رغم أن أحداث أمس حجبت سائر الاهتمامات السياسية، وأبرزها السجالات المفتوحة في شأن ملف الرئاسة المقبلة وتوقّع صدور قرار عن مجلس الأمن بإقرار المحكمة الدولية، فإن المواقف المتصلة بالاستحقاق الرئاسي تعبّر عن المأزق الذي يحيط به في غياب وساطات محلية وخارجية لتجنب المواجهة بين قوى الغالبية والمعارضة. وفي حوار مع «الأخبار»، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن دعوته الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 25 أيلول المقبل نهائية، متمسكاً بنصاب الثلثين لافتتاح الجلسة، ومعتبراً أنه لا يمكن إجراء انتخابات خارج النصاب الذي نصّ عليه الدستور، وأن الطريق الى الدورة الثانية من الاقتراع تمر بنصاب الثلثين لافتتاح جلسة الانتخاب، أي 86 نائباً.
وقال بري «هذا هو النصاب منطقاً وعرفاً وممارسة»، معتبراً توجيه الدعوة بمثابة «تحريض على التوافق». وأضاف «ما دام انتخاب رئيس مجلس النواب قد حصل بالتوافق، وتعيين رئيس الحكومة بالتوافق، فليكن انتخاب رئيس الجمهورية بالتوافق أيضاً».
ولم يمانع بري وجود أكثر من مرشح توافقي للرئاسة. لكنه نادى برئيس يكون على علاقات جيدة مع كل دول العالم بدءاً بسوريا لأنها الجار الأقرب، وأميركا لأنها دولة عظمى (ص 5 ــــ 6).
في هذا الوقت، وصل إلى القاهرة أمس مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بلبنان تيري رود لارسن في زيارة تستغرق يومين. وقالت مصادر دبلوماسية إن محادثات لارسن مع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ستتركز على البحث في تطورات الأوضاع في لبنان بما في ذلك موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وتسبق محادثات لارسن، زيارة سيقوم بها الى مصر المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن خافيير سولانا بعد غد الأربعاء في إطار الاتصالات والتحركات التي تجري في المنطقة.
إلى ذلك، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني أمس عن اجتماع مرتقب بين وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي ونظيره السعودي سعود الفيصل للبحث في موضوع الأزمة السياسية في لبنان. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن حسيني تأكيده، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، استمرار المشاورات بين إيران والسعودية في شأن لبنان.
ومن نيويورك، كتب مراسل «الأخبار» نزار عبود أن مصادر دبلوماسية توقفت أمس عند تزامن اشتباكات طرابلس مع وصول بعثة الرئيس فؤاد السنيورة إلى الأمم المتحدة وبدء المناقشات في مجلس الأمن الدولي في شأن مشروع القرار الأميركي الفرنسي في شأن إقرار المحكمة الدولية. وذكّرت المصادر نفسها بوقوع «حوادث الاغتيال التي كانت تجري دائماً عشية كل جلسة كانت تتعلق بلبنان، وكان أبرزها اغتيال النائب جبران التويني والوزير بيار الجميل، قبل تفجيرات عين علق. ولقد أثارت الأحداث آنذاك ريبة الكثيرين، ولا سيما أعضاء المجلس».
وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين لـ«الأخبار» أمس، إن «الغاية مما يجري تعود إلى شعور متبنّي القرار وبعض الأطراف اللبنانية بوجود ممانعة جدية داخل مجلس الأمن للغة المتطرفة في مشروع القرار. وبالتالي، فإن مثل هذا التحرك المتعدد الأبعاد، يعكس إحراجاً وشعوراً بالعجز عن توجيه مجلس الأمن بالاتجاه المنشود من أصحاب المشروع».
وحتى يوم أمس، لم يكن المجلس قد حدّد موعداً لجلسة رسمية لمناقشة مشروع القرار الذي لم يقدّم إلى الأعضاء رسمياً بعد، وإن كان من الوارد بدء المناقشات الاستشارية تحت بند «أمور أخرى» عقب جلسة تبحث تقريراً عن الوضع في بوروندي مساء اليوم الاثنين بالتوقيت المحلي لنيويورك.
والأمر عائد إلى أن رعاة مشروع القرار، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لا يزالون حريصين على الاستماع إلى كل التعديلات المطروحة للحصول على أكبر تأييد ممكن له. إلا أن روسيا والصين، ومعهما مجموعة من الدول غير الدائمة العضوية، لا تزال ترى في القرار الجديد تحت الفصل السابع تدويلاً للبنان وللمحكمة.
اقتراح قطري
وسجّل في هذا المجال موقف قطري يدعو إلى إرسال بعثة من مجلس الأمن إلى لبنان على غرار البعثة الأخيرة التي زارت كوسوفو وصربيا. وسئل المندوب الأميركي زلماي خليل زاد، في حفل أقامته على شرفه الجامعة العربية في نيويورك نهاية الأسبوع الماضي، عن رأيه في الاقتراح، فالتفت إلى رئيسة البعثة اللبنانية كارولين زيادة وسألها «ما رأي لبنان؟» فردت «لا أستطيع التعليق سوى أن رسالة السنيورة إلى (الأمين العام للأمم المتحدة) بان كي مون لم تتضمن اقتراحاً كهذا».
وأوضح المندوب الأميركي أن الفكرة طُرحت قبل سنة في زمن المندوب السابق جون بولتون، لكنّ قطر اشترطت أن تذهب البعثة إلى فلسطين وإسرائيل. فانزعج الأميركيون وألغوا الفكرة من أساسها خشية أن تطال قضايا لا يرغبون في إثارتها.
وقالت مصادر أخرى إن بان كي مون، بعد فشل مهمة مبعوثه في لبنان، والضغوط التي يتعرض لها من الدول الكبرى، بات يتّخذ موقفاً مؤيّداً للأميركيين، مع الانفتاح على تعديلات في نظام المحكمة.
أما الموقف الروسي، فيرى أن المحكمة واقعة وروسيا لا تعارض فكرتها، ولن تستخدم الفيتو لإيقافها، لكنها ترفض فكرة الفصل السابع، فيما يُصر الأميركيون وحلفاؤهم على هذا الفصل بأي ثمن، وهم على استعداد للمضيّ في التصويت على القرار قبل آخر الشهر، أي قبل انتهاء الرئاسة الأميركية للمجلس، بالحصول على أصوات الأغلبية التي باتت مضمونة بتسعة أصوات على الأقل.
أما الموقف الصيني النهائي فلم يحسم بعد، إذ إنّ التعليمات، بحسب المصادر نفسها، لم تأت من بكين. لكن الموقف الصيني مبنيّ على كيفية الموازنة الدقيقة بين ضرورة إنشاء المحكمة من جهة، وضمان استقرار لبنان من جهة أخرى. مع ذلك، فإنّ لدى بكين ملاحظات جدية على مشروع القرار على غرار الروس، ولا سيما في شأن ما يتعلق بإقحام أمور تسييسية في مشروع القرار بعيداً عن الاقتصاص من القتلة.