تزايدت أمس احتمالات الرعاية السعودية لمؤتمر حوار بين الموالاة والمعارضة استجابة لاقتراح الرئيس نبيه بري، مع ترحيب النائب سعد الحريري به، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون موافقته عليه واستعداده لإيفاد مستشاره للشؤون القانونية نيكولا ميشال للمشاركة في هذا المؤتمر. وينتظر أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من التطورات في هذا الاتجاه، وخصوصاً بعدما لاح في الأفق الدولي أن ليس هناك استعجال لدرس موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات الجارية لإيجاد حل للأزمة الداخلية. وقال السفير السعودي عبد العزيز خوجة لـ“الأخبار” تعليقاً على هذا الأمر: “ننتظر منهم أن يتوصلوا الى اتفاق، وأهلاً وسهلاً بهم في المملكة لتتويج هذا الاتفاق”. لكن مصادر المعارضة لم تعلق على موقف الحريري معلنة “التزامها المطلق بالمواقف الصريحة” التي أعلنها بري في حواره المتلفز، وقالت إنه ليس لدى المعارضة ما تضيفه عليه “في انتظار أي مبادرة سعودية”.
وكان الحريري، بعد ساعات على استقباله السفير خوجة، قد رحّب بطلب الرئيس بري من السعودية استضافة “مؤتمر للحوار الوطني اللبناني”، وقال: “حسناً فعل الرئيس بري حين ذكر أن هذا المطلب هو مطلب مكرر، سبق له أن تقدم به للحكومة السعودية، وهو ما رحبنا به في السابق، ونرحب به مجدداً، تحت سقف الموقف السعودي الرسمي(...) والمتمثّل في استعداد المملكة لاستضافة الإعلان عن أي اتفاق يتوصل إليه اللبنانيون في لبنان، من دون أي تدخل خارجي أو وصاية من أحد”. وأضاف الحريري: “لسنا في حاجة للتذكير بأننا مستعدون للتوجه إلى المملكة العربية السعودية في أي لحظة بصفتها بيت جميع اللبنانيين”. وأكد التزامه “صورة المملكة العربية السعودية كأرض لتلاقي اللبنانيين لا افتراقهم، ولإعلان اتفاقهم لا اختلافهم، ورعاية ما يجمعون عليه لا ملاحظة غياب إجماعهم”.
وبخلاف الحريري، جاء ردّ الرئيس فؤاد السنيورة على بري سلبياً. فقال في بيان له “إن اقتراح الرئيس بري بالانصراف إلى مناقشة بنود نظام المحكمة ذات الطابع الدولي وقوله “لن نبحث في كلمة حكومة قبل أن ننتهي من موضوع المحكمة”، هو مسألة جيدة ونحن نرحب بها، وعلى استعداد للخوض فيها بإيجابية، لأن هذا الاقتراح يعتبر بداية لإخراج المحكمة من دائرة التسييس”. لكنه رأى أن كلام بري عن القضايا الاخرى في مقابلته التلفزيونية “احتوى على كثير من المغالطات التي لم تعد تنطلي على أحد”.
وفي المقابل، رأى النائب العماد ميشال عون في عريضة نواب الأكثرية الى مجلس الأمن “تنازلاً منهم عن السيادة اللبنانية وخيانة عظمى”. وأكد في حديث تلفزيوني “أن صلاحيات مجلس الأمن هي النظر في الخلافات الدولية ولا تشمل النظر في خلافات داخلية لبنانية وخلاف دستوري”، وانه “لا يدرس الشؤون الداخلية إلا إذا كان ثمة أمر يمس بالسلام العالمي”. وقال عون: “لا أظن أن إنشاء محكمة في لبنان أو عدم إنشائها يمس بالسلام العالمي”. وشدد على “ضرورة حل مجلس النواب بعد هذه المذكرة واتهام النواب الموقعين بالخيانة العظمى”. أمّا حزب الله فحذّر “من العبث” بقوانين المجلس النيابي، “الحصن الدستوري الأخير”.
عربة تشد بها أحصنة
وفي رسالته لمناسبة عيد الفصح أشار البطريرك الماروني نصر الله صفير الى “تفاقم الويلات وتراكمها”، واصفاً الدولة بأنها “تشبه عربة تشد بها أحصنة من أمامها، وأحصنة من ورائها، فتبقى مكانها، في انتظار أن تذهب مكوّناتها هباءً منثوراً”. وأضاف ان المسؤولين “يتلهون كل يوم بالجدل بين موالاة ومعارضة لمعرفة من هو على حق، ومن هو على باطل ويختلفون على كل شيء...”. وأشار الى “أن مجمل المسؤولين ينتظرون ليعرفوا ما رأي هذه او تلك من الدول المجاورة او البعيدة ليعملوا به، كأنهم أصبحوا مسيّرين، لا مخيّرين”.
الموقف الدولي
وفي الأمم المتحدة، أعلن بان أن مجلس الأمن اطلع على العريضة النيابية من دون أن يناقشها، وأنه أطلع المجلس على دعوة بري السعودية لاستضافة اجتماعات تشاورية لأطراف الأزمة اللبنانية، وأبدى استعداده لإيفاد ميشال لحضورها، متمنياً أن يتمكن الشعب والحكومة اللبنانيان من اعتماد الإجراءات الدستورية اللازمة لإقرار المحكمة، ومشيراً الى أن الأمم المتحدة “وقعت نظام المحكمة وأعادته الى الحكومة اللبنانية التي يجب أن تأخذ الخطوات الضرورية في أسرع وقت ممكن وفقاً لإجراءاتها الدستورية”.
وقال المندوب الأميركي بالوكالة لدى الأمم المتحدة أليخاندو وولف تعليقاً على اقتراح بري أن واشنطن تود “النظر في هذا الاقتراح والاطلاع على رأي رئيس الوزراء اللبناني (فؤاد) السنيورة بشأنه”.
وقالت مصادر في الأمم المتحدة إن الصين وأندونيسيا وقطر وجنوب أفريقيا تعارض الاستعجال في إقرار المحكمة. وفيما قال السفير الروسي فيتالي تشوركين إن المحكمة “ليست أهم من لبنان ولا داعي للاستعجال في تأليفها بما يثير مزيداً من الخلاف بين اللبنانيين ما دام التحقيق لم يكتمل بعد، رأى السفير الفرنسي دولا سابليير “أن المسألة مسألة أيّام”.
وقال مسؤول قانوني رفيع في الأمم المتحدة، في لقاء مع صحافيين في نيويورك، إن إقرار نظام المحكمة على أساس معاهدة ثنائية بين لبنان والأمم المتحدة “يبعدها عن التجاذبات السياسية”. وذكر أن الجرائم الأخرى (غير جريمة اغتيال الحريري) التي قد تدخل في اختصاص المحكمة هي تلك التي وقعت بين الأول من تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول 2005 فقط، والتي يثبت، بالأدلة، وجود ارتباط بينها وبين جريمة اغتيال الحريري. وشدد المسؤول الرفيع على استقلالية نظام المحكمة. وقال إن مجلس الأمن “سينشئ لجنة توصية مؤلفة من قاضيين دوليين وممثل للأمين العام للشؤون القضائية، مهمتها اقتراح مرشحين لمناصب القضاة الدوليين والمدعي العام، على أن يختار الأمين العام من ضمن الأسماء المقترحة. أما بالنسبة الى القضاة اللبنانيين الأربعة، فيختارهم بان من ضمن لائحة تتضمن 12 اسماً يتقدم بها مجلس القضاء الأعلى اللبناني.
وعن الملاحظات على نظام المحكمة، ذكر أنه سمع بوجود ملاحظات، لكن لم يصل أي منها إلى الأمم المتحدة، لا خطياً ولا شفهياً، مبدياً استعداده للرد عليها في حال وصولها.