strong>تشييع حاشـد لقبـلان والغندور والتحقيقات توصّلت إلى «معلومات أساسـيّة» ومرتكبو الجريمـة أربعة
دفع هول جريمة قتل الشهيدين زياد قبلان وزياد الغندور وما لاقته من استنكار عارم مقرون بدعوات حازمة إلى التصدي للفتنة القيادات على اختلاف مشاربها السياسية إلى التبصر في مستقبل البلاد، منعاً لتكرار مثل هذه الجريمة وسواها وتوفير المناخات التي تساعد على تجاوز الاستحقاقات المقبلة.
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يستعد لإطلاق مبادرة سياسية حوارية تستند الى مواقفه الهادئة التي أطلقها أمس في سياق بدأه منذ جولته الأخيرة في الجبل، وهو يعكف على درس تفاصيلها مع مستشاريه ومعاونيه.
وقالت مصادر مطلعة على موقف جنبلاط إنّ ما شجّعه على التفكير في إطلاق مبادرة هو الصدى الإيجابي الذي تلاقيه مواقفه الراهنة لدى الرأي العام. ونقلت هذه المصادر عن جنبلاط قوله امس «إن كل هذا الإجماع على إدانة الجريمة من جميع الأطراف لا قيمة له في السياسة إذا لم يبادر أحدنا الى طرح مبادرة سياسية، لأن هذا الإجماع يضمحلّ بعد 24 ساعة ونعود الى التعبئة، مما قد يوفر أسباباً لارتكاب جرائم أخرى قد تكون أكبر وأفظع».
وذكرت هذه المصادر أن جنبلاط عندما بدأ جولته الاخيرة في الجبل كان يعتقد أن انسداد الأفق يدخل الجميع في النفق المظلم، وأنه يستند في هذه المبادرة الى نصائح درزية بحتة وقد لا تكون نصائح خارجية. ولذا، فإنّ المعنى المباشر لجولته في الجبل كان تحصين منطقته في مواجهة مشروع «الاختراق المعادي». ولكن المعنى الحقيقي لها هو أن تكون فرصة لإطلاق مواقف تدعو للعودة الى الحوار.
وفي هذا السياق لفتت المصادر إلى ثناء جنبلاط خلال تشييع الشهيدين على آل شمص وقوله: «لقد اتصل بي الاستاذ يحيى شمص وقال لي: «كنت أتمنى لو كنت معكم» وإن شاء الله قريباً يكون معنا ليقدم التعازي»، ممّا يشير الى أنه يسعى الى تحقيق مصالحة بين العائلات المعنية بالجريمتين».
وقالت المصادر إن جنبلاط، في ضوء كلامه أمس، معطوفاً على ما أعلنه في جولته الجبلية الأخيرة، قرّر رفد مواقفه بمبادرة سياسية، وقال أمام بعض زواره ما حرفيته: «إذا أصدقنا الناس القول بأن هذا الحادث فردي ويجب محاصرته على هذا الأساس، فهذا يعني أن الرأي العام قبل كذبتنا ولكنه لم يصدقها لأن الجريمة بدءاً من حادثة قتل عدنان شمص الى الثأر هي جريمة ناتجة عن التعبئة العامة في البلد». وأضاف: «لا يجوز أن يكون التفاوض قد بدأ في المنطقة، فيما الحوار مقطوع بين اللبنانيين».
ورأت المصادر أن جنبلاط إنما يشير في كلامه هذا الى احتمال توصّل مؤتمر شرم الشيخ الى بداية حوار أميركي سوري إيراني، كما يشير الى احتمال أن يكون اللقاء الاخير بين منسّق السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا وأمين المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني قد أسّس لاستمرار الحوار الإيجابي بين إيران وأوروبا، وكأن جنبلاط يريد أن يبقي جزءاً من المبادرة لبنانياً بحيث لا تُفرض تسوية على اللبنانيين، بحسب المصادر نفسها.
لا فارق بين الضاحية وبيروت
وعاش لبنان امس يوماً آخر من القلق والحزن نتيجة جريمة قتل الشاب قبلان والفتى غندور بعد خطفهما الاثنين الماضي، وقد شُيّعا من وطى المصيطبة في مأتم مهيب وأجواء من الحزن والحداد والاستنكار الى مثواهما الأخير في مقبرة الشهداء في محلة قصقص، شارك فيه جنبلاط ووزراء ونواب وقادة في 14 آذار وقادة وفاعليات سياسية وحزبية وشعبية.
وخلال التشييع في جامع الخاشقجي، ألقى الشيخ صلاح الدين فخري كلمة باسم مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، فندّد بالجريمة، وقال: «إن تجليات المشاعر والوحدة بين اللبنانيين والوقوف صفاً واحداً وكلمة واحدة تجاه هذه الجريمة يسدّ باب الفتنة والتخاصم والعداوة ويئدها في مهدها».
ثم تكلم جنبلاط فكرر دعوته «الجميع للابتعاد عن تسييس الجريمة والإقلاع عن الشائعات المغرضة التي صدرت من هنا وهناك بغية إيقاظ الفتنة، وترك القضاء يأخذ مجراه». وأكد أن ليس هناك من فارق بين الضاحية الجنوبية وبيروت وبين الضاحية والطريق الجديدة، وقال: «يجمعنا النضال، تجمعنا المقاومة، وهذا أكبر بكثير من الخلاف السياسي الآن. لذلك فلنعد جميعاً الى ضمائرنا ولنبعد الفتنة».
وفي إطار ردود الفعل، رأى العماد ميشال عون في حديث تلفزيوني أن التقنية التي نفّذت بها الجريمة «هي تقنية مخابرات»، لافتاً الى أنه في اللحظة التي حصلت فيها عملية الخطف بدأت تصدر الشائعات نفسها، «كأن جهازاً وراء هذه الجريمة». وأشار الى أن «من الصعوبة أن تكون العملية ثأرية»، محمّلاً المسؤولية في تتالي هذه الأحداث «للأجهزة الحكومية ككل».
التحقيقات والملاحقات
وفيما تواصلت أعمال الدهم بحثاً عن مرتكبي الجريمة ترأس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اجتماعاً أمنياً وقضائياً في حضور 11 وزيراً، خرج بعده الوزير غازي العريضي ليعلن «أن التحقيقات بلغت مرحلة متقدمة وإيجابية جداً بمعنى وضع اليد على معلومات أساسية دقيقة عن الجريمة من خلال عدد من الموقوفين والتحقيق المستمر معهم».
وفي هذا الوقت، تابعت القوى الأمنية تحقيقاتها في الجريمة، فواصلت ملاحقتها للمشتبه فيهم. وقد تبيّن من الكشف على جثتي الشهيدين أن كلاً منهما تعرّض لثلاث طلقات نارية من مسافة قريبة، صادرة عن أكثر من سلاح، كما تبيّن غياب أي آثار للتعذيب على جسديهما. وفي هذا الإطار، تعاني الأجهزة الأمنية من نقص في المعدات المخبرية اللازمة التي من شأنها تقديم إضافة جدية للتحقيق.
وركّزت التحقيقات أمس على معرفة مكان أشقاء الشهيد عدنان شمص، الذين صدرت بحقهم بلاغات بحث وتحرٍّ، وهم لا يزالون متوارين. وذكر مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار» أنهم غادروا منازلهم منذ مطلع الأسبوع.
وليلاً، قال مرجع أمني لـ«الأخبار» إن الصورة باتت واضحة جداً، وإن المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة أربعة، ثلاثة منهم من عائلة واحدة ورابع من عائلة أخرى. وأضاف: «إن الأمن العام الذي يمسك بالحدود الشرعية بإحكام، لم يسجّل عبور أحد من هؤلاء الى الخارج، وأنهم إذا باتوا خارج لبنان، فهذا يعني أنهم خرجوا من معابر غير شرعية». وقال: «إن الخطط الأمنية دخلت المراحل النهائية التي تفرض تنفيذ أعمال الدهم المتواصلة من دون إهمال أي معلومة. وقد دهمت شقة في إقليم الخروب قيل إنهم كانوا يستخدمونها، وكذلك في أكثر من منطقة بقاعية دون نتيجة».
كذلك أكدت المراجع أن الجيش وقوى الأمن الداخلي قد أوقفا شخصين لديهما معلومات موثوقة، وآخرين يمكن اعتبارهم على لائحة الشهود.
فرنسا ومصر
وعلى صعيد المواقف الدولية، دانت فرنسا الجريمة داعية جميع اللبنانيين الى «عدم الاستسلام للثأر». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي «ندين بشدة الاغتيال الرهيب لزياد قبلان وزياد غندور». وأضاف «ينبغي كشف ملابسات هذا الاغتيال بالكامل وتحديد هوية منفذيه ومحاكمتهم». وتابع المتحدث «ندعو جميع اللبنانيين الى التحلي بالمسؤولية وعدم الاستسلام للثأر لتفادي مآس جديدة».
وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن ما حدث «يضع على عاتق القادة السياسيين في لبنان مسؤولية كبرى في ضبط الوضع الأمني إلى جانب الدور الذي تقوم به السلطات اللبنانية المعنية». ورحب أبو الغيط في بيان صحافي أمس الجمعة «بتأكيدات بعض القادة السياسيين في لبنان على أهمية اللجوء إلى الدولة... والابتعاد الكامل عن أي أفكار ثأرية أو انتقامية» مشيراً إلى أن الوضعين اللبناني والإقليمي «لا يتحمّلان مزيداً من هذه الحوادث على الساحة اللبنانية».