في انتظار المزيد من جولات الحوار بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب سعد الحريري، انشغلت الأوساط السياسية أمس بعملية تدقيق في ما أدّت إليه الاجتماعات السابقة، وخصوصاً أن النقاط العالقة لم تجد حلولاً لها بعد. وتقدمت الى الواجهة المشكلة المتعلقة بالموقع المسيحي من التسوية، في ظل ضغط من جانب “القوات اللبنانية” لرفض تسوية لا تعطي مسيحيي السلطة الموقع المتقدم على غيرهم. ومع أن بري عمل امس مع السفيرين السعودي والمصري على جوانب خارجية من الملف، إلا أنه واصل تفاؤله ونُقل عنه قوله إن ما يجري من محادثات لا بد وأن يقود الى حل، أعرب عن أمله أن يتم التوصل إليه قبل القمة العربية المقررة في الرياض في نهاية الشهر الجاري. وقال إن الحديث عن توجه وفد لبناني الى السعودية لإعلان اتفاق ليس سوى اقتراح قديم ولا علاقة له بمحادثاته مع الحريري.
ورغم ان مناخ التفاؤل ظل قائماً، عاد الطرفان أمس ليجددا التمسك بمواقفهما. وقال مرجع في المعارضة إنه لا تنازل عن مطلب “الثلث + واحد”، مؤكداً على ضرورة أن تكون هذه حصة صافية للمعارضة، وأن يكون بداخلها 5 وزراء لكتلة العماد عون كحصة صافية أيضاً. في المقابل، نقل عن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، قوله للنائب الحريري في اجتماعهما إنه “لا مجال لمنح المعارضة الثلث المعطل ولا مجال لمنح العماد عون الحصة الأكبر من المسيحيين”.
كما أن مصادر الجانبين لم تشر الى تفاصيل عن أي تقدم جدي. وقالت مصادر المعارضة إن الحريري لم يبلغ بري بعد موافقة صريحة على مبدأ الثلث المعطل. في المقابل، تحدثت مصادر 14 آذار عن استمرار التعمية من جانب المعارضة عن حقيقة موقفها من ملف المحكمة الدولية.
لكن النقطة الابرز في البحث الذي لم يصل بعد الى أي نتيجة، تركزت على “سبل إنتاج تسوية لا تهدّد نفوذ أي من الطرفين داخلياً أو مع الحلفاء الخارجيين”، على حد تعبير مصدر دبلوماسي معني أوضح أن لدى بري “تفويضاً من قوى المعارضة، لكنه محكوم بسقف معيّن، والحريري نفسه تلقى اعتراضات وتذكيراً من حلفاء له في 14 آذار بضرورة عدم التفريط بحقوق المجموعة ككل”.
قانون الانتخابات
وعلمت “الأخبار” أن ثمة ضغطاً جدياً من العماد ميشال عون وآخرين من قوى المعارضة لكي لا يتم إنجاز التسوية من دون التوافق المسبق على قانون الانتخابات.
وبعدما كان الرئيس بري أورد في رسالته الخطية الى القيادة السعودية بنداً عن إنجاز الحكومة الجديدة قانوناً جدياً للانتخابات “في أسرع وقت ممكن”، تحدثت المصادر المعنية عن تبلغ بري من جانب الشركاء في المعارضة، مسلمين ومسيحيين، أنه لا بد من فرض إقرار القانون كما هي الحال بالنسبة إلى المحكمة الدولية. وقال عون ومعه الوزير السابق سليمان فرنجية، بحسب المصادر نفسها، إنه لا يمكن القبول بأي تسوية لا تتضمن إعلاناً صريحاً وآلية تقر قانون الانتخابات في الوقت نفسه مع التعديلات على مشروع المحكمة الدولية والتوزيع الجدي للحقائب الوزارية.
وقالت المصادر إن توافقاً حصل بين قوى المعارضة على هذا الامر، مشيرة إلى ان الحديث يدور حول جعل بند القانون الانتخابي في جدول أعمال اللجنة المشتركة المقترحة بين فريقي السلطة والمعارضة لإيجاد الحل، على ألا يترك ملف الانتخابات الى وقت لاحق لأنه ليست هناك ضمانات بإقراره لا سريعاً ولا ضمن مهلة معينة. وأوضحت أن “المسيحيين، على اختلافهم، ذاقوا الأمرّين من لعبة الوعود هذه، وبالتالي لا بد من التثبت من الأمر في الوقت نفسه مع النقاط الاخرى”.
وعلمت “الأخبار” أن قيادة حزب الله أبلغت الرئيس بري أنها “تريد تسوية تحظى بموافقة عون وفرنجية، ولا ضرورة لمراجعة الحزب بمطالب الفريق المسيحي في المعارضة، وهو يوافق على ما يوافق عليه هذا الفريق ويرفض ما يرفضه. كما ان حزب الله غير معني بالضغط على رئيس الجمهورية في ما يتعلق بموقفه”.
الفيصل
وفي الرياض، لم يستبعد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عقد لقاء مصالحة للمعارضة والأكثرية في العاصمة السعودية وإن نفى أن يكون اجتماع كهذا قد تقرر فعلاً. وقال، بعد لقائه المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، “إذا كان حضورهم إلى هنا سيؤدي إلى إيجاد الحل الذي يكفل مصالح الجميع والهدوء والاستقرار والنمو للبنان فبطبيعة الحال سيكون مرحباً بهم”.
أما سولانا، الذي يزور دمشق اليوم، فقد أكد من جهته دعمه للجهود السعودية في لبنان. وقال إنه سيعود إلى الرياض لإبلاغ الملك السعودي عبد الله بنتائج مباحثاته مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وكانت وكالة «فرانس برس» قد نقلت عن سفير عربي في الرياض قوله إن اللقاء اللبناني في السعودية سيكون “تتويجاً لاتفاق بين المعارضة والاكثرية النيابية”.
وقالت مصادر قريبة من بري إن سولانا أبلغه عندما التقاه أول من أمس ان المجموعة الاوروبية كلفته مساعدة لبنان على تخطي ازمته الراهنة. وتوجه سولانا إليه قائلاً “أُبلغت أنك تعمل على إنجاز تسوية للأزمة اللبنانية قبل القمة العربية، وهذا عين الصواب، ونحن نشجع على استكمال هذه الخطوة في هذا الاتجاه”. وأضاف سولانا “أعتقد أنك صاحب نظرية س ـــ س (سوريا ـــ السعودية)، ونحن الأوروبيين سنعمل على استعادة العلاقة الطبيعية مع سوريا بعد قطيعة دامت سنتين، وسنتحدث مع المسؤولين السوريين في تهدئة الاجواء بين لبنان وسوريا”.
وتحدث سولانا عن المحكمة الدولية، فأكد لبري أن “الاتحاد الاوروبي يشجع على التفاهم اللبناني ـــ البناني لإقرارها داخل المؤسسات الدستورية حتى لا تقر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. هناك بدائل او مجال للبحث في بدائل”.
ورد بري بالتأكيد على أنه يعمل في هذا الاتجاه “ونأمل أن نصل الى هذا الامر قبل انعقاد القمة العربية، ولكن عليك أن تقنع صديقك (الرئيس) فؤاد السنيورة لأن سياسات حكومته هي التي حالت حتى الآن دون إقرارها بوفاق لبناني”.