تلقى أركان 14 آذار أمس إقرار مجلس الأمن للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بهدوء وجدية، لم يخفيا مظاهر الارتياح، مطلقين، على وقع مفرقعات الابتهاج في بيروت وعدد من المناطق، سلسلة من المواقف، أكدت أن ما جرى «لحظة فاصلة بين زمنين»، ومعلنين في الوقت نفسه «مد اليد» للمعارضة من أجل «التلاقي والحوار»، على قاعدة أن هذه المحكمة «ليست لنصرة جهة على أخرى» و«ليست موجهة ضد أي بلد». وقال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، في كلمة وجهها الى اللبنانيين فور انتهاء جلسة مجلس الأمن، «إن إقرار المحكمة لا يشكل انتصار فريق على فريق آخر في لبنان. إنه انتصار للبنان واللبنانيين كل اللبنانيين». وأضاف «لا يجب ان يشكل قرار إنشاء المحكمة نقصاناً لحساب المعارضة أو زيادة في رصيد الموالاة، كما أنه ليس موجهاً ضد أي بلد وليس موجهاً بالتأكيد ضد الشقيقة سوريا». وتابع «نحن ضد التسييس بأي شكل من الأشكال، مهما قال المغرضون، وسنحرص دوماً على أن تظل المحكمة كما أردناها عنواناً للحق والعدالة وفوق السياسة وتحت القانون». ودعا الى «التلاقي والتواصل والحوار» والى ان «نبدأ من جديد مسيرة بناء الدولة... التي تلتزم مبدأ التمسك باتفاق الطائف وتطبيقه نصاً وروحاً والتأكيد على وضع برنامج زمني لتنفيذ ما اتفقنا عليه جميعاً في جلسات الحوار الوطني وكذلك النقاط السبع».
كذلك، أشاد رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بالقرار الدولي، الذي وصفه بأنه «خطوة تاريخية». وقال، في كلمة وجهها الى اللبنانيين، إن القرار الرقم 1757 يمثل «خطوة تاريخية في مسيرة حماية لبنان». وأضاف إن «المحكمة بوابة للخلاص من المسلسل الإجرامي الإرهابي الذي أنهك لبنان خلال السنوات الأخيرة»، مؤكداً أن «هذه المحكمة ليست لنصرة جهة على جهة أخرى في لبنان وإنما للبنانيين جميعاً».
وتابع الحريري «إننا لا نطلب عدالة للانتقام والثأر وإنما نطلب عدالة للمحاسبة والحقيقة». ودعا الجميع الى «الارتفاع فوق الخلافات والحساسيات، لنحمي مسيرة العدالة والحرية والتضامن. وليكن هذا اليوم فرصة متجددة لوحدة اللبنانيين وإضاءة شعلة الحوار الوطني من جديد». كما دعا الى «تعطيل مشروع تكسير لبنان فوق رؤوس اللبنانيين»، مضيفاً «أمدّ اليد الى شركائنا في الوطن لاقول لهم: لاقوا اليد الممدودة. كفانا انقساماً وتشرذماً وانكشافاً. فلنضع طاقاتنا وعلاقاتنا وقدرتنا في جانب واحد، في مجهود واحد، من أجل الوطن. فلنضع أفكارنا وآراءنا واقتراحاتنا على طاولة واحدة، من أجل لبنان واللبنانيين. ونحن من جهتنا سنترجم، بإذن الله، هذا القول إلى أفعال حقيقية».
أما الرئيس أمين الجميل فقال من جهته، أمام وفود شعبية وكتائبية زارته أمس، «إن إقرار المحكمة الدولية هو الخطوة الأولى من أجل تحقيق السلام اللبناني المسلوب منذ عقود من الزمن»، معتبراً أن «من شأن التحقيق والمحكمة كشف الجناة وإيجاد نوع من الرادع لكل العابثين باستقرار الوطن وأمن اللبنانيين».
ووصف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يوم إقرار المحكمة أمس بأنه «يوم تاريخي». وقال إن «المحكمة هي لإقرار العدالة من أجل حماية لبنان، كل لبنان، المحكمة ليست موجهة ضد طائفة أو حزب، ربما ضد فئة مرتبطة، كما سبق أن ذكرت، فئة معينة ارتبطت بالإجرام أيام الوصاية، وصاية النظام السوري».
وفي باريس، قال رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، في حديث الى إذاعة فرنسا الدولية (فرانس انتر)، إن «المهم بالنسبة الى المحكمة هو أن يكون لديها متهمون... فأين المتهمون؟». وأضاف «للأسف»، إن التحقيق «لم يخلص الى نتيجة حتى الآن ولا نزال ننتظر. نتقاتل على محكمة ليس لديها متهمون». وتابع «ليس لدينا متهمون، ولا حتى شكوك ذات قيمة فعلية»، مشيراً الى أن «الشكوك حتى الآن خفيفة جداً».
وكان السنيورة والحريري قد توجها بعد كلمتيهما الى ضريح الحريري الأب الذي أضيئت الشموع حوله في وسط بيروت، حيث قرآ الفاتحة، وسط عدد من الأنصار الذين قصدوا ساحة الشهداء وهم يحملون أعلام تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، والأعلام اللبنانية. كما أضيئت الشموع وأقيمت حواجز لتوزيع الحلوى على المارة، في عدد من المناطق، ولا سيما في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي وصيدا.
ورغم المناشدات والتعاميم الرسمية، انطلقت العيارات النارية والمفرقعات للتعبير عن الفرح. وذكرت وكالة «فرانس برس» أن الشموع المضاءة امتدت على مسافة كيلومترات في كل الشوارع الرئيسية في العاصمة، من أحياء الاشرفية الى منطقة الكورنيش على شاطئ البحر مروراً بعدد من الاحياء الداخلية.
وانتشرت القوى الامنية بكثافة في شوارع المدينة وأغلقت الطرق المؤدية الى ساحة الشهداء أمام حركة السير، بينما أضيئت المساجد. وشهد عدد من الأحياء تجمعات لشبان من أنصار «المستقبل»، فيما ارتفعت الأعلام اللبنانية وصور الحريري الأب والابن على شرفات ونوافذ المنازل.