«انتفــاضة» لأهــالي الإقليــم تقطــع الطــريق على «شاحنــات المــوت» و«سوليــدير» تتنصّــل
تطوّرت فضيحة توزيع مخلّفات مكبّ النورماندي في بيروت على المناطق اللبنانية بشكل دراماتيكي. فـ«انتفض» أهالي برجا وجدرا وعدد من قرى إقليم الخروب مساء أمس، وعمدوا إلى قطع الطرقات أمام الشاحنات التي تنقل نفايات النورماندي، وأفرغوا الأتربة التي تحملها في وسط الطريق في منطقة جدرا عند تقاطع جدرا ـــــ الرميلة ـــــ سبلين. التحرّك الأهليّ لم يخلُ من الشعارات السياسية، وخصوصاً أنه سبقه بيان شديد اللهجة لـ«الجماعة الإسلامية» دعت فيه «أهالي الإقليم للتحرك في وجه ما يحصل» متهمة «قوى سياسية معينة بتعمّد الإساءة لأهلها في الإقليم وكأن المنطقة لا تعنيها»، في إشارة ضمنية إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، القوّتين الأبرز في إقليم الخروب.
وكانت رحلة نفايات النورماندي قد تنقّلت سابقاً بين الإقليم وعرمون والصرفند وصيدا والنبطية. وكشف مندوب «الأخبار» في الكورة فريد بوفرنسيس عن «محطة» جديدة لها في بلدة قلحات وتموضعها في كروم الزيتون هناك (راجع صفحة 8). ويدحض ذلك ادعاءات شركة «سوليدير» بأنّ «الردميات» تنقل حصرياً إلى عقار خاص بغرض استصلاحه. وفي بيان صادر عن الشركة أمس، صبّ مسؤولها الإعلامي نبيل راشد غضبه على وسائل الإعلام مكرراً معزوفة «الأخبار غير الدقيقة»، رغم توثيق مختلف الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بالصوت والصورة لأرتال الشاحنات التي تتسلل من بيروت إلى مختلف المناطق ليلاً ونهاراً.
ومن المعلوم أن كلفة مشروع معالجة مكب النورماندي وصلت إلى ما يزيد على 120 مليون دولار من دون أن ينتهي، الأمر الذي استدعى على ما يبدو تأمين غطاء سياسي ورقابي وقانوني لـ«سوليدير» بتهريب النفايات الباقية بدل استكمال فرزها استعجالاً لتنفيذ المرحلة الثانية من إعادة تأهيل واستصلاح المنطقة شمالي البولفار التي تتضمن إنجاز البنى التحتية في تلك المنطقة وتنفيذ مرفأ سياحي صغير.
وأفاد مندوب «الأخبار» خالد الغربي أنّ أهالي قرى إقليم الخروب، وخصوصاً برجا، أجبروا الشاحنات التي قدر عددها بثلاثين على إفراغ حمولتها في الطريق. كما اعتصم عشرات السكان وأعضاء مجالس بلدية وفعاليات ورددوا شعار «منرفض نحنا نموت». وحملوا لافتات كتب عليها: «شعاراتهم نظيفة وأفعالهم زبالة»، «إقليمك يا سعد (الحريري) مزبلة (وليد) جنبلاط». وعمدت القوى الأمنية من الجيش وقوى الأمن إلى فتح الطريق، كما واكبت الشاحنات التي كانت في طريقها إلى المنطقة في رحلة عودتها إلى مكب النورماندي.
رئيس هيئة طوارئ البيئة في إقليم الخروب حسين الخطيب أكد لـ«الأخبار» أن «هذا التحرك جاء بعد أن نفد صبرنا من الوعود الكاذبة بوقف هذا التعدي، وهذا التحرك هو اعتراض على تصدير الموت إلى منطقتنا».
وفي بيروت، استدعى اعتصام الإقليم تدخلاً عاجلاً من الشركة المتعهدة نقل النفايات. فأوقفت في مكب النورماندي أكثر من خمسين شاحنة كانت متوجهة إلى سبلين، الأمر الذي يشير إلى محاولة الشركة والجهات السياسية التي تغطيها احتواء تداعيات النقمة الشعبية التي بدأت تتصاعد.
أما شركة «سوليدير»، فأصدرت بياناً نفت فيه وجود «نفايات في منطقة النورماندي (...) بل كمية محدودة نتجت من أعمال الفرز والمعالجة وهي لا تحتوي على أي مواد مضرة بالبيئة». وأضاف البيان «لا علاقة لشركة سوليدير بأي نفايات أخرى تُنقل من بعض المناطق إلى مناطق أخرى. ولا يجوز زجّ منطقة النورماندي كلما حصل هذا النوع من النقليات للإيحاء بأن الشركة تقوم بأعمال مسيئة للبيئة».
وكانت «الجماعة الإسلامية» قد كشفت أن وزير الداخلية أصدر قراراً يجيز الاستمرار بنقل الردميات لإفساح المجال أمام عملية نقل النفايات من النورماندي، مطالبة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالعمل لوقف هذا المشروع و«التصدي لتحويل منطقة إقليم الخروب في سبلين والجية، وكسارات علمان إلى مكب لأتربة النورماندي التي تبيّن وفقاً لتقارير وزارة البيئة ومختبرات الجامعة الأميركية، أنها تحوي نفايات سامة من بقايا نفايات المستشفيات وغيرها».
بان إلى دمشق والسنيورة يحمل عليها
سياسياً، بقيت الاهتمامات منصبّة على زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدمشق اليوم، التي اعتُبرت «الجولة الأخيرة» من الوساطات الدولية بشأن مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي، قبل المضي في إقرارها في مجلس الأمن، فيما كان مقرراً أن يطلع مساعده للشؤون القانونية نيكولا ميشال أعضاء المجلس على حصيلة زيارته للبنان، قبل أن يتوجه الى مدريد اليوم.
وفي غضون ذلك، أكد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن حكومته «ما زالت تعطي الأولوية لإقرار المحكمة لبنانياً». وقال، اثر زيارة قصيرة للقاهرة التقى خلالها الرئيس حسني مبارك، إن إمكان إقرار المحكمة في لبنان عن طريق عقد «جلسة استثنائية» لمجلس النواب «لا يزال قائماً». ورأى، من جهة أخرى، أنه «إزاء عدم تعاون الأشقاء السوريين في موضوع مزارع شبعا بات الحل الأمثل أن توضع تحت وصاية الأمم المتحدة وبالتالي نحرر أرضاً ما زالت تحتلها إسرائيل»، لافتاً إلى أن «سوريا كانت قد وافقت على هذا الحل وهذه خطوة جيدة (...) ولكن الآن نسمع تغييراً في المواقف بأن مزارع شبعا خاضعة للقرار 242 لا القرار 425».
والتقى السنيورة أيضاً رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
وقال مصدر رافق السنيورة لـ«الأخبار» إن الزيارة «كانت بروتوكولية» لأن رئيس الحكومة «على اتصال يومي» بكل من مبارك وموسى. وأضاف إن البحث تناول مواقف الأطراف الداخلية اللبنانية وطروحاتها في شأن حل الأزمة، وتحديداًَ موقفي السنيورة و«حزب الله». ولاحظ المصدر أن القيادة المصرية وموسى كانا حذرين في الحديث عن الوضع اللبناني خلال المحادثات، ونقل عن الأخير أن «المبادرة العربية لا تزال قائمة، وأنه لن يعود الى بيروت إلاَّ إذا حصل ما يساعد على نجاحها».
الى ذلك تشهد ساحة النجمة اليوم «الثلاثاء النيابي السادس» بنزول نواب الغالبية والمعارضة الى المجلس النيابي. وينتظر أن يثير نواب الأكثرية في كلماتهم الموضوع الاقتصادي استناداً الى الدعوة التي وجهتها الهيئات الاقتصادية والعمالية الى هدنة إعلامية لمدة مئة يوم «من أجل تمكين القطاعات السياحية والإنتاجية من التقاط أنفاسها خلال فترة الصيف». وذكرت مصادر نيابية أكثرية أنها أنجزت مذكرة جديدة منذ أيام، وقّعها 70 نائباً، تطالب الأمم المتحدة بإقرار المحكمة تحت الفصل السابع.