strong>خلل أمني في فرع المعلومات حول حجم المسلّحين وعدم التنسيق مع الجيش... وانفجار ليلاً في الأشرفية
من قرر فتح المعركة الآن، ومن يقدر على ضبط الأمور ومنع تمدد رقعة هذا النوع من المواجهات؟ وماذا في مقدور الآخرين من قوى سياسية وأمنية أن يفعلوا لمواجهة حالة عراقية جديدة في لبنان؟ وأي أمور تستقيم مع هذا الواقع القاسي؟ وأي محكمة أو تحقيق أو حكومة وحدة وطنية أو انتخابات رئاسية تفيد؟
حصيلة اليوم الدامي كانت قاسية جداً على المؤسسة العسكرية: نحو 27 شهيداً وعشرات الجرحى من العسكريين، إضافة الى عدد من المدنيين الذين عاشوا ساعات طويلة فصلاً جديداً من فصول الحرب التي نسوها منذ أكثر من عقدين.
والاختبار الدامي للجيش، على قسوته، قابله إخفاق أمني خطير لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي كانت خلف العملية الأمنية فجراً، والتي تبيّن أنها لم تكن منسقة مع قيادة الجيش وبقية الوحدات الأمنية، وكذلك في النقص الحاد في المعطيات عن حجم قوة المسلحين، وخريطة انتشارهم خارج مخيم نهر البارد، الأمر الذي أدى الى اشتعال النار بقوة قبل أن يوكل أمر الإطفاء الى الجيش الذي يشكو من نقص في العديد والعتاد، والذي بدا أمس أمام أصعب الاختبارات، ما حدا بقائده العماد ميشال سليمان الى إبلاغ الاجتماع الوزاري والأمني برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة امس بأن المؤسسة العسكرية لا تنصح المؤسسة السياسية باتخاذ قرار بتوسيع دائرة المواجهة أو التفكير في دخول المخيمات، وهو الأمر الذي حظي بتغطية من قوى كثيرة بينها تيار «المستقبل» الذي أصر رئيسه النائب سعد الحريري في المقابل على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات بغية استئصال هذه المجموعة.
وفيما أظهر شريط الأحداث الأمنية خلال الساعات الـ24 الماضية حجم الخروق الأمنية في لبنان، فإن محاولة فريق 14 آذار استثمار الأمر سياسياً على خلفية النقاش حول إقرار المحكمة الدولية لم يعمّر طويلاً، بعدما تبيّن أن غالبية العناصر المسلحة التي قاتلت الجيش خارج مخيم نهر البارد هي من أبناء الشمال، وأن هؤلاء كانوا عناصر في جماعات إسلامية متشددة، وأن بينهم من هو من بيئة قريبة من تيار «المستقبل». وكاد الأمر يتطور الى مواجهات أهلية تحت ضغط الشائعات، ما حدا بقيادات «المستقبل» الى مناشدة الأنصار والمحازبين الوقوف خلف الجيش وعدم حمل السلاح، ولو أن بعض المواطنين شاركوا في القتال الى جانب الجيش في بعض مناطق الاحتكاك.
والى المفاجأة العامة للأهالي بحدوث هذه المواجهات، فإن الأمر الذي أثار الذعر عند القوى الأمنية والسياسية يتعلق بالتوسع غير المتوقع لهذه المجموعات، التي تبيّن أنها تضم مئات ينتشرون منذ مدة غير قصيرة خارج المخيم، ويتحركون في كل محافظة الشمال تقريباً، وهم مسلحون في شكل كبير، حتى إن إحدى الشقق المداهمة في طرابلس كانت تحوي كمية من الذخائر تفوق ما لدى القوى الأمنية المهاجمة، إضافة الى أن هذه المجموعات أجرت ترتيبات مسبقة، من بينها مراقبة حركة الجيش في أماكن عدة من القلمون الى شمال المخيم وصولاً الى الكورة. وأظهرت الكمائن التي نصبت والاشتباكات، التدريب العالي للمسلحين إضافة الى المناخ الذي قاتلوا في ظله ودفع بعضهم الى مواجهات انتحارية، قبل أن يعمد أحدهم الى تفجير نفسه.
وكانت المواجهات قد بدأت فجر امس عندما دهمت قوة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي شقة في أحد أحياء طرابلس لاعتقال مشتبه بتورطهم في سرقة بنك البحر المتوسط قبل يومين، فوقعت مواجهة قاسية أدت الى انسحاب القوة الأمنية التي طلبت مساندة من الجيش الذي وجد نفسه تحت حصار ناري من قبل مجموعات كبيرة من المسلحين من عناصر «فتح الإسلام» في مناطق مختلفة من طرابلس الى محيط المخيم وصولاً الى الكورة والقلمون.
وأبلغ المسؤولون الأمنيون الاجتماع الوزاري أن بين القتلى سلطان ديب وأبو زيان، والأول متهم بالوقوف خلف التنظيم في الشمال وله شقيق موقوف في ألمانيا بتهمة الإعداد لأعمال إرهابية، والثاني متهم بالوقوف خلف جريمة عين علق، إضافة الى عدد آخر من المسلحين. بينما أفادت معلومات لـ«الأخبار» أن خسائر الجيش بلغت في الاشتباكات أمس 27 شهيداً بينهم ضابطان أحدهما برتبة نقيب وأن أربعة من العسكريين تمت تصفيتهم في كمائن نصبها عناصر «فتح الإسلام».
وأعلنت قيادة الجيش مساءً إحكام السيطرة على كل مناطق المواجهات خارج المخيم، والسيطرة على كل مداخله والتلال المشرفة عليه.
وقال رئيس فرع المعلومات المقدم وسام الحسن لـ«الأخبار» إن هذه العملية «كانت ضرورية، ولو لم تحصل لكان هؤلاء في وضع أقوى اليوم. وما حصل الآن هو أنهم تلقوا ضربة كسرت ظهرهم. ومن كانوا في المبنى الذي تعرض لهجومنا هم أساسيون في هذا التنظيم، وخصوصاً أن لدينا منذ أيام عدة معلومات عن الشقة التي دوهمت. وليس صحيحاً أننا دخلنا في وساطات أو اتصالات. وحتى قائد الجيش نفى في الاجتماع مع رئيس الحكومة أن يكون قد دخل في وساطات واتصالات مع أحد».
إلا أن الجدل في الاجتماع الوزاري لم يكن طويلاً، لأن محاولة بعض الوزراء من مسيحيي 14 آذار التحدث عن خيار اقتحام المخيم قبل الجلسة عطله قائد الجيش في بداية الاجتماع عندما أشار الى قدرات الجيش، وإلى أن الدخول في مواجهة مع مسلحين ينتشرون بين 30 ألف مدني له مخاطر كثيرة، وهو أمر أيّده فيه السنيورة والوزير غازي العريضي، لكن رئيس الحكومة أكد ما سبق أن اتفق عليه مع النائب الحريري بضرورة الانتهاء من هذه الظاهرة والطلب الى القوى الأمنية القيام بكل ما يلزم لتحقيق ذلك، وأن هناك إمكانية للاستفادة من المناخ القائم حيث رفعت القوى الإسلامية الشعبية والرسمية الغطاء عن هذه المجموعات، كذلك بعد الحصول على تعهدات من قوى فلسطينية مؤثرة بالعمل على احتواء هذه المجموعات سريعاً.