الاشتباكات تتجدّد والسنيورة يعود إلى مبادرته الداخلية... والعقبات تستمرّ حائلاً دون إقرار سريع للمحكمة

لم يحل استئناف الاشتباكات بين الجيش ومسلحي فتح ـــــ الإسلام في محيط مخيم نهر البارد، دون تواصل الاتصالات السياسية، في ظلّ تأكيد قيادة الجيش على حسم أمر المجموعة المسلحة من دون الدخول الى المخيم. وفي الوقت نفسه، واصلت قوى من 14 آذار، بالتشاور مع جهات خارجية، العمل على توفير أساس سياسي وأمني وعسكري، للقيام بعمل عسكري قال شهود عيان إنّ مؤشّراته الميدانية تتكاثر يوماً بعد يوم.
وذكرت مراجع معنية أن اجتماعاً طويلاً عقد بين الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري وممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي والسفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة، جرى خلاله عرض للمواقف. وقد شدّد الحريري والسفير السعودي على ضرورة إنهاء حالة فتح ــــــ الإسلام، وخصوصاً أنّ بينها عدداً من السعوديين الملاحقين بتهمة الانتماء الى تنظيم القاعدة. وقال السفير خوجة إن حكومته ستساعد في إزالة آثار المعارك القائمة، وتقديم مساعدات إضافية لإعادة إعمار جميع المخيّمات في لبنان، ومساعدة ضحايا الأحداث الجارية. وهو أمر شدّد عليه الحريري الذي أوعز الى منسقين في تياره القيام بتوزيع كميات من المساعدات على النازحين من أبناء مخيم نهر البارد في طرابلس والبداوي.
إلى ذلك، تفاعلت أزمة الموقف الفلسطيني من مسألة الحسم. وعلم أن كوادر من حركة فتح في لبنان رفضت توجه قيادتها للاستعداد للقيام بعمل عسكري حاسم. وحصلت بلبلة إضافية حتى بين زكي وقائد فتح سلطان أبو العينين، فيما أبلغت جهات فلسطينية أخرى أنها لن توفر تغطية لحرب أهلية فلسطينية ـــــ فلسطينية، وهو الأمر الذي تعزز بفعل الضغوط التي تقوم بها جهات أهلية ورجال دين.
وفي ما يخصّ موقف الجيش، لفتت المراجع الى أن قيادة الجيش لا يمكنها التساهل مع فتح ـــــ الاسلام، لكنّها لا تريد الدخول الى المخيم، وهي أبلغت جميع المتصلين بها أنها لن تدخل في أي إطار تفاوضي من شأنه إظهار الجيش أنه موافق على تسوية الأمر كيفما اتفق، وأن صورة الجيش وعلاقته بأهل الشهداء من العسكريين وأبناء المناطق الشمالية، اضافة الى دوره العام، تفرض التعامل بحزم مع هذه المجموعة. وأشارت قيادة الجيش الى أنها تعي خطورة الوضع السياسي القائم، وهي تتحاشى الوقوع ضحية التجاذب السياسي القائم.
الوضع الميداني
ومساء أمس، تجددت الاشتباكات حول مخيم نهر البارد. وأطلق الجيش قنابل مضيئة، واستقدم تعزيزات من لواء المغاوير إلى أطراف المخيم، بعد توقف القصف الذي استمر نحو ربع ساعة وتركّز حول مدخلي المخيم الشمالي والجنوبي، كما سمعت أصوات طلقات نارية متقطعة.
وقال المسؤول الإعلامي لتنظيم «فتح الاسلام» أبو سليم طه إن تنظيمه «ملتزم بالهدنة، لكننا لن نستسلم، وقد أعددنا أنفسنا للقتال حتى آخر لحظة». وأكّد طه في اتصال مع «الأخبار» مقتل 25 عنصراً من الحركة (10 في البارد و15 في طرابلس) من بينهم «أبو يزن» و«أبو مدين» الرجل الثاني في الحركة. ونفى أن تكون للحركة أي صلة بالتفجيرات المتنقلة بين المناطق اللبنانية.
ونقلت وكالات الأنباء عن مصدر أمني لبناني أن لبنان طلب من الولايات المتحدة شحن مساعدات بسرعة، فيما ذكر موقع «سي أن أن» الالكتروني أن ست طائرات شحن عسكرية أميركية محمّلة بالذخائر توجهت في جسر جوي سريع الى لبنان.
استمرار الوساطات
في غضون ذلك، نشطت المساعي من أجل إيجاد حل للأزمة، مع دخول علماء ومشايخ المخيم، ودخول جبهة العمل الاسلامي وحركة الجهاد الاسلامي على الخط. غير أن نقاطاً عدة كانت لا تزال عالقة حتى مساء امس، أهمها من سيتولى مسؤولية الأمن في المخيم بعد عودة عناصر الحركة الى قواعدهم، ومصير المقاتلين العرب في صفوفها، الذين قيل إن عددهم يبلغ نحو 35 مقاتلاً. وكذلك الحال بالنسبة للمطلوبين اللبنانيين والعرب الى السلطات اللبنانية، فضلاً عن اقتراحات اخرى عن وجود قوة فلسطينية لحفظ الأمن في محيط المخيم.
وكانت حركة فتح الاسلام قد عرضت على المفاوضين، حسب معلومات أوضحتها مصادر مطلعة لـ«الأخبار»، ان تتولى قوة أمنية من حركات «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة» مسؤولية الأمن في المخيم ومحيطه. غير أن السلطات اللبنانية رفضت هذا الاقتراح، وأصرت على حصر الأمر بحركة «فتح». وأفيد أن «فتح الاسلام» عرضت إخلاء مواقعها في المخيم، شرط عدم التعرض لعناصرها وتأمين ممر آمن لهم الى خارج لبنان، وهو طلب قوبل بالرفض أيضاً.
وعلمت «الأخبار» أن الفصائل الفلسطينية طرحت مبادرة تتضمن: أولاً، وقف الاقتتال نهائياً. ثانياً، تثبيت وقف النار وإفساح المجال لعودة الحياة الطبيعية الى المخيم وجواره. ثالثاً، تأليف لجنة أمنية مشتركة من جميع الفصائل وإزالة كل أسباب التوتر. رابعاً، إنهاء كل المظاهر المسلحة في المخيم. وخامساً، العمل على ترتيب وضع «فتح الاسلام» عبر إيجاد آلية يتم التوافق في شأنها.
مبادرة السنيورة
في غضون ذلك، كرّر الرئيس السنيورة مبادرته لحل الأزمة السياسية التي تشمل الاتفاق على برنامج تنفيذي لمقررات الحوار الوطني والنقاط السبع وما تضمّنه مؤتمر «باريس 3». وقال في خطاب لمناسبة عيد المقاومة والتحرير إنّ هذا الاتفاق هو «القاعدة الضرورية المتينة لقيام حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها القوى بحسب تمثيلها في المجلس النيابي».
مواقف دولية
من جهة ثانية، أكّد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أنّ الأسرة الدولية عازمة على إنشاء المحكمة الدولية وتنفيذ القرار 1701 كاملاً. وأوضح أنه لا اختلاف بين سياسة الرئيسين نيكولا ساركوزي وجاك شيراك «ولكن ظروف الأزمة تغيّرت».
وأعلن كوشنير، بعد لقائه الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري والمفتي محمد رشيد قباني، أن فرنسا ستتحاور مع كل مكونات الحياة اللبنانية. وإذ أكد أن مجلس الامن قد يقر المحكمة الدولية خلال أيام، لفت الى ان بري «كان دائماً مع إنشائها لكن هناك بعض المسائل يجب أخذها في الاعتبار لنكون عادلين ومتوازنين اكثر مما كنا عليه في السابق». كما حضر كوشنير عشاء عمل ضمّه إلى أركان من 14 آذار، وتداولوا على مدى ثلاث ساعات في المواضيع المطروحة على الساحة اللبنانية.
وأجرى بري أمس اتصالاً هاتفياً أمس بوزير الخارجية الايراني منوشهر متكي وتمنى عليه مواصلة الجهود الايرانية ـــــ السعودية ـــــ السورية والمساعدة على التوصل الى حلول سياسية تنهي الاوضاع المأزومة في لبنان. وعلمت «الأخبار» أن اجتماعات قريبة ستعقد بين متكي ونظيريه السعودي الامير سعود الفيصل والسوري وليد المعلم لوضع تصور مشترك لاحتواء التوترات الامنية والسياسية وإنتاج صيغة توافقية للمشاكل العالقة.
ومن كاليفورنيا، أعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أمس أن الولايات المتحدة «تتابع عن كثب الوضع في لبنان». وقالت خلال مؤتمر صحافي إن «الحكومة اللبنانية تحاول فعلاً القيام بما يجب أن تقوم به لحماية مواطنيها من المتطرفين الذين يزرعون الفوضى والخلافات». وأضافت «آمل فعلاً أن تكون الحكومة اللبنانية قادرة على السيطرة على هؤلاء المتطرفين»، معلنة أنّ ذلك سيكون «مثالاً للمتطرفين في الشرق الاوسط الذين يحاولون زعزعة حكومة ديموقراطية».
المحكمة الدولية
وفي نيويورك، نقل مراسل «الأخبار» نزار عبود عن مصادر دبلوماسية استبعادها التصويت على مشروع القرار الأميركي ـــــ الفرنسي ـــــ البريطاني لإنشاء المحكمة الدولية قبل نهاية الشهر الجاري، فيما كانت البعثة اللبنانية الموسعة التي انضم إليها الوزير طارق متري تقوم بمساع حثيثة، في اجتماعات ثنائية مع سفراء الدول الأعضاء، لإقناعهم بتبني المشروع وفقاً للفصل السابع.
وسيقدم مشروع القرار، رسمياً، الى أعضاء مجلس الأمن للمرة الأولى في اجتماع تشاوري يعقد صباح اليوم بحسب ما أكد السفير الأميركي زلماي خليل زاد وسفراء آخرون. ولن يكون المشروع بالحبر الأزرق نظراً الى أنها المرة الأولى التي يقدم فيها رسمياً منذ طرحه كمسوّدة قبل أسبوع. على أن يُصوَّت عليه بعد التشاور الذي قد يستمر أياماً أو أسابيع.
الا أن المندوب الروسي فيتالي تشوركين، استبعد، في تصريح الى «الأخبار»، إمكان مراجعة نظام المحكمة ومشروع القرار خلال فترة وجيزة، لافتاً الى أن «المشروع يحتاج إلى دراسة مستفيضة نظراً الى أبعاده الطويلة الأجل، لأن المسائل ذات الأبعاد القانونية هذه تحتاج إلى تمعن دقيق».
وقال مندوب جنوب أفريقيا دوميسانو كومالو لـ«الأخبار» إن هذه المحكمة «تبدو عامل تفريق للبنانيين، ولن تكون مقبولة من كل الأطراف، وبالتالي لا بد من مراجعة القرار بدقة»، مؤكداً «اننا حريصون على وحدة لبنان واستقراره».
وكرر دبلوماسي في البعثة القطرية موقف بلاده الداعم للتضامن اللبناني. واستهجن تصريحات النائب وليد جنبلاط الاتهامية لدولة قطر، وقال «إن قطر من أكثر الدول حرصاً على استقرار لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، فكيف تُكافأ على مواقفها المعروفة بمثل هذا الاتهام غير المستند إلى أي أساس؟».