تشهد بغداد اليوم الجولة الأولى من المباحثات الأميركية ـــــ الإيرانية، التي أوضح الطرفان أنها ستنحصر في بحث كيفية دعم الحكومة العراقيّة من أجل «إرساء الاستقرار» في بلاد الرافدين، لكن تأثيراتها ستمتدّ، بلا شك، إلى مجموعة من الأزمات المتفجرة في المنطقة، بينها لبنان (التفاصيل).ويأتي هذا الحوار عشية اتهام طهران لواشنطن بتنظيم شبكة من الجواسيس لتنفيذ أعمال «تخريبية» على الحدود الإيرانية، وفي ظل معلومات عن توقيع الرئيس الأميركي جورج بوش أمر «عمليات سوداء»، كُلّفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي اي ايه» تنفيذها لزعزعة استقرار النظام الإيراني، وبعد أيام فقط من استعراض قوة أميركي في مياه الخليج. لكنه يتزامن، في الوقت نفسه، مع تزايد نزف قوات الاحتلال في العراق، حيث فقدت على مدى الأيام القليلة الماضية أكثر من 10 من جنودها، ما يرفع عدد قتلى الاحتلال خلال شهر أيار الجاري إلى أكثر من 103 قتيل.
وكانت إيران قد امتنعت، على مدى أسابيع، من الاستجابة لعروض أميركية بإجراء حوار كهذا، مثّل المؤتمر الأخير في شرم الشيخ أحد أبرز محطاتها، عندما امتنع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي عن لقاء نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، التي دعته إلى «انتهاز هذه الفرصة». لكنّ طهران عادت وتراجعت عن موقفها المتعنّت ووافقت على لقاء في بغداد ينحصر في بحث الوضع العراقي.
ويُتوقع أن تؤدي محادثات بغداد اليوم دوراً في النقاش الدائر في شأن استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يشدّد العقوبات المفروضة على إيران، على خلفية التقرير الأخير لمدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، الذي تحدّث عن عرقلة إيرانية لجهود المفتشين وعدم قدرة الوكالة على التأكّد مما إذا كان البرنامج النووي الإيراني سلمياّ أم لا.
وسيترأّس الوفد الإيراني إلى المباحثات سفير طهران السابق في العراق حسن كاظمي قمّي، فيما سيمثّل الجانب الأميركي السفير الأميركي لدى بغداد رايان كروكر. ويتوقع أن يحضر وزير الخارجيّة العراقي هوشيار زيباري اللقاء المرتقب.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأميركي، أنطوني كوردسمان، أنّ اللقاء «يملك فرصاً ضئيلة في أن يُثمر»، لأنّ «العدائية التي أظهرتها إيران ذهبت إلى أبعد من التصريحات الاستفزازية التي تسبق عادةً مثل هذه اللقاءات».
وفي ردّ على سؤال عمّن سيتّخذ القرار خلال المحادثات، أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني أنّ «الجهات ذات الصلة ستتّخذ القرار في ظل التشاور كما أنّ رئيس الجمهورية (الإيرانيّة محمود أحمدي نجاد) يطرح شخصياً وجهة نظره في هذا الخصوص».
في المقابل، قال نائب المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية توم كايسي إنّ «الوفد الأميركي يعتزم إثارة دواعي القلق لدى الولايات المتحدة إزاء سلوك إيران، بما في ذلك دعم الجماعات المسلّحة، فضلاً عن المخاوف إزاء التدخل في العملية السياسية».
أمّا الحكومة العراقيّة، التي تعوّل على نتائج إيجابيّة للمحادثات تؤمّن لها هامش الاستمراريّة، فقد قال رئيسها نوري المالكي إنّ المحادثات تجري «في إطار خطّة لإزالة النفوذ الخارجي بكلّ أشكاله»، موضحاً أنّ «حلّ مشاكل العراقيين من جانب العراقيين أنفسهم هو الأساس».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية قوله إنّه «إذا كان الاجتماع مثمراً، وهناك وعد بأن تكون الاجتماعات اللاحقة موضوعية، فسنوافق على عقد اجتماع ثان».
إلّا أنّ المحلّلين يقولون إن نفوذ واشنطن في المباحثات محدود، حيث يشير الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد «بروكينغز» الأميركي إلى أنّ طهران تعلم أنّها «تمتلك الأفضلية الجغرافيّة والديموغرافيّة في هذه المباحثات»، وذلك بحكم «امتلاكها لعلاقات سياسية أفضل مع كل الأفرقاء العراقيّين ممّا نملك».