتفيد المعلومات أن المحقق العدلي كان قد تلقى طلبات عدّة من وكلاء الموقوفين لإخلاء سبيلهم، وهو كان يردّها استناداً الى عدم استكمال لجنة التحقيق لملفات التحقيق، وفي انتظار حصوله على كل المعلومات من جانبها. وبعد مرور وقت طويل، عقد اجتماع مطول بين رئيس اللجنة الدولية سيرج براميرتس والقاضيين ميرزا وعيد وآخرين، ناقشوا خلاله هذا الامر، وأبلغ القاضي الدولي الحاضرين أنه لم يعد لديه أي معلومات، وأن ما يخفيه هو أسماء عدد قليل من الشهود الذين اشترطوا عدم ذكر أسمائهم أمام القضاء اللبناني، ما يوجب على القضاء بت الأمر. واستدعى ذلك مشاورات بين ميرزا وعيد وآخرين انتهت الى قرار من القاضي عيد بوجوب إعداد قرار نهائي.
وبناءً على ذلك، تشير المعلومات الى أن عيد أبلغ ميرزا نيته الإفراج عن بعض الموقوفين، وحدّد من أظهرت التحقيقات عدم وجود أي علاقة بينهم وبين كل مفاصل الجريمة، لكن لم يعرف أحد وجهته التفصيلية. إلا أن اللافت أن طلب إعفاء عيد، المرفوع من المحامي محمد مطر، وهو ناشط في فريق 14 آذار، حدّد اسمي اللواء جميل السيد والعميد ريمون عازار، ما كشف أن عيد كان في صدد تخلية سبيلهما، علماً بأن تطورات كثيرة لم تتضح عندما واجه عيد طارئاً صحياً أدخله المستشفى أياماً وألزمه منزله أياماً أخرى بقصد الراحة.
وفي انتظار انتهاء القاضي عيد من إعداد رده الى غرفة المذاكرة حول الطلب واتخاذ المحكمة المعنية القرار، وهو أمر مفترض خلال أسبوع على أبعد تقدير، فإن الأسئلة الكثيرة وردت أمس على لسان مراجع سياسية من فريقي الموالاة والمعارضة، وأبرزها احتمال أن يوضع الملف في الدرج لأسابيع ثم يُهمل إلى ما بعد العطلة القضائية، والضغط على عيد للتنحي طوعاً أو ترك الملف من دون خطوات حتى قيام المحكمة الدولية، وهو الكلام الذي راج في أوساط آل الحريري، رغم أن مرجعاً سياسياً بارزاً حذر «من اللعب بهذا الملف الحساس» وانه «يجدر بعائلة الشهيد الحريري وبتياره السياسي ترك الامور تجري حتى يعرف الجميع الحقيقة وليس تدبير امر في ليل». ووصف المرجع ما يحصل بأنه «امر خطير للغاية يوازي بسلبيته كل ما أقدم عليه فريق السلطة منذ استئثاره بالحكم».
في هذه الاثناء رفض الفريق القانوني لفريق 14 آذار شرح خلفية طلب التنحية. وقال احد هؤلاء إنه امر قضائي لا يوجب الشرح ولا التعليق، بينما ذكر خبراء في القانون ان الامر «واضح في ارتباطه بمسائل ذات طابع سياسي ويعكس التجاذبات الكبيرة التي تحيط بهذا الملف». وقال هؤلاء ان الوجهة السياسية ستظهر من خلال آلية ومهلة البت بطلب التنحي، فإذا أنجز الامر سريعاً سيكون للأمر تأثيره الاجمالي لأنه يصعب على القضاة المعنيين القبول بادعاء البعض انحياز القاضي عيد، بينما يعني تأخير الامر الى اشهر عدة الرغبة في تمديد توقيف الضباط لأسباب سياسية».
وكان مطر قد تقدم، بوكالته عن ورثة لشهداء سقطوا في تفجير 14 شباط، بطلب تنحية عيد بسبب «ما ظهر عليه من مودة في العلاقة مع الوكلاء القانونيين للمدعى عليهم في هذه الجريمة وأفراد عائلاتهم، ولا سيما من قبل وكلاء من جهة المدعى عليهما جميل السيد وريمون عازار»، وكذلك «ما ساد وما شاع أخيراً عن نية المحقق العدلي تخلية سبيل المدعى عليهما المذكورين، بالرغم من عدم انتهاء التحقيق الدولي ووجود ادعاء شخصي».
السنيورة والحدود
في هذه الاثناء كان الرئيس فؤاد السنيورة ينهي زيارته الى باريس وينتقل الى روما ومنها الى إسبانيا اليوم للتعزية بالجنود الذين قتلوا الاحد الماضي. وهو أدلى بتصريحات اتهم فيها سوريا بتهريب اسلحة ومسلحين الى لبنان. وأكد على ضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لضبط الحدود بين البلدين، وكرر حديثه عن اهمية الحوار الداخلي لمعالجة الازمات الداخلية.
وكشفت المداولات عن تحضيرات عربية ـــــ غربية لإيفاد مجموعة خبراء «مختلفة» مع قوات عربية لدعم الجيش اللبناني في ضبط الحدود، وذكر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، بعد اجتماع ضمّه والسنيورة والوزيرين مروان حمادة وطارق متري وفريق العاملين على الملف اللبناني في الخارجية الفرنسية، «أن هذه الفكرة نابعة من جامعة الدول العربية».
وردّ مصدر مقرب من كوشنير على سؤال عن هذا التوجه بالقول «لمَ لا؟»، فيما رفض السنيورة التأكيد أو النفي، ورد على سؤال لـ«الأخبار» عن وجود فكرة قوات عربية بقوله: «رواق رواق»، معتبراً أن «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه».
وفي روما، أكّد السنيورة انه حصل على ضمانات بأن المجتمع الدولي «لن يرضخ للترهيب» بعد الاعتداء الذي أودى بحياة ستة جنود إسبان في الجنوب الاحد الماضي.
التحرك الداخلي
على الصعيد الداخلي وفيما كانت الاتصالات الدبلوماسية العربية تجري لاحتواء أزمة ممكنة مع الجامعة العربية، ابلغ الرئيس اميل لحود زواره أنه ليس صاحب فكرة الحكومة الثانية وأن لديه خيارات عدة. وأوضح أن «الحكومة الثانية لم تكن يوماً خيار رئيس الجمهورية وهي خطوة يمكن ان تطالب بها المعارضة ولن يطالب بها الرئيس لحود». وأشارت الى أن الخيارين الآخرين اللذين يعمل الرئيس على بلورتهما «يجزم بأنهما من ضمن الدستور والصلاحيات الواردة فيه، والدستور ليس نصاً فقط بل روح أيضاً».
في هذه الاثناء باشر النائب ميشال المر حركة اتصالات في شأن الملف الحكومي. وزار الرئيس نبيه بري وبحث معه في «الورقة الزهر» التي تضمنت خمس ملاحظات لموسى «وكانت سبب تعثر مهمته موقتاً»، وأبلغ المر «الأخبار» انه تمكّن من معالجة ثلاث من الملاحظات، لكنه لم يفصح عنها في انتظار معالجة الملاحظتين الباقيتين. وأكد أن الورقة تركز بمجملها على سبل تأليف حكومة الوحدة الوطنية، مشيراً الى أنه سيبحث في الامر مع النائب سعد الحريري.