تحفظ روسي ــ صيني والحريري يرفض «المقايضة» و«حزب الله» يتهم «المستقبل» بـ«التماهي» مع إسرائيل
لم يعكس اليوم الأول من محادثات الأمين العام المساعد للأمم المتحدة نيكولا ميشال في بيروت إمكان حصول تقدم في اتجاه توافق بين الموالاة والمعارضة على إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في المؤسسات الدستورية اللبنانية، ما كرّس الانطباع السائد بأن هذا التحرك الدولي يأتي بمثابة رفع العتب قبل اللجوء الى إقرار هذه المحكمة في مجلس الأمن تحت الفصل السادس أو السابع من ميثاق المنظمة الدولية.
ولم تغيّر في هذا الانطباع المحادثات التي أجراها نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف مع الرؤساء الثلاثة إميل لحود ونبيه بري وفؤاد السنيورة، وإن أشار إلى أن موسكو ستدرس ما ستتخذه من موقف إذا طُرحت المحكمة في مجلس الأمن، مؤكداً أنها تتحفظ بشدة على إقرارها تحت الفصل السابع في غياب توافق لبناني داخلي عليها.
في هذا الوقت، فشلت فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا في إقناع قطر في مجلس الأمن الدولي بالتخلي عن بعض التحفظات المتعلقة بالبيان الرئاسي عن تطبيق القرار 1701.
وبعد اجتماع مع مسؤول في البعثة القطرية على هامش اجتماعات المجلس، قال دبلوماسيون روس، بإجماع من آخرين عرب، إن إصدار البيان بعد التنقيح الثالث لا يبدو ممكناً في الوقت الراهن، وإن تنقيحاً رابعاً قد يبصر النور في الساعات المقبلة.
وركز الاعتراض القطري على المصادر الإسرائيلية التي تحدثت عن براهين عن نقل سلاح إلى لبنان من الأراضي السورية. ويحاول القطريون حذف هذه الفقرة من البيان لعدم استنادها إلى براهين من أطراف مستقلة. وتردّدت قبل الاجتماع معلومات عن أن فرنسا أبدت تراجعاً في بعض النقاط لحسم الأمر، فيما استبعد مساعد المندوب الروسي التوصل إلى اتفاق بشأن البيان قريباً رغم الإلحاح الفرنسي ـــــ البريطاني ـــــ الأميركي.
ميشال
وشملت محادثات ميشال في يومها الأول أمس، الرئيسين بري والسنيورة، وهو كان قد صرح لدى وصوله إلى بيروت بأنه مستعد لإيجاد سبل تحريك الحوار بين المعنيين من أجل تأمين إقرار المحكمة في الأطر الدستورية اللبنانية. وقال «لا شك في أن المحكمة ستقام» و«لكن يبدو الآن أن عملية التصويت عليها (في مجلس الأمن) تواجه عوائق جدية». وقال «نريد أن تكون المحكمة قانونية بامتياز لا أداة سياسية، ولن نكون طرفاً». ولفت الى أن «غالبية الدول ترى أن إقرارها وفق الأطر الدستورية اللبنانية هو الخيار الأفضل»، مشيراً إلى «أن المحكمة تحتاج على الاقل الى سنة بعد التصديق على الأسس القانونية لتباشر مهماتها».
وسيلتقي ميشال لحود اليوم، ومن المتوقع أن يتركز النقاش على التعديلات التي كانت قد تضمّنتها مذكرة رئيس الجمهورية الى الأمم المتحدة حول النظام الداخلي للمحكمة والاتفاق المشترك بين لبنان والمنظمة الدولية، وإصراره على تطبيق المادة 52 من الدستور التي تنيط به وحده صلاحية التفاوض وتوقيع الاتفاقات الخارجية بين لبنان والدول الأخرى كما الأمم المتحدة، الأمر الذي يقود حتماً الى إعادة البحث بالنظام من النقطة الصفر، أي من جلسة لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وصولاً الى إحالته مشروع القانون الى المجلس النيابي لإقراره وفق الآلية الدستورية المعهودة في مثل هذه الحالات.
وذكرت المصادر أن بري كرر لميشال النصيحة التي أسداها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وهي أن الأزمة في لبنان ليست أزمة محكمة بل أزمة شراكة وطنية في القرارات المصيرية، وبالتالي لا يمكن أن يتحقق الحل إلا ضمن سلة واحدة لأن الحلول المجتزأة لا تقدم أو تؤخر في المسار الإنقاذي.
وقال بري لميشال ايضاً «إذا كان هناك من نقاش قانوني ودستوري حول نظام المحكمة، فهذا يتم عبر لجنة اقترحناها وتضمّ ممثلين للمعارضة وللموالاة اضافة الى وزير العدل شارل رزق وسعادتك، لأنك كنت ممن عملوا على وضع مشروع نظام المحكمة». وأضاف «ان الملاحظات المطروحة على هذا النظام هي ملاحظات محض قانونية ودستورية، وإن المعارضة تقف بقوة ضد كل ما يمس صدقية المحكمة أو يمس أي بند من البنود التي تقود الى كشف الحقيقة ومرتكبي الجريمة والمتورطين فيها»، كما ان «المعارضة ستقف ضد أي التباس أو أي شيء يسيّس المحكمة».
تحفظ روسي
وكانت الساحة الداخلية قد شُغلت أمس بزيارة المسؤول الروسي الذي التقى الرؤساء لحود وبري والسنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والوزير المستقيل فوزي صلوخ. وعلمت «الأخبار» أن لحود عرض لسلطانوف المراحل التي قطعتها مسألة إنشاء المحكمة الدولية، مشيراً الى ملاحظاته عليها، التي كان قد أرسلها الى الامانة العامة للأمم المتحدة. وأكد «أن لبنان ليس دولة منهارة لأن مؤسساته الدستورية والقضائية والأمنية لا تزال تقوم بواجباتها، وبالتالي يجب أن يحترم إقرار المحكمة الأصول الدستورية، لأن استناد مجلس الأمن الدولي الى الفصل السابع يعمّق الخلافات بين اللبنانيين».
وفي معلومات «الأخبار»، شرح سلطانوف للحود بالتفصيل موقف روسيا من المحكمة، وأكد أن المسعى الروسي يهدف الى إقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية مخافة فرضها على اللبنانيين من الخارج. وأضاف «ليبقَ موضوع المحكمة لبنانيا ضماناً لمصلحة الجميع، ذلك أن روسيا، رغم الملاحظات التي لديها بشأن النظام، لن تكون قادرة على منع وصول الملف الى مجلس الأمن، وليس من الضروري أن يبتّها المجلس تحت الفصل السابع بل وفق الفصل السادس على الأرجح».
ولوحظ أن سلطانوف بدا مستمعاً أكثر منه متحدثاً، وأصر على الاستماع الى مواقف القادة اللبنانيين وتوقعاتهم في شأن مصير المحكمة وخصوصاً إذا تعثّر بتّها داخلياً.
ودعا سلطانوف في تصريحات أدلى بها، اللبنانيين الى إيجاد حل لموضوع المحكمة ومواصلة الجهود في إطار الوفاق الوطني لحل المشاكل الصعبة. وقال «نحن متحفظون جداً» على إقرار المحكمة في مجلس الأمن، و«خاصة في إطار الفصل السابع... ولهذا السبب ندعو اللبنانيين إلى أن يبذلوا الجهود لإيجاد الحل».
وفي موازاة الموقف الروسي، برز تحرك صيني عبر السفير في لبنان اليو زيمينغ، الذي جال على السنيورة والنائب أسامة سعد، آملاً أن يتوافق اللبنانيون، عن طريق الحوار بين كل القوى السياسية، على إقرار المحكمة الدولية ضمن الأطر الدستورية، رافضاً تحديد ما إذا كانت بلاده ستستخدم حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن إذا طرح إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع، ومتمنياً ألا يصل الموضوع الى هذا الحد. وشدد على ضرورة توصل اللبنانيين الى حل لهذه المسألة وألا يفرض عليهم من الخارج.
موقف الأكثرية
وفيما رأى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري أن المحكمة الدولية «هي خيار الشرفاء الحقيقيين»، مؤكداً أنها «لن تكون موضع مساومة أو مقايضة تحت أي ظرف من الظروف»، قالت مصادر الأكثرية لـ«الأخبار» إنها تستبعد نجاح ميشال في مهمته، التي تعد فرصة أخيرة للوصول الى إقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية، قبل أن يلجأ مجلس الأمن الى إقرارها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأضافت «إن الاوضاع تتجه الى التصعيد، لأنه ليس هناك ما يشير الى اتفاق داخلي على المحكمة لأن الاكثرية ترفض تأليف حكومة على أساس 19 + 11 تدرس المحكمة وتقرها حسبما تطالب المعارضة». وأكدت «ان الأكثرية لم تقبل بحكومة من هذا النوع عندما كانت محشورة، فكيف لها الآن أن تقبل بها بعدما باتت غير محشورة نتيجة رفعها أمر المحكمة الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن».
وأضافت المصادر نفسها «إن ما يحصل الآن هو أن المجتمع الدولي يعمل على تبرئة ذمته، وكذلك يفعل الجانب الروسي الذي سيمتنع عن التصويت على المحكمة، ولن يستخدم حق النقض في مجلس الأمن. والرئيس (الفرنسي جاك) شيراك مصمّم على إقرار المحكمة قبل خروجه من الرئاسة الفرنسية، وكذلك تفعل الإدارة الأميركية».
حزب الله و«المستقبل»
وكان لافتاً أمس رد حزب الله على ما تضمّنه بيان كتلة «المستقبل» من اعتبار سلاح المقاومة غير شرعي. وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في مؤتمر صحافي عقده على هامش «تجمع الثلاثاء» لنواب الاكثرية في مجلس النواب، إن «التوصيف غير الشرعي لسلاح المقاومة من قبل هذه الكتلة تحديداً هو ذهاب إلى المدى الأبعد في مشروع التصالح مع الصهاينة ومع الاميركيين الذين يريدون بناء شرق أوسط جديد محوره الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه وإلغاء كل حالة ممانعة ومقاومة للعدو الاسرائيلي». وأضاف «أن يوصف سلاح المقاومة بأنه غير شرعي فهذا تماهٍ مع الموقف الإسرائيلي وتماهٍ مع الموقف الأميركي، وهذا يحتاج إلى تفسير والى توضيح، لا من الكتلة فقط، بل من مرجعيات هذه الكتلة وأسيادها وجماهيرها، لأن هذا الموقف هو موقف خطير على المستوى الاستراتيجي وعلى مستوى إمكانية أن تكون هناك جدوى من أي حوار».