strong>نيويورك ـ نزار عبودباريس ـ بسام الطيارة

احتل لبنان أمس نقاشات مجلس الأمن الدولي، الذي بحث بياناً رئاسياً مقدماً من فرنسا حول تطبيق القرار الرقم 1701، وسط حالة من الانقسام، ولا سيما أنه يتضمّن تعابير غير مسبوقة من شأنها المسّ بالمسلّمات اللبنانية، وخصوصاً في ما يتعليق بتصنيف المقاومة على أنها ميليشيا، ويؤسّس لمجموعة قضايا يتوقع أن تعتمد في الحرب المقبلة لنزع سلاح حزب الله وتعزيز دور التحالف الدولي في مواجهته.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك يجهد قبل انتهاء فترته الرئاسية، مدعوماً من الولايات المتحدة وبريطانيا، لاستخدام الورقة اللبنانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية وليس لمجرد دعم فريق الرابع عشر من آذار، وإلزام خلفه بمواقف لا يستطيع الخروج عنها.
وفي هذا السياق، هدّدت فرنسا، خلال جلسات التشاور الدائرة منذ مطلع الأسبوع، بتحويل البيان الرئاسي، الذي قدمت صيغته الأولى الأربعاء الماضي، إلى قرار يصوّت مجلس الأمن عليه ولو بغالبية تسعة أصوات، إذا واصلت بعض الدول الاعتراض عليه، ولا سيما أن البيان الرئاسي يحتاج إلى إجماع الدول الـ15 الأعضاء فيه.
ويدعم البيان، الذي تجري مناقشته في مقر البعثة الفرنسية على مستوى الخبراء، المواقف الإسرائيلية المطالبة بفرض رقابة مشدّدة على الحدود مع سوريا، ويصوّر الوضع كما لو أن سوريا ولبنان في حال حرب فعلية، وبالتالي ليس غريباً أن تقف روسيا والصين وجنوب أفريقيا وقطر وأندونيسيا معترضة على مضمونه.
ويطمس البيان الفرنسي الخرق الإسرائيلي الدائم للقرار 1701 ويمهّد لفتنة في لبنان بتسمية سلاح حزب الله، للمرة الأولى، كسلاح ميليشيوي. كما يحوّل موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الوارد في رسالة يستمزج فيها مواقف الدول الأعضاء في المجلس من الاتهامات بتهريب سلاح من سوريا إلى لبنان، إلى ما يشبه المسلمات.
تحريض إسرائيلي
إسرائيل كانت سبّاقة إلى توزيع مواقف على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، حملتها جملة من المواقف أبرزها: أن تقرير الأمين العام لا يتطرق بشكل جيد إلى «التدخل السوري الإيراني الكبير في النقل غير الشرعي للأسلحة والذخيرة للمنظمات الإرهابية، ولا سيما حزب الله». وأشارت إسرائيل إلى «شهادات لبنانية» في هذا الخصوص. وأعربت عن أسفها لعدم أخذ «تلك الشهادات في التقرير». وأضافت أن «الأسلحة مررت إلى عناصر متطرفة داخل مخيمات فلسطينية في لبنان، ما يقوّي هذه العناصر ويجعلها أقدر على تحدي السيادة اللبنانية، ويهدد استقرار لبنان». ودعت إلى «فرض حظر كامل على الأسلحة إلى لبنان كمدخل أساسي للحل».
وأضافت البعثة الاسرائيلية، بالنسبة إلى الشق المتعلق بترسيم الحدود وإنهاء موضوع مزارع شبعا في موعد أقصاه منتصف حزيران المقبل، «إن المواضيع المتعلقة بما يسمى مزارع شبعا هي بين سوريا ولبنان. وإن إسرائيل ترغب في التشديد على أهمية التنفيذ الكامل للقرار 1680. وبالنسبة إلى مهمة الخبير الطبوغرافي، فإن إسرائيل تود التشديد على أن ولايته تقتصر على تحديد المنطقة جغرافياً وليست كجزء من عمليات ترسيم الحدود كما اقتُرح في الفقرة 50».
وبشأن بلدة الغجر، قالت توصيات البعثة الاسرائيلية «إن التقرير يدعو كلاً من إسرائيل ولبنان إلى الموافقة على الاتفاق الخاص بالترتيبات الأمنية المؤقتة في الغجر (فقرة 60). وإسرائيل ترغب في الإشارة إلى الترتيبات التي تبنّتها إسرائيل وهي تنتظر موافقة الحكومة اللبنانية». وتابعت أنها «تعمل على خفض عدد الطلعات الجوية في سماء لبنان»، التي برّرتها «باستمرار الانتهاك المستمر لتهريب السلاح إلى لبنان، واستمرار احتجاز الجنديين» لدى حزب الله. ورأت أنها توفر معلومات هامة عن انتهاك القرار 1701.
الموقف اللبناني
الورقة اللبنانية، التي وجهتها القائمة بالأعمال لدى الأمم المتحدة كارولين زيادة إلى كل من الأمين العام ورئيس مجلس الأمن بشأن القرار 1701، شدّدت على أن الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة للأجواء اللبنانية تشكّل انتهاكاً لسيادة لبنان، إضافة إلى خروقات الخط الأزرق.
ورفضت الورقة الربط بين الانتهاكات الإسرائيلية وبين فرض حظر السلاح «لأن القرار 1701 لم يعط الحق لإسرائيل لفرض حظر السلاح، وهو مهمة الجيش اللبناني الذي يتلقى مساعدة قوات اليونيفيل».
وبالنسبة إلى المزاعم عن تهريب السلاح، أشارت الورقة اللبنانية إلى أن «الجيش طلب مراراً من اليونيفيل في اجتماعات ثلاثية تبادل المعلومات والدلائل المتوافرة لدى الأمم المتحدة لكي يتسنى التعامل مع الموضوع بشكل أفضل».
أما بالنسبة إلى الجنديين الإسرائيليين الأسيرين، فجاء في الورقة «أن الحكومة اللبنانية لا تمتلك معلومات عنهما وتستمر بدعم جهود الوساطة». ودعت إلى «ضرورة إخلاء سبيل السجناء اللبنانيين المحتجزين خلافاً لأحكام القانون الدولي الإنساني».
وشددت الورقة اللبنانية على أن «الانسحاب الكامل لإسرائيل من الجزء الشمالي لقرية الغجر يجب أن يسبق أي حوار حول أي حل». وطلبت من المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لتقديم جميع المعلومات المتعلقة بالمكان الذي ألقيت فيه القنابل العنقودية.
ورحبت الورقة اللبنانية «بالتقدم الذي حققه خبراء الأمم المتحدة الطوبوغرافيون في المنطقة وباقتراحات الأمم المتحدة في هذا الخصوص، التي ستعكس الاقتراح في خطة النقاط السبع التي تدعو إسرائيل إلى انسحاب من مزارع شبعا اللبنانية ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة». كما تدعو المجتمع الدولي لحماية لبنان من أي تهديدات إسرائيلية.
الموقف السوري
وفي مقابل الموقفين الاسرائيلي واللبناني، دعم الموقف السوري مبدأ تحقيق توافق لبناني بعيداً من التدخل الأجنبي بما يحول دون تصعيد التوتر وإثارة عدم الاستقرار.
ورأت سوريا أن «مسوّدة مشروع البيان الرئاسي تتبنى موقف إسرائيل التي تدّعي استمرار تهريب الأسلحة عبر الحدود السورية اللبنانية، في الوقت الذي يتجاهل فيه المشروع الإدانة المباشرة للانتهاكات الاسرائيلية الموثقة للسيادة اللبنانية».
وسجلت الورقة السورية مجموعة من الملاحظات على مشروع البيان الفرنسي، أهمها «تجاهل الإدانة المباشرة للانتهاكات الإسرائيلية الوحيدة المتواصلة للخط الأزرق منذ صدور القرار 1701. كما تجاهل نفي كبار المسؤولين اللبنانيين (رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع) وجود تهريب للسلاح إلى لبنان».
ورأت الورقة السورية أن البيان «يسيء للعلاقات السورية ـــــ اللبنانية ويطمس الانتهاكات الاسرائيلية بالاعتماد على تقارير غير مؤكدة في هذا الخصوص».
وبالنسبة إلى لجنة تقييم الحدود التي أوصى الأمين العام بتأليفها لتقديم تقرير مستقل عن تطبيق القرار بمنع نقل السلاح، رفضت سوريا أن «يتعلّق عملها بالجانب السوري من الحدود». وأكدت أنها «اتخذت كل الإجراءات من جانبها لمنع تهريب السلاح عبر الحدود في الاتجاهين».
ورفضت سوريا الفقرة التي تستهدفها بالاسم مع إيران في موضوع تهريب السلاح. وطالبت بأن ينص المشروع على «ضرورة احترام اسرائيل للقرار ولا سيما في ظل تهريب أسلحة إسرائيلية إلى لبنان».
وبالنسبة إلى الجنديين الأسيرين والقلق الذي تضمّنه البيان لعدم حل هذه المسألة، رأت سوريا أنها «لغة غير متوازنة» وطالبت بتعديلها. وفي ما يتعلّق بمزارع شبعا، رأت الورقة أن الحل الوحيد لمزارع شبعا «يكمن في إنهاء احتلال إسرائيل لها وللجولان السوري بموجب القرارين 242 و338 مع التأكيد على لبنانية مزارع شبعا».
ملاحظات روسيا
وبعد تسجيل ملاحظات كثيرة على مشروع البيان، علمت «الأخبار» أن المندوب الروسي فيتالي تشوركين سجل مجموعة من التحفظات وطالب بتعديلات، مدعوماً من قطر واندونيسيا والصين وجنوب أفريقيا، فضلاً عن أخذ ملاحظات لبنان وسوريا بالاعتبار. وأهم الملاحظات الروسية: التشديد على تغليب الوفاق الوطني على ما عداه، وهذا ما يتفق فيه مع الأمين العام بان كي مون. والتشديد على تجاهل البيان لتسليح مجموعات في لبنان من قبل جهات غربية. والمطالية بالإشادة بالإجراءات السورية لضبط الحدود.
كما طالب الروس بإيضاحات حول تعريف مهمة اللجنة المقترحة لمراقبة الحركة على الحدود الشرقية، وبعدم ذكر سوريا أو إيران تحديداً، بل الإشارة إلى دول المنطقة بشكل عام.
وقال المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، لـ«الأخبار»، إن البيان يتضمن إضافة جملة جديدة هي: «يدعو مجلس الأمن جميع الأطراف السياسية اللبنانية لتظهر المسؤولية عبر الحوار لمنع تدهور الأوضاع في لبنان». وأشار إلى تعديل آخر يفيد بأن «مجلس الأمن يرحب بإكمال المرحلة الثانية من نشر قوة اليونيفيل ويعرب عن تقديره الكبير للدول الأعضاء المساهمة في قوة اليونيفيل ويثني على الدور الفاعل لهذه القوة. وأيضاً يشجع الأطراف على التعاون مع اليونيفيل لإظهار الخط الأزرق بوضوح، وخاصة في المناطق الحساسة لمنع الانتهاكات غير المقصودة».
وأضيفت أيضاً، بحسب الجعفري، جملة تفيد بأن مجلس الأمن «يعرب عن حزنه لمقتل وجرح العشرات من المدنيين بسبب الألغام.....». ولم يتم إدخال أي تعديل على الفقرة 17 المتعلقة بمزارع شبعا. وأضيفت فقرة عن أهمية تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها 242 و338. وهو التعديل الذي تقدمت به روسيا.
وقال مكتب المندوب البريطاني أمير جونز باري إنه «لا يتوقع صدور البيان قبل الجمعة، وربما تأخر إلى الأسبوع المقبل».
شيراك
وفي إشارة جديدة إلى الثقل الفرنسي في الموضوع اللبناني، كانت الأزمة محور مباحثات شيراك وملك الأردن عبد الله الثاني في الإليزيه أمس. وأشار المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية جيروم بونافون إلى أن «الوضع في لبنان احتل حيزاً من المحادثات». وذكّر «بأن فرنسا حريصة على إنشاء المحكمة الدولية ضمن مهل معقولة»، وبأن «من شأن المحكمة تحقيق العدالة» من جهة، «وردع من يلجأ للاغتيالات كوسيلة للوصول إلى أهداف سياسية» من جهة أخرى. وأشار إلى أن هدف فرنسا لا يزال «الدفع لإقامة سلام دائم في لبنان يتمتع بسيادة كاملة ويكون ديموقراطياً».
وتعيد باريس التذكير بأنها لا تزال تفضّل إنشاء المحكمة حسب الأصول الدستورية المعمول بها، إلا أنها، أمام «العقبات التي تواجه هذا»، لا ترى سبيلاً سوى المرور بمجلس الأمن.
وبحسب بعض المصادر القريبة من الملف اللبناني، فإن باريس، على الرغم من إدراكها أن إقرار المحكمة تحت الفصل السابع يؤثر على «التوازن والسلم الأهلي في لبنان»، ترى أن «عدم إقرار المحكمة يعطي إشارة إلى الذين كانوا وراء الاغتيالات بإمكان تكملة سلسة الجرائم».
وتفسر هذه المصادر بأن رسالة «موقعة من الأكثرية النيابية هي تعبير عن رغبة شعبية» تجاه إنشاء المحكمة. ويرى المراقبون في أخذ الأمور من هذه الزاوية بداية «اعتراف دولي بأكثرية تملك مقوّمات الحكم»، بما يفتح الطريق أمام مجلس الأمن «لتثبيت رئيس الوزراء بقرار أممي كما هو الأمر بالنسبة لساحل العاج».
وأكدت المصادر أن باريس «تسلّمت نسخة من رسالة (الرئيس فؤاد) السنيورة المتعلقة بالعرقلة». ورأى بعض الدبلوماسيين أن «إرسال هذه الرسائل يعد بحد ذاته رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه لا مجال للوصول إلى المحكمة من دون المرور بالفصل السابع عبر قرار لمجلس الأمن».
وفي السياق، أعلنت مساعدة المتحدث باسم الامين العام للأمم المتحدة، ماري أوكابي، أن المنظمة الدولية «تدرس» طلب السنيورة القاضي بأن «يتحرك مجلس الأمن الدولي في أسرع وقت لإنشاء المحكمة» الدولية.