strong>هدنة غيـر معلنة وتحرّكات لأنصـار أبو العينيـن في البـدّاوي... وآلاف ينزحـون تحت النـار
«لا إعلان لوقف إطلاق النار، ولا عرقلة لهدنة إنسانية، أما المعالجات السياسية فمتروكة لمن بيده أمر البت في مصير مستقبل فتح الإسلام، لأن الجيش الذي تعرض للغدر والقتل لن يسامح، ولكنه لن يتصرف بدافع الانتقام، والأوامر المعطاة للجنود هي بالرد بقسوة على أي إطلاق للنار يأتي من أي جهة، وإذا التزم الآخرون عدم إطلاق النار فإن الجيش لن يبادر، وهو ليس بوارد الدخول الى المخيم» (التفاصيل).
هذه الخلاصة العملية التي تلقتها «فتح ـــــ الاسلام»، عبر قوى فلسطينية وشخصيات لبنانية، من قيادة الجيش اللبناني، وهي الرسالة التي أخذتها على محمل الجد قيادات التنظيم، التي «تشعر بأنها في مأزق كبير وتبحث عن مخرج» على حد قول أحد المتابعين، الذي تحدث عن «مفاجأة كبيرة لناحية التركيبة العسكرية والامنية لهذا التنظيم، وعلى مستوى الاشخاص، إذ تبيّن أن هناك حتى الآن نحو مئتي مقاتل من هؤلاء داخل المخيم ينتشرون في أماكن عديدة منه، وهم يتبعون طرقاً أمنية في التحرك ونقل الأسلحة، وغالبيتهم العظمى من جنسيات عربية ولبنانية، إضافة الى قلة فلسطينية».
لكن ذلك لم يمنع فريق السلطة في بيروت، ومعه فريق السلطة الفلسطينية، من البحث عن سبل أخرى لأجل «استئصال المجموعة الإرهابية»، بحسب تعبير مرجع معني أوضح لـ«الأخبار» أن تطوراً أمنياً حصل خلال الساعات الـ24 الماضية، تمثل في إقدام حركة فتح في لبنان بقيادة سلطان أبو العينين على نقل نحو 250 من مقاتليه المختارين من الرشيدية وعين الحلوة الى مخيم البداوي وسط إجراءات امنية خاصة وترتيبات، قال أهالي البدواي إنها تشير الى محاولة نقل هؤلاء الى نهر البارد. يأتي ذلك وسط معلومات عن احتمال قيامهم بعمل عسكري ضد مجموعات «فتح الإسلام»، بعد أن يتم تسريع عملية إخلاء مخيم نهر البارد من المدنيين، الذين سيُنقلون الى البداوي والى أماكن أخرى. وتردّد أمس أن معرض الرئيس رشيد كرامي قد يتحول الى ملجأ لهؤلاء المشرّدين بانتظار بتّ أوضاع مخيم نهر الباردإلا أن ساعات الهدنة المتقطعة التي حصلت امس كشفت عن كارثة إنسانية لحقت بأهالي نهر البارد، وأن العمليات العسكرية التي جرت شهدت قصفاً عشوائياً في بعض الحالات ما أدى الى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وهو الأمر الذي استدعى توتراً في بقية مخيمات لبنان التي شهدت بعض التظاهرات وضغوطاً برزت في مواقف متناقضة لقوى أساسية من بينها «فتح»، وسط مخاوف من إقدام متعاطفين مع أبناء مخيم نهر البارد أو حتى مع «فتح الإسلام» على القيام بردات فعل من شأنها توسيع دائرة المواجهات.
ويعاني سكّان المخيم، الذين يزيد عددهم على 30 ألف نسمة، نقصاً في أدنى مقوّمات العيش منذ يوم الأحد الماضي، وهم يتعرّضون لقصف مركّز بقذائف من العيار المتوسّط والثقيل أدى إلى تدمير جزء كبير من البيوت والمحال التجارية والمساجد والمدارس. وقال ممرض من داخل المخيم، لـ«الأخبار»، إن «أربع شاحنات تحتوي على مواد غذائية ومولّد كهرباء تمكّنت من الدخول إلى وسط المخيم، وعندما بدأ توزيع الخبز والحليب على الناس، سقطت قذيفتا هاون في المكان، أدّتا إلى مقتل شخصين وإصابة 15 آخرين من دون أن يُعرف مصدر القصف».
وقالت المسؤولة الإعلامية في الصليب الأحمر الدولي ديلاغوارديا، لـ«الأخبار»، إن الهلال الأحمر تعرّض لإطلاق نار يوم الأحد الماضي من مصدر مجهول، وناشدت جميع الاطراف تأمين ممرّ آمن للمدنيين والإسعافات وقوافل الإغاثة من مخيم نهر البارد المحاصر وإليه.
الاتصالات والوساطات
ومع أن قوى كثيرة دخلت على خط التهدئة، فإن الاتصالات السياسية من الجانب الفلسطيني أظهرت تبايناً في طريقة إدارة الملف، وهو الأمر الذي ترافق مع اتصالات وإجراءات أمنية وعسكرية في محيط المخيم وأماكن أخرى من الشمال ومناطق لبنانية. وأُعلن توقيف العشرات من المشتبه في علاقتهم بالأحداث، أفرج عن عدد كبير منهم، بينما أبقيت مجموعة أفرادها من جنسيات مختلفة قيد الاعتقال. وقال مصدر مأذون له إن من بين القتلى الـ30 المحددين حتى الآن للمسلحين، 3 فلسطينيين وأكثر من 16 لبنانياً إضافة الى آخرين، بينهم 3 سعوديين وسوريان وأردني وبنغالي ومغربي وتونسي. وأفاد المصدر أن التحقيقات كشفت عن وجود العشرات من المقاتلين العرب داخل المخيم الآن.
في هذا الوقت، كان الرئيس فؤاد السنيورة يلتقي مع وفد فلسطيني موسّع طالبه بوقف النار فوراً وتسهيل دخول قوافل التموين والمواد الطبية وإخراج القتلى والجرحى من المخيم، وأن يُجنّب المدنيون فيه مخاطر القصف. فرد السنيورة طالباً من الفصائل الفلسطينية تكرار إعلان «إدانة فتح الإسلام والتبرؤ منها والدعوة الى إنهائها»، مشيراً الى أن موضوع وقف النار يجب أن يُبحث مع قيادة الجيش.
وانتقل الوفد الفلسطيني الى الاجتماع مع مدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري، الذي «كان أكثر وضوحاً وصراحة من السنيورة، برفض إعلان وقف إطلاق النار لأن هذا يعني اعترافاً سياسياً بفتح الإسلام، لكن الجيش يضمن أنه إذا لم يكن هناك إطلاق نار من الجهة المقابلة فسيلتزم عدم إطلاق النار تمهيداً لإخلاء الجرحى والقتلى وإدخال المساعدات الطبية والإنسانية» مع التأكيد على قرار الجيش بإنهاء حالة «فتح الإسلام».
ونقل المصدر نفسه عن مصادر أمنية قولها إن القيادة السياسية والجيش رسمت حدوداً لوقف العمليات العسكرية تقف عند حدود تسليم مطلقي النار ووقف الاعتداءات على الجيش والقوى الامنية والممتلكات العامة والخاصة. وأضافت انه لا وجود لما يمكن تسميته وقفاً لإطلاق النار بالمعنى التقليدي للأمر.