تعز | حصل في تعز ما كان متوقعاً. المخاوف التي أثيرت مع بدء العدوان السعودي على اليمن أصبحت حقيقة، وبات لا بد من الاعتراف بأن الحرب انتقلت إلى المدينة نتيجة محاولات حثيثة لتحقيق ذلك، بين طرفيها: قوات «الأمن المركزي» (القوات الخاصة)، وقوات عسكرية أخرى موالية للرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي وللمجموعات المسلحة التابعة لحزب «الإصلاح» (الإخوان) والمتطرفين، وتحديداً «اللواء 35» الذي أعلن ولاءه لهادي أخيراً ونشر نقاطه العسكرية خارج الخطة الأمنية الاعتيادية قبل أن يجري تطويقه واستسلامه الخميس. غير أن اللافت يوم أمس كان تعمد طائرات العدوان السعودي تدمير القصر الرئاسي في المدينة عن بكرة أبيه، في إجراء يعكس نية مملكة القهر القضاء على كل رموز الدولة اليمنية.
ومثل السيناريو الذي شهدته عدن، جرى تصوير الوضع في تعز على أنه محاولة «لواء مع الشرعية» تحرير المدينة من القوات العسكرية الموالية للحوثيين. وقد نشر «اللواء 35»، الذي يقع في نهاية المدينة كبوابة خلفية لها تفصلها عن الريف، نقاط تفتيش حتى قلب المدينة وصولاً إلى البنك المركزي في مركز المحافظة لحصاره، مشتبكاً مع القوات التي تقوم عادةً بحمايته، وهي من الحرس الجمهوري.
طائرات العدوان تحوّل القصر الرئاسي إلى أنقاض

في اليومين الماضيين، شهدت هذه النقاط المستحدثة معارك أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، بالتزامن مع انتشار للواء في المواقع المرتفعة، بعد اعتباره بحكم المتمرد على وزارة الدفاع، مدعوماً من ميليشيات تتبع «الإصلاح». وفي الجانب الآخر شهدت المدينة انتشارا لقوات «الأمن المركزي»، مع ظهور محدود لـ»اللجان الشعبية» التابعة لـ «أنصار الله» من أبناء مدينة تعز في منطقة المسبح. واشتعلت المعركة حين وضعت هذه الميليشيات نقطة عسكرية في طريق وادي القاضي متعرضةً لأطقم «الأمن المركزي»، رافقت ذلك اعتداءات أخرى في مناطق متفرقة على يد أفرادها على اللواء المتمرد على قوات «الأمن المركزي».
أما في داخل المدينة، فتركزت اشتباكات على المواقع المرتفعة التي يُمكن استخدامها كمواقع عسكرية. وكانت الحصيلة أن قوات «الأمن المركزي» استطاعت السيطرة عليها، وخصوصاً منطقه المسبح ومنطقة المُجمع القضائي في وادي القاضي، وهما الموقعان اللذان بادرت ميليشيات «الإصلاح» إلى السيطرة عليهما، حيث كانا تحت سيطرتها خلال معارك عام 2011.
المعركة الرئيسية دارت رحاها خارج المدينة في منطقة «المطار القديم» بين قوات «اللواء 35» وقوات «الأمن المركزي» التي طوقت اللواء، قبل أن تتدخل وساطات أفضت إلى تسليم اللواء نفسه. وبرغم أن المنطقة التي كانت تدور فيها العمليات العسكرية محدودة، إلا أن مليشيات «الإصلاح» كانت تعمد إلى إطلاق نار في الليل من داخل الأحياء لإقلاق السكينة العامة.
الوساطة قام بها مشايخ وشخصيات عسكرية بين القوتين العسكريتين المعبرتين عن تصادم مشروعين سياسيين: الأمن المركزي كقوة عسكرية تنحاز لـ «أنصار الله»، واللواء 35 الذي حوّل ولاءه الى هادي بعد الأنباء التي تحدثت عن تسلمه أموالا سعودية.
غير أن تلك المعارك ليست أصعب ما يعانيه أبناء تعز هذه الأيام، إذ إن معركتهم الأقسى هي معركة الخبز والمعيشة. فمنذ 4 أيام والمدينة من دون كهرباء، كسائر محافظات اليمن، بعدما تعرضت المحطة الرئيسية للجمهورية في (مأرب) للخراب جراء المعارك بين الجيش و»اللجان الشعبية» وبين المجموعات الإرهابية. انقطاع التيار الكهربائي تسبب بخسائر اقتصادية فادحة يتعرض لها صغار التجار، أصحاب البقالات بسبب فساد منتجاتهم المثلجة والخضروات والفواكه. كذلك يمثل انقطاع التيار مشكلة كبرى للمراكز الصحية، التي نفد مخزونها من وقود الديزل لتوليد التيار، هذه المراكز توقفت عن تقديم الخدمات الصحية، وفي أقسام غسيل الكُلى تكمن المأساة الحقيقية.
وليس وحده انقطاع الكهرباء الدائم ما ينهك المدينة. فأزمة الوقود، الديزل والبترول، هي أكثر ما يفاقم هذه المآسي، فهو أوقف الحياة اليومية عبر تعطيل وسائل المواصلات، وإيقاف التعليم، وتوقفت السلع الأساسية عن الوصول إلى المواطن والمحالّ التجارية. يوم أمس، وصلت ناقلتا ديزل من ميناء المخا، وهو إنذار أمل لدى الناس، برغم أن الكمية التي وصلت لن تشبع أكثر من 10%من حاجة المدينة للوقود، إلا أنه من شأن توافرها أن يسهم في الحركة داخل المدينة، ومنها إلى الريف وكذلك حركة البشر وتنقلاتهم التي ارتفعت بنسبه جنونية عطلت البعض عن العودة إلى قراهم، أو من النزوح إليها. كذلك، هناك تحسن في توافر مادة القمح، وذلك بخروج ما خُزن لدى التجار منها، على أيدي قوات الأمن في المناطق، الذين اشرفوا على بيعها أو بإشراف عقال الحارات في بعض المناطق، حيث يُباع من فوق القاطرات مباشرة إلى المواطن، وما زال الازدحام على الأفران كما هو، ولم يخف، هناك حالة رعب جماعية لدى المواطنين، فحتى من توافرت لديه في البيت مادة القمح يشتري الرغيف من المخبز حتى يُبقى على طحينة في البيت لأيام أكثر سوداوية كما يتوقع.