لكي تفهم شعور الآخر، حاول أن تمشي منتعلاً حذاءه، أي أن تتقمّص شخصيّته وتختبر حياته. إنّها العبارة الإنكليزية الشائعة المستوحاة منها قصة «الإسكافي» (The Cobbler) من إخراج طوماس مكارثي. قد تبدو نقطة انطلاق الشريط مبتكرة، إذ يصوّر لنا في البداية تفاصيل حياة الإسكافي «ماكس» (آدم ساندلر ــ الصورة) المحبط جرّاء تمضية نهاره في إصلاح وتلميع الأحذية بتفانٍ، محاولاً تخيّل حيوات أصحابها، ليعود في آخر الليل للاهتمام بأمّه العجوز. أمّه التي ما زالت تنتظر أبيه الإسكافي الذي اختفى بطريقة غامضة منذ عشرين سنة.
ولكي تكتمل الكوميديا السوداء، تأتي الناشطة الاجتماعية «كارمن» (ميلوني دياز) لتقنع «ماكس» بتوقيع عريضة لوقف تنفيذ المشروع التجاري الذي يهدّد بهدم البيوت والدكانين القديمة في المنطقة، ومنها دكانه. لكن رغم فرح «ماكس» بالخبر، هو الذي يحلم بأي فرصة للهرب من هذه المهنة والحياة المملة التي يمقتها، يوقّع فقط لإرضاء الشابة الجميلة. لكن اكتشافاً مذهلاً سيغيّر نظرة الشاب إلى مهنته، وذلك بعد تعطّل آلة خياطة الأحذية أثناء عمله على حذاء أحد رجال العصابات. عندها، يضطر إلى الاستعانة بالآلة اليدوية القديمة خوفاً من تهديده بالقتل في حال عدم إنجاز العمل في الوقت المحدّد. غير أنّ الزبون لا يأتي، فيخطر لـ«ماكس» أن يجرّب الحذاء، فتكون المفاجأة أنّه يتقمص في جسد صاحبه، ليكتشف بعدها أن السحر مصدره الآلة القديمة، فكلّما خاط حذاءً بواسطتها وقام بارتدائه تقمص شخصية زبون مختلف. هكذا، يمضي «ماكس» أيامه وهو يتجوّل في المدينة مع حقيبة ضخمة من الأحذية، متقمّصاً شخصيات مختلفة مع كلّ حذاء يبدّله، ومتحوّلاً من مراهق إلى شاب وسيم، ثم إلى رجل عجوز أو حتى إلى مومياء مع انتعال أحذية الموتى. ويكتشف أيضاً المنافع التي تتأتّى عن هذه القدرة العجيبة، كما حين يرتاد أحد المطاعم الفخمة، فيغيّر حذاءه بعد الأكل ويخرج بصفته شخصاً آخر من دون دفع الفاتورة، أو حين يتقرّب من حبيبة جاره الجميلة منتحلاً صفته. إلا أنّه لسوء حظّه، يضطر «ماكس» للانسحاب في اللحظة الأخيرة بعدما تدعيه للاستحمام معها وينتبّه إلى أنّه سيكون عليه خلع الحذاء لفعل ذلك.
رغم طرافة هذه المواقف، لا تتمتّع الجمل الحوارية بحس الفكاهة نفسه، إضافة إلى أنّ آدم ساندلر لا ينجح في إقناعنا بشخصية الإسكافي الذي يؤديها، ولا بباقي الشخصيات التي يتقمّصها. وقد يعود ذلك إلى ضعف في البناء الدرامي للشخصيات، لكن هناك أيضاً عدم قدرة ساندلر على اللعب على التناقض ما بين الجدية والسخرية المضمرة التي يتطلبها هذا الدور.
إجمالاً يبدو الفيلم حائراً ما بين الدراما والكوميديا، ولا يبرع فعلياً في النمطين، ويذهب في ما بعد نحو التشويق الاستعراضي، إذ يعيش «ماكس» سلسة من المغامرات العبثية من بعد تقمّصه شخصية «رجل العصابات» ويتصدّى لامرأة الأعمال (إيلين باركين) التي تود حرق المبنى القديم للتخلّص من الساكن العجوز الذي يرفض المغادرة ويمنعها من تنفيذ مشروعها التجاري. هذا بالإضافة إلى النهاية الطريفة لولا أسلوبها الميلودارمي عندما يكتشف «ماكس» أنّ جاره الحلاق ليس سوى أبيه المتقمّص في حذاء ذلك الأخير، ويسلّمه الثروة الضخمة التي تركها له من أحذية تعود إلى أبرز الشخصيات، كما يزوّده بالمخللات التي تشكّل الغذاء الأساسي للإسكافيين المتقمّصين الذين يحكمون العالم في الخفاء.
هناك عناصر طريفة عدّة في الفيلم كان يمكن استغلالها جيّداً لكن الحبكة الروائية تبدو مشتتة، كما أنّ المخرج يفشل في المزج بسلاسة بين الفانتازيا والتشويق والكوميديا، ولا يرقى هذا الشريط إلى مستوى أعماله السابقة كما فيلم «الزائر» (2008). وتأتي النتيجة النهائية مخيّبة رغم وجود ممثلين بارزين مثل داستين هوفمان وستيف بوشيمي.