ما الذي فعلته جوائز الرواية العربية بمعشر الروائيين؟ حمّى غير مسبوقة في اقتحام حلبة السباق، كما لو أننا حيال موسم دراما رمضان الصاخب، وإذا بالمشهد الروائي يتكشّف عن «صراعِ ضارٍ»، وفقاً لما يقوله الروائي المصري مكاوي سعيد، حتى بدا أن الروائي الذي لم يفز يوماً بإحدى هذه الجوائز، كأنه كاتب فاشل، أو أنه في أحسن الأحوال، يحتاج إلى اعتراف مدموغ بختم جائزة تضعه في الواجهة، نظراً إلى خلو سجله الأدبي من هذه الدمغة المقدّسة.
ولكن هل الطريق معبّدة لطرق أبواب مثل هذه الجوائز؟ تبدأ المعركة، بالنسبة إلى بعض الجوائز، بترشيح الناشر لهذه الرواية أو تلك، فيما يشترط بعض الروائيين ترشيح عمله سلفاً، كي يوافق على نشر مخطوط روايته في الدار، مدفوعاً بثقته في قطف ثمار إحدى الجوائز، لقناعته المضمرة بأن «بضاعته» مرغوبة، وتحقّق المواصفات القياسية لمتطلبات الجوائز، ومشهّيات الترجمة. وعلى هذا الأساس، لم يعد مستغرباً أن تجد في روايةٍ ما، شخصية إرهابية، أو ديكتاتوراً فظاً، وشخصياتٍ مثلية مضطهدة، في مجتمع شرقي يكبت الحريات الشخصيّة (جاهز وتفصيل). خلال العمل على إنجاز هذا الملف، رفض أحد الروائيين العرب أن يُدلي برأيه علانيةً، خشية غضب لجان تحكيم الجوائز، خصوصاً أنه انتهى من كتابة رواية جديدة، يقول إنها تحقق جميع شروط الفوز التي ترغبها لجنة تحكيم إحدى الجوائز المرموقة، بما فيها المزاج النقدي للمشرف العام على الجائزة، بالإضافة إلى التوابل الحرّيفة التي يسيل لها لعاب القارئ والمترجم والمحكّم في آنٍ واحد. أكد هذا الروائي أنه لم يفلت خيطاً واحداً، في نسج سجادته السحريّة، أو وليمته الدسمة، ما يضع أي محكّم في الزاوية الحرجة، إذا ما فكّر في إقصاء مثل هذه الرواية جانباً.
على الضفة الأخرى، تبدو بعض جوائز الرواية العربية وكأنها نسخة من برامج المسابقات التي تُعلنها المحطات الفضائية، في اختيار أفضل مغنٍّ، أو ممثل، أو لاعب أكروبات، أو راقص، لجهة الخطوات المتبعة في الوصول إلى القمة. هكذا تظهر أولاً، القائمة الطويلة، ثم القائمة القصيرة، ثم «الأخ الأكبر» المتوّج معنوياً ومادياً، فيما تذهب عشرات الروايات خارج مطحنة الفرز. اعترف أخيراً، أحد أمناء جائزة «البوكر العربية»، بأن لجان الفرز أطاحت مقدّماً نحو 90 رواية، رُشِّحَت للجائزة، فيما عكف أعضاء لجنة التحكيم على قراءة نحو 200 رواية. ورغم استحالة قراءة وتقويم مثل هذا العدد من الروايات، في زمنٍ محدّد، إلا أن استمرار آلية التقويم على هذا النحو، يبدو ضرباً من مسرح العبث واللامعقول. كذلك سيقع الظلم على عدد كبير من الأعمال الجدّية، مثلما يضع بعض الروائيين المرموقين في دائرة الحرج، بفوز روائيين مجهولين، وحتى هواة، من أصحاب الأعمال الأولى بكامل أخطائهم اللغوية وركاكتهم البلاغية، وهو ما حصل مراراً، من دون تبرير نقدي مقنع، من لجان تحكيم هذه الجوائز.
ولكن هل أفسدت الجوائز الرواية أم دفعتها إلى الأمام؟ يرى بعضهم أن الجوائز أسهمت في زيادة عدد قراء الرواية، ما رفع أرقام توزيع الروايات الفائزة. ما إن تظهر رواية ما، في قوائم الجوائز، حتى نجد دمغة الطبعة الثانية على غلافها، بعد أيام من الحدث، وقد وصلت بعض الروايات إلى الطبعة العشرين، وهو ما لم يحدث قبلاً لروايات نجيب محفوظ، الفائز العربي الوحيد بجائزة «نوبل للآداب». آخرون اتهموا جوائز الرواية بأنها «استحواذية»، وملغومة، ومحاولة لتخريب الأدب وتمييع قضاياه الجوهرية. وهناك طرف ثالث يغمز من نزاهة لجان التحكيم و«تشبيكها» مع دور النشر المرموقة، أو مع الكتاب أنفسهم، في توزيع «الغنائم» جغرافياً، وليس لأهمية هذا النص أو ذاك. اتهامات ومرافعات ضد ومع الجوائز، من دون أن ينكر أحد إغواء «حمّى الذهب» الذي يتيحه الفوز بها، فالروائي العربي، على وجه العموم، يفكّر، في حال فوزه، في تسديد ديونه المالية المتراكمة، وترميم حياته على نحوٍ أفضل، خصوصاً، إذا كان ما زال شاباً. لعل هذا ما جعل الروائي بهاء طاهر يقترح إثر فوزه بجائزة الرواية العربية أخيراً، الجائزة التي يمنحها «ملتقى الرواية العربية» في القاهرة، بأن تكون مناصفة بين روائي عجوز، وآخر ينتمي إلى جيل الشباب. أما زكريا تامر، فقد أجاب مرّة عن سؤال يتعلّق بأهمية الجوائز في حياة المبدع بقوله: «مشكلة الجوائز العربية أنها تأتي في أرذل العمر». وقد اقترح أحدهم على أمين إحدى الجوائز التكريمية، أن يُضاف إلى أعمال الكاتب المرشّح للجائزة، قائمة بالأمراض التي يعاني منها، مثل السكري، والروماتيزم، والالتهاب المزمن في الرئتين، وحبّذا لو يكون قد خضع لعملية القلب المفتوح، كي تكون فرصته بالفوز أكبر.
هنا شهادات لروائيين تضيء معضلة الجوائز من الداخل، وهل هي فرصة للانتشار، أم حسب ما يقول خليل النعيمي: «مزاد ذليل»؟

احذروا عقاب القارئ

مكاوي سعيد *
أظنّ أن الجوائز الأدبية أفادت الأدب أكثر مما ضرّته، ذلك أنه إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، فسنجد أن عدد دور النشر كان محدوداً، بالإضافة إلى صعوبة النشر، وكان النشر على حساب المؤلف «لا يؤكّل عيش». الجوائز لفتت الانتباه للمبدع، وإذا به يخرج من عنق الزجاجة، ثم يعكف على مشروعه، مع احتمال أن يكسب جائزة. عموماً، إن مجمل الجوائز جيّدة، وينبغي أن تزداد، وعلى رجال الأعمال أن يصرفوا جزءاً من أموالهم على الأدب، بدلاً من استثمارها في تجارة السلاح مثلاً. في المقابل، لا أعتبر أغلب الجوائز مقياس قيمة، بل القارئ هو الجائزة. بمعنى آخر، إن قاعدة القراءة هي الجائزة الشخصية للكاتب، فالمهم هنا أن تستمر في إنجاز مشروعك، بصرف النظر عما يدور حولك. بالطبع، لا يمكنني إنكار تأثير الجوائز في هذه الحمّى الروائية، وإلا فما معنى هذا الصراع الدامي والضاري في اقتحام هذا الحقل الإبداعي، وتغيير الهويات الإبداعية، كأن يتحوّل الشعراء إلى روائيين؟ استغرب حقاً، حفلة الهجوم الجماعي هذه نحو كتابة الرواية، وأدعو إلى إعلان جائزة للقراء، لأنهم جديرون بها، وفي المقابل يعود الفضل للجوائز في أنها توجّه القراء إلى الاهتمام بالكتب الأدبية، وتضيء مناخاتها، سلباً أو إيجاباً، فالقارئ وحده من يعاقب المبدع حين يحصل على جائزة لا يستحقها، لكن خطورة الجوائز تتمثّل بأن يتحوّل بعض قراء الأمس إلى روائيين، وذلك بمحاولة تقليد من سبقهم إلى الكتابة بالمواصفات نفسها. على صعيد شخصي، وضعتني إحدى الجوائز في موقع آخر، ما إن فازت روايتي «تغريدة البجعة» بالجائزة حتى وصل عدد طبعاتها إلى 11 طبعة، وهذا لم يكن متاحاً لولا فوزي بجائزة. من ناحية ثانية، لا يعنيني الصخب الذي تثيره الجوائز، فما دمت قد ارتضيت السباق، ينبغي أن تقبل بشروطه. ما أحلم به «فلوس» جائزة «نوبل»، لا سُمعتها.
* روائي مصري

رافعة موسميّة

جبّور الدويهي *
الكُتّاب العرب، الوسط الأدبي العربي الصحافي والنقدي عموماً يختبر الجوائز الأدبية كأنها لم تكن من قبل، في جميع آداب العالم وأوّلها تلك الجائزة المثيرة للجدل، جائزة الرواية العربية، «البوكر» التي ليست سوى صدى متأخر، بعد الروسية أو الأفريقية، للجائزة الانكليزية الأم المعروفة. فما نبدو كأننا اكتشفناه للتوّ انتهى النقاش حوله من زمنٍ طويل ووُضعت في مدحه وخصوصاً في إدانته مؤلفات، ورسا على وقائع لا يمكن إنكارها تمخّضت عنها لعبة منح الجوائز الأدبية في العالم، وهي تنطبق بالطبع على ما نحن فيه من جدال ساخن أحياناً حول ما نسميه صدقية الجائزة وموضوعية أحكامها وانحياز حكامها وصولاً حتى إلى الجدوى من وراء تأسيسها. ومن أبرز هذه الخلاصات أن الجوائز هي جزء مكمّل للمشهد الأدبي، الكتابة، النشر، التوزيع، النقد وتُسهم في جعل الإنتاج الروائي «مرئيّاً» وذلك بلفت الانتباه إلى بعض العناوين وإبرازها في بحر الإصدارات الموسمية، وبالتالي توجيه القارئ نحو كتب بعينها يمكنه الإقبال عليها ما دام ليس بإمكانه اقتناء أو قراءة كل ما يُنشر. وفي ذلك، كما لا يخفى على أحد، تمييز لا مفرّ منه. وهي إذ تعطي دفعاً معنوياً ومادياً للفائزين لا تصيب من لم ينلها بالإحباط إذ يجد دائماً أسباباً وجيهة وحقيقية للتشكيك في صحة الاختيار الذي أبعد عنه. وأحكام لجان الجوائز تتوّج الأعمال في ظلّ معطيات وضغوط لا يخضع لها الكاتب ولا يأخذها في الاعتبار عند الكتابة، وهي مثلاً التوزّع الجغرافي والجنسي للفائزين واستجابة الروايات مثلاً لأحوال راهنة سياسياً واجتماعياً وربما معطيات أخلاقية الخ. لذلك تكون الجوائز مرتبطة أيضاً بظروف منحها وبنوعية وتطلعات أعضاء لجانها ومنهم من يعبّر أحياناً عن آراء خاصة في الكتابة والأدب تثير سخط المتبارين واستهجانهم. كل ذلك للقول إن الجوائز وإن أمّنت رافعة للأعمال التي تتوّجها لا تضمن لأي منها الاستمرارية والتصنيف ضمن الروايات التي طبعت زمانها، والذين يواسون الكتّاب «الخاسرين» في الجوائز يذكرونهم بأن العديدين ممن حصلوا حتى على جائزة «نوبل للآداب» لم يدخلوا تاريخ الأدب وجمهرة كبيرة من الحائزين جائزة «غونكور» الفرنسية باتوا طيّ النسيان وأحياناً ابتداءً من الموسم التالي لتتويجهم.
* روائي لبناني

جوائز استحواذية

خليل النعيمي *
لا يمكن عزل طفرة الجوائز الأدبية عن أجندة سياسية طارئة تقوم على تفتيت الدول المركزية في المشرق العربي، ومحاولة استبدالها بهويات سياسية منبثقة من دويلات هشة، تفتقد الثقل التاريخي والثقافي والمعرفي، لكنها تتواءم مع مخططات أقطاب جغرافية جديدة تطمح إلى محو ثقل المركز القديم. على المقلب الآخر، هذه الجوائز تنهض على رغبة مضمرة في إزاحة لاوعي المبدع نحو اهتمامات أخرى تضع خطة الجوائز في صلب اهتمامه، إلا أن هذا الخطر لا يزال محدوداً، إذا ما تنبهنا إلى مراميه الفكرية، أما في حال استمرار هذه الموجة، فلن نقع مستقبلاً، على أي فكر نقدي خارج الفكر المغلق، وأكاد أقول: البائس. أتصوّر أن هذه الجوائز كارثة معرفية تحلُّ على المبدع، بعد أن حلّت عليه الكارثة السياسية، وإلا فما معنى هذا الاهتمام النقدي بالروايات الرائجة، وتزييف حضورها على حساب أعمال روائيين كبار؟ ثم لماذا تصدر هذه الجوائز من بقعة جغرافية محدّدة تكاد تكون هامشية على المستوى المعرفي والإبداعي، فيما تكتفي دولة مثل فرنسا بجائزة واحدة هي «غونكور»، بالإضافة إلى جوائز ثانوية. ألا يدعو هذا الأمر إلى أن نتساءل عن صدقية هذه الجوائز؟ وكنت منذ فترة قصيرة قد دعوت إلى إطلاق حركة باسم «من أجل أدب بلا جوائز» مهمتها معاكسة هذا التيار الاستلابي الهائل الذي يسود الحركة الأدبية في العالم العربي، التيار الذي يسعى إلى تحويل الأدب إلى سلعة للبيع، أو خلْعة، أو منحة، وتالياً ثنيه عن الذهاب إلى المناطق المحرّمة. أفهم الأدب على أنه «تاريخ الكائن الشخصي»، الكائن الذي وهبته الحياة وعياً صارماً، وأعطته طاقةً عظمى على التمرّد. ولكن، لماذا كل هذا الاستشراء ضد الجوائز من قبل الكثيرين منا؟ لأن الفضاء الإبداعيّ العربيّ تسَمَّم بما فيه الكفاية من هذه الظاهرة. ظاهرة «الجوائز الاستحواذية» التي صارت تهيمن على كل شيء، وهي لا تستحقّ. فهي لاحقة بالإبداع لا سابقة له. لكنها صارت تريد أن تسبقه. وهي بدأت، الآن، تُعْطى للمنشور منه، وغير المنشور. وقريباً ستتجاوز المكتوب (منشوراً كان أو لا) إلى ما لمْ يُكْتَبْ، بعد. هكذا سيكتَمِل مشروعها الاستيعابي للثقافة العربية، باستيلائها على «المخيّلة الإبداعية» لأجيال قادمة، و«شِراء» ما تنتجه، اليوم، هذه المخيّلة، وما ستنتجه، غداً، «بثمن بخس». ونحن صامتون!
إنها جوائز تسويق الجهل، وتعميم الأميّة الأدبية، والركاكة اللغوية، وتحطيم الكيانات الراسخة. أنوّه أخيراً، بأنني لم أتقدّم أو أسمح لناشري بأن تشارك رواياتي بهذا المزاد الذليل، ليس بسبب موقفٍ شخصي من الجوائز، بل هو موقف معرفي وأخلاقي وفكري، في المقام الأول.
* روائي سوري

إيماءة تقدير

منصورة عز الدين *
في يومياته المبكرة، كتب الروائي المجري ساندور ماراي أنه بنفيه ومنع أعماله من الوصول إلى مواطنيه، لم يعد أمامه سوى طريقتين من الانتحار الأدبي: إما الكتابة بالإنكليزية على مقاس ذوق قارئ أجنبي، أو الكتابة بالمجرية لفراغ أصم؛ بلا قراء ولا توقعات ولا تحقق من أي نوع.
لهذا الفراغ الأصم، وفيه، وأكاد أقول بسببه، كتب ماراي بلغته الأم روايات ظلت قيد النسيان والتجاهل لعقود قبل يقرأها الناشر الإيطالي روبرتو كالاسو بالصدفة، في أواخر التسعينيات، ويعيد اكتشاف ساندور ماري الذي وضعته كتاباته، وكتاباته وحدها، في مصاف موزيل وكافكا وتوماس مان.
ما أود قوله، انطلاقاً من مثال ماراي، أن الوضع المثالي للكتابة هو الكتابة بمعزل عن توقعات التلقي والنجاح والشهرة، والاستمرار في الانشغال بأسئلة الفن ومواصلة الإبداع بغض النظر عن التلقي وشروطه. تاريخ الرواية يخبرنا أن من نجحوا في إحداث خروقات نوعية في فن الرواية هم من نجحوا في عزل أنفسهم قدر الإمكان عن الإغراءات المحيطة بعملية الكتابة.
وتأتي الجوائز على رأس هذه الإغراءات. الجوائز في حدّ ذاتها أمر جيد. أراها كإيماءة تقدير للكاتب؛ كرسالة تخبره أن هناك من قرأ عمله وفهمه وقدَّر الجهد المبذول فيه. كذلك فإنها كثيراً ما تسلط الأضواء على العمل الفائز وتحمله إلى شرائح أكبر من القراء.
لكن يجب ألّا ننسى هنا أن الجائزة لا تصنع كاتباً، بل العكس هو الصحيح، فصدقية الجائزة تُبنى وتترسخ من قيمة وأهمية الأعمال الفائزة بها، وليس العكس. أفهم أن هناك من لا يكترثون بالجوائز في حد ذاتها ولا ينتظرون منها إلّا قيمتها المادية، وهناك من يرون فيها صك اعتراف بهم وبإبداعهم، وهناك من ينظرون إليها كطريق مختصر ومضمون للنجاح والتحقق. وهذا كله يمكن تفهمه وقبوله من منطلق أن كل كاتب يتصرف وفقاً لرؤيته الخاصة للكتابة ولما يريده منها، لكن الكتابة الحقيقية هي في مكان آخر؛ قد تحظى بالنجاح والاهتمام والجوائز، وقد تُقابَل بالتجاهل وعدم الفهم، لكن تحققها الفعلي والأكيد ينبع من داخلها.
*روائية مصرية

ضوء إضافي على النصّ

محسن الرملي *
لا أظن، أن الجوائز تضرّ أو تفسد العمل الجاد، فالإبداع موجود قبل الجوائز، وسيبقى بعدها، أو بدونها. شخصياً، أؤيّد كثرة الجوائز وتنوعها، لأنها تسلّط الضوء على نتاجات إبداعية، بصرف النظر عن مستواها، ففي نهاية المطاف، يبقى العمل الإبداعي أفضل من سواه، مما يصدّره الإعلام، ذلك أن الجوائز تحث المبدع والمتلقي بآنٍ واحد، على مزيد من التواصل والاهتمام، من دون أن نتجاهل دورها في حلّ الإشكالات المادية للكاتب الذي غالباً ما يكون بحاجة إلى حوافز. ثم لماذا نستهجن وجود حفنة من الجوائز العربية؟ ففي بلد مثل فرنسا أو إسبانيا هناك جوائز لكافة حقول الإبداع بما يفوق الجوائز العربية بأضعاف، وبالتالي إن الجوائز تنفع ولا تضرّ، فالمبدع الحقيقي بإمكانه مواصلة مشروعه الخاص بالطريقة التي يرتئيها، من دون أن يفكّر في جائزة ما، أما من يكتب بهدف حصد جائزة ما، فمن حقه أن يفعل، فمثل هذا الأمر يحسمه القارئ والناقد والزمن.
*روائي عراقي

جوائز بلا تقاليد

علي المقري *
سأستشهد أولاً بما قاله ماريو بارغاس يوسا في «رسائل إلى روائي شاب»: «لا تبنِ أوهاماً كبيرة بشأن النجاح. مع أنه ليس هناك، بالتأكيد، سبب يمنعك من تحقيقه. ولكنك ستكتشف سريعاً، إذا ما واظبت على الكتابة والنشر، أن الجوائز، والاعتراف العام، ومبيعات الكتب، والسمعة الاجتماعية للكاتب، لها مسار من نوعها، مسار تعسفي إلى أبعد الحدود؛ فهي تتجنب، بعناد أحياناً، من يستحقها بجدارة كبيرة، وتحاصر من يستحقها أقل، وتثقل عليه. وهكذا يمكن من يعتقد أن النجاح والشهرة هما الحافز الجوهري لميوله الأدبية، أن يرى انهيار حلمه وإحباطه، لأنّه يخلط بين الميل الأدبي والميل إلى بريق الشهرة والمنافع المادية التي يوفرها الأدب لبعض الكتّاب (وهم محدودون). والأمران مختلفان». وإذا كانت بعض الجوائز قد قامت بتقليد جوائز عالمية شعبية بتشكيلها لجان تحكيم من كل الفئات، أو غير متخصصين، مراعاة لتعدد الأذواق، فإنّ الحال الثقافي في العالم العربي يبدو لي أنه لا يشجّع على هذا التقليد، فاختياراتها للكتب المرشحة أو الفائزة لا تلقى رضى لدى أكثر الكتّاب.
هكذا نجد أن المشكلة ليست في منح مؤسسات الجوائز العربيّة جوائزها لمن ترى أنهم يستحقونها تبعاً لسياساتها، بل المشكلة، كما تبدو لي، تكمن في اعتقاد أعضاء لجان التحكيم أنهم في اختياراتهم قد حدّدوا من هو الكاتب الجيّد، ومن هو غير الجيّد، حيث نجدهم يصرّحون بتعالٍ لا مثيل له بأنّ أعمال معظم المتقدّمين لم تكن في المستوى المطلوب إبداعياً، فيما قد لا تصل خبرة بعض المحكّمين الثقافية ومعرفتهم في تاريخ الكتابة وتطوّرها إلى أقل القليل من ثقافة الكتّاب، الأكثر دراية بما يعملونه. كذلك اكتشفت متأخراً، أن ظني أن الجوائز ستساعد المبدع العربي على تخطي الفقر وتمنح أولئك الذين لم تتم مكافأتهم من قبل بما يليق بإنتاجهم الإبداعي راحة نفسية، لأنّهم سيجدون من يقدِّر منجزهم، لم يكن، كلّه، صحيحاً، إذ بدا لي أن هذه الجوائز قد تدفع البعض إلى الجنون بدلاً من الراحة النفسية.
وما يمكن ملاحظته أخيراً، أن كل الجوائز العربية محافظة، وتنطلق من رؤى أيديولوجية تتماهى مع كل ما هو رسمي سلطوي وموجّه. فهي تقدّم نموذجاً لما يجب أن يكون عليه شكل الأدب وموضوعه، مغلِقة أية أفاق حرّة أو جريئة. ولهذا، يبدو لي، بإمكان الأديب العربي أن يستسهل الحلم بجائزة «نوبل للآداب» أكثر من محاولته الفوز بجائزة عربية واحدة.
*روائي يمني