الحريـري يسـلّم عريضـة الـ 70 إلى بيدرســون... بـري «مسـتاء» وحـزب اللـه يراهـا «هروبـاً إلى الأمـام»
أعادت الأكثرية النيابية أمس خلط الأوراق، ووجهت ضربة، قد تكون قاصمة، لمبادرة الرئيس نبيه بري، عندما بعثت، على حين غرة، بمذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ممهورة بتوقيع نوابها الـ70، تطالب فيها مجلس الأمن الدولي بإقرار “المحكمة”، بعدما “تعذر” ذلك في المؤسسات الدستورية اللبنانية. وبذلك، تكون الأكثرية قد فكت الارتباط بين المحكمة والحكومة، في خطوة تهدّد بتعطيل الحوار، وتضع المعارضة أمام أمر واقع جديد يتوقع أن يقابل بخطوات تصعيدية، قد يوضح الرئيس بري ملامحها خلال مقابلته المقررة اليوم مع محطة “ان بي ان” التلفزيونية.
ودعت الأكثرية، في المذكرة التي وجهتها إلى بان، عبر ممثله الشخصي في لبنان غير بدرسون، لدى زيارته قريطم، مجلس الأمن إلى “اتخاذ كل الإجراءات البديلة التي يلحظها ميثاق الأمم المتحدة، والتي تؤمن قيام المحكمة الدولية التي وافق عليها مجلس الأمن” لـ“تعذر” إقرارها في المؤسسات الدستورية اللبنانية، وذلك بعدما كانت قد مررت “اعتصامها التذكيري” نهاراً في مجلس النواب بهدوء حمّلت خلاله الرئيس نبيه بري “وحيداً مسؤولية المحكمة والحل السياسي وتعريض مصالح لبنان واللبنانيين الى ما لا تحمد عقباه”، نافية وجود مذكرة كهذه.
وعرضت المذكرة لكل المحطات والقرارات التي شهدتها قضية إنشاء المحكمة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، متوقفة عند ما سمّته “العراقيل” التي قالت إن رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي وضعتها في وجهها. ورأت أن مواقف لحود وبري “تشكل تعطيلاً مقصوداً لمؤسساتنا الدستورية، وتهدف الى منع إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، التي نص عليها قرار مجلس الأمن وقرار الحكومة اللبنانية، والتوقيع عليها من قبل الطرفين وتحول دون إمكانية إبرامها المعاهدة وفقاً للأصول الدستورية في لبنان”.
وقال الوزير غازي العريضي إن تقديم المذكرة الى بان كي مون “أمر غير مفاجئ”، وخصوصاً “أننا لم نطلب اللجوء إلى الفصل السابع”. وأضاف: “لقد استنفدنا كل الوسائل”، مشيراً إلى ما قاله رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الحريري، سيرج براميرتس، عن أن اللجنة لا تستطيع متابعة عملها ما لم تقر المحكمة. وشدد على أن المذكرة “لا تلغي جو الحوار”، لافتاً إلى أن الاكثرية النيابية ستواصل حضورها الى مقر المجلس في محاولة منها لإقرار قانون المحكمة من خلاله. وقال إن الحوار سيستمر “ولا نية لدينا للذهاب إلى الفصل السابع”.
وفي معلومات “الأخبار”، فإن موضوع المذكرة، التي نفذت في السر، كان قد تقرر في لقاء أقطاب 14 آذار في قريطم ليل الأحد ــــــ الاثنين الماضي. وقال أحد هذه الأقطاب لـ“الأخبار” إن الصيغة النهائية للمذكرة التي سترفع الى الأمين العام للأمم المتحدة عرضت قبل توقيعها وتحويلها عريضة سلمت امس الى بيدرسون. وأضاف “إن الرئيس بري مسرور لهذه المبادرة على أساس أنها من الهموم التي كانت على عاتقه وأزيحت”.
بري مستاء
وقد تلقى الرئيس بري هذه الخطوة باستياء بالغ في الوقت الذي كان يعد فيه الترتيبات اللازمة للقائه المنتظر مع النائب سعد الحريري. وقالت أوساطه لـ“الأخبار” ، “إنها خطوة لم تكن مفاجئة وتوقيتها غير ملائم”.
وقال مصدر قيادي في المعارضة لـ“الأخبار”، إن “خطوة الأكثرية كانت متوقعة وتعد تجاوزاً للدستور”. وأضاف أن “الطريق الذي تسلكه الأكثرية تصعيدي وتوتيري وليس طريقاً لحماية لبنان ولا لحماية المحكمة، وأعتقد أنها تنفذ برنامجاً أميركياً بالكامل”.
وفي أول ردّ فعل معارض على “العريضة الأكثرية”، لم يستغرب الوزير المستقيل محمد فنيش هذه الخطوة، إذ إن “المسار السياسي الذي اتبعته قوى الأكثرية، إن في جلسات الحوار أو في رفضها الحلول المطروحة وكل المبادرات، يفصح عن إرادتها في اللجوء الى إقرار قانون المحكمة وفق الفصل السابع، من دون مناقشة بنوده ومن دون مشاركة”. وأوضح لـ“الأخبار”، أن هذه الخطوة هي بمثابة “هروب الى الأمام”، و“ترجمة للتعليمات الأميركية والفرنسية، بما يبقي لبنان ورقة مفتوحة أمام الوصاية الدولية، وساحة للصراعات والأزمات”.
ووصف النائب نوّار الساحلي خطوة “الأكثرية” بأنها “خديعة سياسية”، وأسلوبها بأنه “رخيص ولن يصل الى أي مكان”، مؤكداً أن ما جرى “دليل على أن هذا الفريق قد داس على الدستور وميثاق العيش المشترك، وخرق كل القوانين والأعراف”، بما يشير الى أنه “مرتهن للوصاية الخارجية ارتهاناً كاملاً. فبدلاً من الانكباب على حلّ الأزمة بتأليف حكومة اتحاد وطني، يطالبون الخارج بالتدخل، ما سيزيد الأزمة تعقيداً”، محمّلاً إياهم “كامل المسؤولية عما ستؤول إليه الأوضاع”.
احتشاد موالٍ ومعارض
وكان نواب الأكثرية قد احتشدوا في بهو المجلس النيابي أمس، للمرة الثالثة منذ بدء عقده العادي الأول في 20 آذار الماضي، مطالبين بري بعقد جلسة لإقرار مشروع قانون المحكمة. واحتشد الى جانبهم نواب المعارضة بكثافة بعدما كان حضورهم في الأسبوعين الماضيين رمزياً. وتبادل الجانبان الاتهام بعرقلة إنشاء المحكمة.
وقال نائب رئيس المجلس فريد مكاري إن “اجتماعنا ليس تحدياً لأحد، بل نداء موجه الى الرئيس بري بأن يضع تاريخه السياسي والمكانة التي سيذكره فيها التاريخ نصب عينيه”. وأضاف ان بري “يحمل وحيداً اليوم مسؤولية المحكمة والحل السياسي وتعريض مصالح لبنان واللبنانيين الى ما لا تحمد عقباه”. ودعاه الى “افتتاح جلسة المجلس وترؤسها لتفتح صفحة جديدة من الأمل والسيادة والاستقرار أمام لبنان”.
وتلا النائب نبيل نقولا بياناً باسم نواب المعارضة طالب فيه الأكثرية “بتسهيل إقرار صيغة التسوية السياسية من خلال المدخل الوحيد وهو قيام حكومة وحدة وطنية تؤمن المشاركة الحقيقية لنستطيع معاً الوصول الى إقرار مشروع قانون المحكمة بما يخدم العدالة ويعكس وحدة اللبنانيين تجاه هذه القضية التي يجب أن تكون جامعة”. وأضاف ان “المكابرة التي يمارسها رئيس الحكومة لن تغطي على سقوطها بكل المعايير الدستورية والسياسية والشعبية، وهي عائق أمام استكمال آلية إقرار المشاريع وإحالتها أمام المجلس النيابي ليصبح بالإمكان عقد جلسات تشريعية".
بري والتفويض للحريري
وكان النائب الحريري الذي التقى النائب وليد جنبلاط مساء امس، قد سارع إلى الاتصال ببري بعد انفضاض جمع نواب الأكثرية والمعارضة في ساحة النجمة، وذلك تمهيداً للقاء مقرر بينهما، شجع عليه الرئيس فؤاد السنيورة، فيما توقع السفير السعودي عبد العزيز خوجة اثر زيارته السرايا الحكومية انعقاده “قريباً جداً”.
وقالت مصادر قريبة من بري لـ“الأخبار”، إن “اللقاء بينه وبين الحريري يمكن أن ينعقد في أي وقت، لكن الأهم منه هو جدول أعماله”. وكشفت أن البحث الجاري وراء الكواليس يركز على تأمين مناخٍ مؤاتٍ لتثمير نتائج هذا اللقاء وما سبقه من لقاءات مماثلة. ورأت المصادر أن “المطلوب هو مجيء الحريري الى الحوار ولديه تفويض حقيقي من قوى 14 آذار ليكون حاسماً في الموقف الذي يتخذه”.
ولفتت المصادر نفسها الى أن “الذين عملوا على خط الوساطة أثناء الحوار بين بري والحريري، لمسوا مدى مرونة مواقف المعارضة وبري، بينما الفريق الآخر، عندما شعر بأن الحوار بلغ مرحلة متقدمة، أغار على مجلس النواب ورئيسه بغية المشاغبة على الحوار والنتائج التي توصل إليها، وكانت النتيجة أن توقف الحوار وبدأ التصعيد في وجه الحلول والتهويل باللجوء الى إقرار المحكمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
وأكدت المصادر أن “الاتصالات الجارية تركز على تأمين ضمانات تكفل وصول الحوار الى نتائج تكون مضمونة التنفيذ”. وأشارت الى أنه “في ضوء اللقاءات التي حصلت بين القيادتين السورية والسعودية على هامش القمة العربية الأخيرة، من المتوقع أن تجري دمشق والرياض اتصالات مع أطراف الأكثرية والمعارضة لحضهم على التوصل الى حلول للأزمة القائمة بينهم”.