بدا أمس أن المحكمة ذات الطابع الدولي، كما يشير اسمها، باتت تسير على وقع الأجندة الدولية، وخاصة ما يمكن أن يسفر عنه مؤتمر شرم الشيخ لدول جوار العراق المقرر اليوم وغداً، والذي قد يحدد المسار المقبل للعلاقات بين واشنطن وكل من طهران ودمشق، إما كسراً للجليد أو مزيداً من التصعيد. وهذا ما عبّرت عنه مصادر دبلوماسية في نيويورك عندما رأت أن الضغط الحالي «قد يؤدّي الى ترتيب لبناني للمحكمة بالتفاهم مع إيران»، مشيرة الى أن الأميركيين يفضّلون التريّث «أياماً» حتى انجلاء نتائج مؤتمر شرم الشيخ.وفي هذا السياق لوّح المندوب الأميركي زلماي خليل زاد بالفصل السابع «للمساعدة في إنشاء المحكمة التي قبلها اللبنانيون عموماً»، لكنه أشار الى «أننا لم ندرس أي خيارات بعد»، لافتاً الى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «أعرب عن رغبته في تسريع الأمور». وفيما أكد السفير الروسي فيتالي تشوركين أن الجلسة «لم تتطرق الى الفصل السابع»، مشيراً الى أن بلاده ستتخذ الموقف المناسب لدى طرح الموضوع، لفت موقف السفير الفرنسي جان مارك دي لا سابليير الذي قال «إن الوقت حان ليمارس مجلس الأمن مسؤولياته».
إلا أن مصدراً رفيعاً في البعثة البريطانية أبلغ «الأخبار» أن لندن «تدعم أي إجراء عملي لكن من المبكر الحديث عن الفصل السابع» معرباً عن اعتقاده بأن اتخاذ الأمور هذا المنحى «أمر غير مفيد».
وقد وضعت المحكمة أمس على «نار حامية»، مع إعلان مساعد الأمين العام للشؤون القانونية نيكولا ميشال فشل جهوده لإقرار المحكمة عبر الآليات الدستورية، رغم تأكيده أن «جميع اللبنانيين متفقون على المحكمة من حيث المبدأ». واستمع أعضاء المجلس، في جلسة مغلقة، الى تقرير ميشال عن نتائج زيارته الأخيرة لبيروت، حيث أبلغهم أنه فشل في إقناع الأفرقاء اللبنانيين بمناقشة مضمون قانون المحكمة، لافتاً الى أن العقدة في لبنان هي في الحكومة وطعن المعارضة في شرعيتها، ومشيراً الى «أنه ليس من مهمات الأمم المتحدة فضّ الخلاف بين اللبنانيين حول الحكومة، ولا سيما أن مجلس الأمن يعتبر الحكومة اللبنانية شرعية». وأعرب عن استعداده، إذا ما كلفه الأمين العام بان كي مون، للعودة إلى لبنان لمناقشة نظام المحكمة مع جميع الأطراف.
وقبل ساعات على انعقاد الجلسة كثف مستشار الرئيس السنيورة السفير محمد شطح نشاطه في أروقة الأمم المتحدة بتسهيل فرنسي. وشملت لقاءاته واتصالاته الأمين العام للأمم المتحدة ومروحة واسعة من أعضاء المجلس، وخصوصاً سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا، كما التقى الجمعة الماضي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش في واشنطن.
وقد رفض شطح الإدلاء بأي تصريح. إلا أن مصدراً في الأمم المتحدة قال إن مستشار السنيورة الذي زار الأمين العام، برفقة مستشارة النائب سعد الحريري أمال مدللي، والقائمة بالأعمال في البعثة اللبنانية كارولين زيادة، طلب من الأمين العام دفع الأمور نحو حل بديل لإقرار المحكمة، من دون أن يتطرق الى الفصل السابع تحديداً، لكنه شرح «التعطيل» الذي تتعرض له المحكمة في لبنان، طالباً من بان تقديم اقتراحات للتعجيل في إقرارها.
ووضع بان الوفد اللبناني في أجواء زيارته الأخيرة لدمشق، مشيراً الى أنه يود أن يحث القادة اللبنانيين على العمل معاً نحو تسوية للخروج من الطريق المسدود. ووعد بمتابعة الأمر مع الزعماء المعنيين خلال زيارته لشرم الشيخ.
وعلم أن شطح طلب حضور الجلسة المغلقة للاستماع الى تقرير ميشال، من دون أن يُستجاب لطلبه، فيما تساءل مصدر وزاري تحدثت إليه «الأخبار» عن سبب عدم توجه وزير الخارجية بالوكالة طارق متري الى نيويورك بدلاً من مستشار رئيس الحكومة كما جرى في وقت سابق.
وكان وزير العدل شارل رزق قد دعا أمس بعد لقائه الرئيس نبيه بري الى «الهدوء والتروّي» في التعاطي مع ملف المحكمة، لافتاً الى أن «التسرع عدو العدالة». ولمّح إلى إمكان التفاهم لبنانياً على هذه المسألة «ما دامت الدورة العادية للمجلس مستمرة حتى نهاية الشهر الجاري».
الى ذلك ذكّرت مصادر في المعارضة بموقف بري من المحكمة وتأكيده أن إقرارها تحت الفصل السابع «لا يحل الازمة التي ستبقى قائمة، وربما أضاف إليها تعقيداً جديداً، وأن لا مخرج منها إلا بتأليف حكومة شراكة وطنية». وقالت إن أي حوار جديد بين الموالاة والمعارضة «لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة منه إذا لم تكن هناك ضمانات جدية بتنفيذ ما ينتهي إليه من اتفاقات». لكن المصادر أكدت أنه رغم انسداد الافق فإن بري «يفتش عن مخارج للأزمة وخصوصاً مع اقتراب استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، وهو يأمل أن يكون هذا الاستحقاق منطلقاً لعملية توافقية تعيد ترتيب المعادلات الداخلية وتدفع الأزمة في طريق الحل، وخصوصاً أن ما سينتهي إليه مؤتمر شرم الشيخ سيحدد اتجاهات المرحلة المقبلة والسياسات التي ستعتمد إزاء الأزمات السائدة في لبنان والمنطقة».
في غضون ذلك، سُجّل هجوم «أكثري» أمس على اقتراح النائب العماد ميشال عون إجراء انتخابات رئاسية «من الشعب مباشرة لمرة واحدة»، فوُصف الاقتراح بأنه «بدعة» و«تلاعب بالدستور» و«إدخال للبلاد في المجهول».
ورأى نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان، خلال مشاركته في التحرك النيابي للمطالبة بعقد جلسة عامة للمجلس، للأسبوع السابع، أن طرح عون «يمسّ الدستور اللبناني»، محذّراً من أن ذلك يعني انتخاب رئيس بأكثرية إسلامية في ظل «وجود 60 في المئة من المسلمين في مقابل 40 في المئة من المسيحيين». ورد مصدر في «التيار الوطني الحر»، في اتصال مع «الأخبار»، على كلام عدوان متسائلاً «من انتخب عدوان والنواب المسيحيين في الأكثرية؟».
الى ذلك، حاز تقرير «لجنة فينوغراد» حيزاً كبيراً من الاهتمام الداخلي. فرأى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال افتتاح «معرض المعارف الثاني» في الضاحية الجنوبية أن «النتيجة الأولى المهمة لعمل اللجنة هي حسمها مسألة النصر والهزيمة» منتقداً «الجانب الآخر الذي لا يحقق ولا يدرس ولا يحاسب ولا يسائل ولا يشكل لجان تحقيق»، مؤكداً أن «الحرية والسيادة والاستقلال لا تتحقق بالشعارات بل تحتاج إلى عمل جدي».
وفي أول تعليق رسمي على التقرير حذر الرئيس السنيورة من «عدوان جديد»، مؤكداً «التمسك بالشرعية الدولية»، معتبراً أن «الاستنتاجات الصحيحة» من التقرير «هي أن مواجهة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان تقتضي، في المقام الأول، تضامناً بين اللبنانيين ووحدة وطنية تقوم على الخيارات الوطنية الكبيرة وتعزيزاً حقيقياً لقدرات الدولة وتمكيناً لها من بسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية».