هذه القصيدة بعيدةٌ جداً عن الحرب ولن تجدي أي أثر للمجنزرات على الأسطر
هذه القصيدة خالية تماماً من
رائحة الجنود الذين جعلوا
من سريرنا متراساً
بالمناسبة أخبرني أحدهم أن عشرات الليترات
من الدم تتدفق من تحت الباب
لا تخافي ما من جثث هنا
كل ما في الأمر أن «ليلة الدخلة»

نزفت من جديد عند أول رصاصة
اخترقت السرير...!
صحيح، تذكرت
هذه القصيدة خالية من تعرُّق البارود
هنا يا حبيبتي
ما من طائرة ستخترق جدار الصراخ فوق
ظلكِ النائم على العشب
أعلم أنكِ تخافين عويل السماء
هل تذكرين عندما ارتجف صوتكِ في
سماعة الهاتف
عند سماعكِ ضجيج الرحلات التي
لا تتوقف في «مطار بيروت»
كانت الساعة الثالثة والنصف صباحاً
ولم أخبركِ يومها أنني أضعت قلبي
أربع مرات،
أربع قذائف كانت قريبة جداً من أذني...
هنا لن تتعثري بخوذاتٍ مثقوبة
ولن تجدي جدراناً كجدار المطبخ الذي
فُتحت له آلاف العيون دون أن يستطيع
البكاء...!
هذه القصيدة بعيدةٌ جداً عن الحرب
بعيدةٌ كشفتي مقبرة جماعية
تتسع لوطن كامل من الفولاذ
والمذابح...!
هنا يا حبيبتي
ستبتسمين وأنا أخبركِ
أن هذه المصيدة بعيدةٌ جداً عن الحرب
هذه المصيدة التي نصبتها لقلبي
بعيداً عن نشرات الأخبار
لأقول أحبكِ دون أن أضطرّ لرفع أقدام الكلمة
من فوق المجازر
ودون أن يبتل فستانُها بالدم.
/ 2 /
في بلاد الحرب يا حبيبتي
في بلادنا
حيث يصوب الأطفال ابتساماتهم
نحو عدسات القنص
فيُقتل الله برصاصة بالرأس
في بلاد الحرب
سأعلِّمكِ يا حبيبتي
أنا القليل جداً كرغيف خبزٍ
في مدينة محاصرة
كيف تمر الأحلام من فوَّهات الموت
بينما يفجِّر صوت لعاب القبلة
دماغ مجنزرة ممتلئة باللحى والرايات السوداء
كيف تصنعين من القذيفة المعطَّلة
عُشّاً للعصافير
وكيف تجعلين من فوارغ الرصاص
صلصالاً ومن الصلصال هديةً
لعيد الحب
سأخبركِ أنا البعيد جداً كشفاه الثكالى
عن جباه أبنائهن
كيف تنمو حناجر الأغنيات التي قتلت
على أشجار «الكينا»
وأن رائحة الأوراق ليست سوى أنفاسهم
المحشوة بالتراب والطرقات المسدودة
سأخبركِ عن رسائل العشاق التي
تتفادى العيارات النارية برشاقة
وعن كلمات الحب النائمة على العشب في
الحدائق العامة
وستخبرينني بأنكِ كل يومٍ تجدين «أحبكِ»
مقتولةً على الرصيف
وبأن القصيدة التي ارتفعت إلى السماء
بالأمس لم تعد إلى الآن
سأخبركِ عن العربات التي تبيع الدفء
في حبات الفول وعرانيس الذرة
وعن بائع اليانصيب المبتسم دائماً
لأوراقه الخاسرة
وستخبرينني عن رائحة البرتقال التي
ملأت الشارع بعد آخر انفجار
في بلاد الحرب يا حبيبتي
في بلادنا
شيء واحد سأخبركِ إياه
قبل أن تغلقي سماعة الهاتف
هو أن الشعرة التي علقت في مشطكِ البارحة
تصلح لأن تكون مشنقةً
لهذه الحرب.
* شاعر سوري