من توقع هزة أرضية في إسرائيل أمس، شهد زلزالاً. ومن استشرف عاصفة، عاين إعصاراً. خرق التقرير الأولي للجنة «فينوغراد» أعلى سقوف التكهنات، وتجاوز أبعد حدود التقديرات: في إسرائيل قيادة فاشلة، أدارت حرباً فاشلة. بهذه العبارة يمكن تلخيص محتوى التقرير الذي صدر أمس مُدشناً، على ما يبدو، مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العبرية، يمكن تسميتها «مرحلة ما بعد فينوغراد» (التفاصيل).معلقون إسرائيليون وصفوا التقرير بالقاتل، فيما رأى فيه آخرون لائحة اتهامية بحق «ثالوث الحرب»، رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس ورئيس الأركان المستقيل دان حالوتس، تؤسس لإدانتهم في التقرير النهائي المرتقب صدوره منتصف الصيف المقبل. قال التقرير كل شيء يمكن أن يقال في توصيف أداء قيادي فاشل، بدءاً بانعدام الخبرة والتجربة، مروراً بالتهور وقصر النظر وصولاً إلى افتقاد المبادرة والانقياد وراء توصيات اتضح لاحقاً أنها، أيضاً، كانت ارتجالية. كل شيء، سوى دعوة المعنيين إلى الاستقالة التي استبق أولمرت المطالبات المتوقعة بها بإعلانه رفضها.
وبعد طول انتظار، أصدرت «لجنة فحص أحداث حرب لبنان 2006» عصر أمس تقريرها الأولي. وسلّم أعضاء اللجنة الخمسة نسخة كاملة من التقرير إلى كل من أولمرت وبيرتس، قبل أن ينشروا لاحقاً نسخة أخرى «منقحة أمنياً» على الملأ، في مؤتمر صحافي عقدوه في تل أبيب. وتلا رئيس اللجنة، القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، خلال المؤتمر، مُلخصاً أبرز نقاط التقرير وأهمها، مطلقاً بذلك دوياً هائلاً وسط الساحة الرسمية والشعبية التي كانت في أعلى درجات التوتر.
فقد أعلن فينوغراد أن أولمرت «فشل فشلاً ذريعاً في تقويم (الوضع) وتحمّل المسؤولية والحذر»، مشيراً إلى أنه «اتخذ قراره (بشن العدوان) بتسرّع، رغم عدم عرض أية خطة عسكرية مفصلة، ومن دون أن يطالب بخطة كهذه». وإذ صرح بافتقار أولمرت إلى الخبرة العسكرية، واتهمه بتحديد أهداف للعدوان «غير واضحة ومبالغ فيها ومستحيلة التحقيق»، خلص فينوغراد إلى تحميله المسؤولية الشخصية عن الإخفاق في قرار الحرب وآليات اتخاذه وإدارتها. كما حمّل فينوغراد هذه المسؤولية لكل من بيريتس، وحالوتس.
بالنسبة إلى بيرتس، رأى فينوغراد أنه «فشل في ممارسة مهماته، وبالتالي فإن وجوده على رأس وزارة الدفاع أثناء الحرب أضر بقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات التي كانت أمامها». فهو «لم يطلب من الجيش الخطط العملانية ولم يدرسها، ولم يتحقق من درجة استعداد الجيش وتدريبه، ولم يدرس التطابق بين الاهداف ووسائل التحرك».
أما حالوتس، الذي استقال في كانون الثاني الماضي، فشدد رئيس اللجنة على أنه «فشل في مهماته في قيادة الجيش وفي وظيفته المحورية في الإدارة السياسية والعسكرية. وظهرت ثغر في مهنيته ومستوى مسؤوليته وتقويمه» لتطورات الوضع.
وفي ما بدأ على الأثر الحديث عن سيناريوهات ما بعد التقرير، لجهة مصير الحكومة الحالية، سارع أولمرت، في خطوة استباقية، إلى إعلان استبعاد خيار الاستقالة، مؤكداً مضيّه في شغل منصبه. وقال أولمرت، في إطلالة تلفزيونية، إن استقالته أمر غير مناسب، مقراً بوجود «أخطاء عديدة ارتكبها الذين اتخذوا قرارات، وأنا على رأسهم»، ومشدداً على وجوب «تصحيح هذه الأخطاء». وإذ وصف التقرير بأنه «قاس جداً»، قال إنه سيعمل على تطبيق التوصيات الواردة فيه على الفور.
إلا أن موقف أولمرت وقع على حلبة سياسية يبدو أنه سيكون لها رأي آخر في الموضوع؛ فإلى جانب اليمين واليسار المتحفزين أصلاً لإطاحته، لاحت أمس إشارات إلى إمكان انطلاق ديناميكية سياسية داخل كل من الائتلاف الحكومي وحزب كديما قد تؤدي إلى تنحيته رغماً عنه، ولا سيما أن هناك من الوزراء من يرى أن ما ورد في التقرير إنما يلمح إلى أولمرت بأنه إذا لم يبادر إلى «حزم حقائبه» فإن اللجنة ستتكفل بدفعه إلى ذلك في تقريرها النهائي.
وفور صدور التقرير، تجمع متظاهرون أمام منزل أولمرت مطالبين إياه، وبيرتس، بالاستقالة، بينما دعت منظمات عديدة من اليسار واليمين وجمعيات تضم احتياطيين وأفراداً في عائلات حوالى 160 جندياً ومدنياً قتلوا خلال عدوان تموز، الى تظاهرة كبيرة مساء الخميس في تل أبيب للمطالبة باستقالتهما.
وأفاد استطلاع للراي بثته الإذاعة العامة الإسرائيلية أن أكثر من ثلثي الاسرائيليين يؤيدون استقالة أولمرت بعد نشر التقرير. وأشار الاستطلاع الى أن 69 في المئة من المستطلعين قالوا إن على اولمرت الاستقالة، بينما رأى 15 في المئة أن عليه أن يواصل مهماته. كما قال 74 في المئة إنهم مؤيدون لاستقالة بيرتس في مقابل 12 في المئة رأوا العكس.
وقالت الولايات المتحدة، تعليقاً على صدور التقرير، إن أولمرت «أساسي» لجهود السلام مع الفلسطينيين. ورفض المتحدث باسم البيت الأبيض طوني سنو التعليق على المستقبل السياسي لأولمرت، وقال «نحن لا نعلق بالطبع على مسائل داخلية متعلقة بالحكومة الاسرائيلية».