صنعاء | شهدت المدن اليمنية التي استهدفها العدوان السعودي حركة نزوح للعائلات داخل المدن نفسها وبين الأحياء، خصوصاً صنعاء وصعدة، اللتين واجهتا أعنف الغارات.تبدو صعدة أكثر تماسكاً من غيرها، رغم أنها واجهت وحدها أعنف الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي، كونها تآلفت مع الحروب الماضية التي خلقت مجتمعاً مترابطاً، بشكل كبير. هذه الحروب جعلت من المجتمع الصعدي أشبه بالأسرة الواحدة التي تعمل كخلية نحل، يقوم فيها كل فرد بما يمكنه لمساعدة مجتمعه؛ فالطبيب يلتحق للتطوع تلقائياً بالمخيمات الطبية، والتاجر يتبرع من ماله، وصاحب العقارات يفتحها لإيواء الأسر التي دُمّرت منازلها.

صنعاء شهدت، بدورها، نزوحاً للعائلات من الأحياء التي طالها القصف إلى أحياء أخرى آمنة نسبياً، حيث الأقارب مثلاً. وبالرغم من حركة النزوح الكبيرة، لم تشهد إنشاء أي مخيمات للاجئين، غير أن هناك ظروفاً دفعت بالنازحين إلى البقاء في المدينة والنزوح إلى أحياء مجاورة، من دون أي ضمانات ألا يطالهم القصف هناك.
اختيار سكان صنعاء الانتقال من الأحياء المستهدفة إلى أحياء أخرى وعدم مغادرة العاصمة، كان اضطرارياً بسبب عجزهم عن تحمّل تكاليف السفر التي تضاعفت، لانعدام المشتقات النفطية، وهو عبء أضيف إلى أعباء أرباب الأسر في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وإذا كان بعض السكان قد تمكن من السفر إلى خارج المدن المستهدفة، إلا أن هؤلاء لم يسلموا من القصف الذي استهدف، مثلاً، حافلة كانت تقل أسرة نازحة في طريقها لمغادرة رازح في صعدة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد الأسرة بكاملها، خلال الأسبوع الثالث من العدوان.
حي فج عطان من الأحياء الحديثة في صنعاء، وقد تكوّن نتيجة للتوسع العمراني، لكنه يشهد كارثة إنسانية بفعل العدوان السعودي، فقد أستُهدف بشكل شبه يومي، كذلك تم استخدام أسلحة محرمة دولياً كثيفة الدخان، منها القنابل الفراغية الارتجاجية التي أدت إلى تحطم شبه كلي لنوافذ المنازل، فيما تداعى عدد كبير من الأبنية السكنية والمقار الحكومية والشركات المحلية والأجنبية، التي تنشط بشكل كبير في هذا الحي. وقد خلّفت الغارة التي شُنّت، الاثنين، والتي اهتزت بسببها كل صنعاء، أكثر من 30 شهيداً و300 جريح، ما دفع وزارة الصحة إلى إطلاق نداء استغاثة للمواطنين بالتوجه إلى المراكز للتبرع بالدم.
وتسبب القصف الأخير لحي عطان في نزوح من تبقى من سكانه، فيما أعلنت الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية تعليق العمل إلى إشعار آخر، ومنها الصندوق الاجتماعي للتنمية، أحد مشاريع البنك الدولي الذي تديره الحكومة المحلية.
حي الجرداء في صنعاء، هو الآخر شهد نزوحاً كبيراً للعائلات منه، فقد استهدفته الطائرات، في ظهيرة أحد أيام الاسبوع الثالث من العدوان، ولكن القصف عليه كان كثيفاً جداً وتسبب في أضرار للمنازل بشكل يتطابق مع حي عطان إلى حدّ ما، نظراً إلى قربه من «معسكر الحفا» الذي استهدفه العدوان. إلى جانب الأضرار المادية التي طالت الحي، في المباني السكنية والتجارية، فقد أصيب عدد من المواطنين بشظايا ومن تداعي أحجار المنازل، في حين سُجّل استشهاد مواطن واحد.
جولة واحدة في حي الجرداء كفيلة بنقل الصورة الحالية له بعد الاستهداف، ذلك أنه لا يشهد حالياً حركة للسكان إلا بشكل محدود، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها كما أُقفلت معظم محال بيع قطع غيار السيارات، التي تمتدّ على ضفاف شارع خولان الذي يمرّ على طول الحي.
يمثل حيّا فج عطان والجرداء في العاصمة اليمنية نموذجاً للأحياء المنكوبة جراء العدوان، ولكنهما ليسا الوحيدين. هناك أحياء أخرى تقع في مرمى الاستهداف، منها أحياء مطار صنعاء والجراف وحزيز، التي تواجه ظروفاً صعبة، كما أن الاستهداف المباشر طال البعض الآخر، وهو ما ينطبق على منطقة بني الحارث في ضواحي العاصمة والذي أصاب القصف بعض منازله، الأمر الذي أدى إلى استشهاد أسرة بكاملها، في أول أيام العدوان في السادس والعشرين من الشهر الماضي.
وإذا كان القصف قد طال عدداً من المدن والقرى اليمنية موقعاً أكثر من 1200 شهيد و3000 جريح، جراء الاستهداف المباشر للمدنيين، غير أن محافظة صعدة بمدنها وقراها قد نالت النصيب الأكبر من القصف، كما قدّمت العدد الأكبر من الضحايا المدنيين، في حين لا يمكن إحصاء الأضرار المادية والبشرية بشكل دقيق في الوقت الحالي.
كذلك فإن الوضع الصحي الكارثي يستوجب تدخلاً حكومياً، نظراً إلى الأعداد الكبيرة من الإصابات والتي تصطدم بعجز المستشفيات عن القيام باللازم تجاه المصابين، بسبب شح الإمكانيات في ظل الحصار المفروض على اليمن واستهداف الناقلات التي يمكنها نقل المستلزمات الطبية المتوافرة بين المدن وإلى المستشفيات، بحسب مصدر في اللجنة الثورية العليا التي تدير عمل الحكومة في الوقت الحالي.
ويضيف المصدر أن حركة النزوح في صنعاء لم تستدع التدخل الحكومي، كما أنهم في اللجنة الثورية لم يتلقوا أي نداءات أو شكاوى لإيواء النازحين، مؤكداً أن المواطنين يتولّون بأنفسهم مهمة إيجاد مأوى آخر في مناطق آمنة نسبياً، الأمر الذي ساهمت فيه طبيعة المجتمع اليمني القائمة على التعاون والمتميزة بالشهامة، بحسب المصدر.