strong>إجمــاع على إدانــة قتــل المخطـوفَيـن وعــدم التـوظيـف السـياسـي للجـريمـة
كشفت «مأساة جدرا» أمس خطورة الانقسام السياسي الحادّ. وإذا كان «التوحّد الظرفي» الذي فرضته جريمة قتل الشابين زياد قبلان وزياد الغندور جنّب لبنان أتون الفتنة، فإنّ استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه يهدّد البلاد بما لا تحمد عقباه.
فقد هزّ العثور على جثتي قبلان والغندور اللذين فقدا منذ الثلاثاء الماضي لبنان من أقصاه الى أقصاه، واستنفر القادة السياسيين على اختلاف مشاربهم، في محاولة لتطويق أية ذيول محتملة، فدعوا الى نبذ الفتنة وإبعاد الجريمة عن التوظيف السياسي، فيما رفعت قيادة الجيش درجة الاستنفار الى الحد الأقصى. وانعكست هذه المواقف والإجراءات هدوءاً في الشارع الذي لفّه الحزن والصدمة لهول الجريمة المروّعة.
وقد عثرت القوى الأمنية على جثتي قبلان (مواليد 1982) والغندور (مواليد 1995) في بلدة جدرا في إقليم الخروب. وأفاد مراسل «الأخبار» خالد الغربي أن محطة تلفزيونية محلية تلقت مكالمة من مجهول أجريت من هاتف عمومي في المنطقة تفيد عن وجود الجثتين في حقل شمالي مدينة صيدا. وبعد جولة تفتيش استمرّت ساعتين، عثرت قوى الأمن الداخلي عند الساعة 8.50 مساءً على الجثتين في أرض بور تقع خلف محطة الحجاوي في منطقة تفصل بين طريق صيدا القديمة والأوتوستراد الساحلي. وعلى الفور، ضربت القوى الأمنية طوقاً حول المكان، وحضر الى موقع الجريمة قاضي التحقيق العسكري جان فهد وقادة أمنيون وأطباء شرعيون. وعلم أن الجثتين كانتا منتفختين ما يشير إلى أن الوفاة حدثت قبل 48 ساعة.
وفور انتشار الخبر، تحولت محلة وطى المصيطبة إلى ثكنة عسكرية بعد توافد شبان الى منزلي الضحيتين طالبوا بكشف الجناة وإنزال العقاب بهم، وحاول بعضهم التوجه الى الأوزاعي أو الكولا، إلا أن الجيش والقوى الأمنية أغلقت كل المنافذ المؤدية الى المنطقة. وأمّ منزلي الضحيتين الوزراء خالد قباني (ممثلاً الرئيس فؤاد السنيورة) وحسن السبع وميشال فرعون ومروان حمادة وغازي العريضي، والنواب وليد عيدو (ممثلاً النائب سعد الحريري) ووائل أبو فاعور ومحمد قباني، ودعوا الى التزام التهدئة. وفيما تعالت أصوات مطالبة بالثأر، رفض عم الطفل زياد غندور هذه الدعوات، ودعا الى عدم الانجرار الى الفتنة.
وإثر شيوع نبأ العثور على الجثتين دعا النائب وليد جنبلاط في تصريح تلفزيوني الى «ترك القضاء والتحقيق يأخذان مجراهما وإبعاد السياسة عن هذه الجريمة»، مشدداً على «الاحتكام الى الدولة لكشف ملابسات الجريمة»، ومثنياً على الذين استنكروا الخطف، «وبالتحديد آل شمص، وحزب الله وحركة أمل». ودعا الى الإقلاع عن تضخيم الجريمة، «وهي مروّعة، لكن هناك جرائم كبيرة جداً مروّعة تقع في كل يوم».
كما دان رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الجريمة التي «تستهدف زرع الفتنة في لبنان بعد فشل كل المحاولات التي بذلها المتآمرون لجر البلاد الى مواجهة داخلية». وناشد «القيادات المعنية التحلي بالحكمة والتعقل»، ورأى رئيس الحكومة أن المقصود من الجريمة «جر اللبنانيين الى الفتنة»، ودعا الى عدم الاستعجال في إلقاء التهم». كما حذر رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري من «أن هناك كثيرين يريدون الفتنة»، وناشدت حركة «أمل» في بيان لها «كل المخلصين العمل على قطع الطريق على مريدي الشر وإثارة الفتنة»، ودان «حزب الله» في بيان أيضاً «جريمة القتل المروّعة»، ودعا «الأجهزة الرسمية والقضائية الى القيام بمسؤولياتها الكاملة في الكشف عن المجرمين وملاحقتهم وسوقهم الى العدالة لنيل العقاب المستحق (...) وإن هذه الجريمة النكراء تضع جميع القوى والقادة أمام مسؤولياتهم الوطنية في تفويت الفرصة على المتربصين بلبنان ووحدته واستقراره».
ودعا قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الأجهزة الأمنية الى الكشف سريعاً عن مرتكبي الجريمة «وخفاياها وخباياها» ومعرفة ما إذا كانت هناك «أحصنة طروادة» أو «طابور خامس». وقال: «في غياب المعطيات نحن أمام كل الاحتمالات ولا نستطيع أن نفترض أي شيء، فلننتظر حتى الغد حتى نعلق بوضوح على ما جرى ونضعه في سياق معين» وأكد «أننا لن نبدي أي رأي قبل كشف الفاعلين».
وكشف نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر ليلاً أن المشتبه فيهم بتنفيذ الجريمة باتوا معروفين، وأن الجيش الذي نشر 60 ألف جندي على الأراضي اللبنانية رفع جهوزيته الى نسبة مئة في المئة، وأن عمليات دهم وملاحقة تجري في مناطق عدة لتوقيف الفاعلين، نافياً أن «تكون جهات سياسية أو حزبية وراء الجريمة» التي أكد أنها «مرتبطة بنتائج أحداث 25 كانون الثاني الماضي ومقتل أحد الشبان في ذلك النهار». وقال: «الفتنة ممنوعة ولن نسمح بها كما لم نسمح بأي محاولة لهز الأمن، وسنقطع يد الفتنة مهما كانت طويلة، قريبة أو بعيدة».
ومن جهته، قال وزير الداخلية حسن السبع «إن القوى الأمنية تنسّق للمرة الأولى في ما بينها الى أقصى الحدود وفي شكل لم يحصل من قبل»، ورد «سبب ما وصلنا إليه الى الاحتقان السياسي القائم في البلد»، مشدداً على أن «المجرم ليست له أي هوية مذهبية أو سياسية وحزبية، ولن نسمح لمن يستدرجون اللبنانيين الى الفتنة بتحقيق أهدافهم».
إقفال المدارس والجامعات
وكان السنيورة قد ترأس مساء في السرايا الحكومية اجتماعاً سياسياً وأمنياً ضم الوزيرين قباني وفرعون والأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي والمدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء سعيد عيد، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. وتركز البحث على الأوضاع الامنية وملابسات الجريمة والإجراءات الواجب اتخاذها في هذه الظروف.
وبعد الاجتماع أعلن قباني إقفال المدارس والجامعات الرسمية والخاصة «استنكاراً للجريمة البشعة... وحداداً على تلميذنا وشهيدنا الغالي زياد غندور» ودعا الى «الهدوء وعدم الانجرار خلف الشائعات والى التحلي بالصبر والأخلاق العالية في هذه المناسبة الحزينة».