strong>انقـلاب دسـتوري فاشـل لـ 14 آذار وجنبـلاط يتراجـع والحريـري يعـود طالبـاً استئنـاف الحـوار
منع الرئيس نبيه بري امس انفجاراً كاد يطيح كل شيء في البلاد، ولاقته السعودية في منتصف الطريق مثنيةً على كلامه، الذي كشف فيه عن مسعى لفريق 14 آذار، مدعوماً من قوى دولية، لإسقاط مشروع الحل في لبنان وأخذه الى المجهول.
وبدل أن تدخل البلاد في سجال من النوع الذي تعوّدته منذ أشهر، فرض الكلام الصريح والعالي السقف، الذي قاله رئيس المجلس، مناخاً من الترقب دفع بالقائد الميداني لقوى 14 آذار، النائب وليد جنبلاط، إلى إلغاء مؤتمر صحافي كان ينوي فيه الدعوة الى احتلال نواب الموالاة مؤسسة المجلس النيابي، رداً على محاصرة السرايا الكبيرة، والذهاب نحو خطوات تصعيدية أخرى، بينها إقرار المحكمة الدولية من دون انتظار الآخرين، وتحويلها إلى ورقة أمر واقع أمام مجلس الأمن الدولي.
وبعدما فشلت المساعي التي بذلت ليل الاثنين الثلاثاء في منع استعراض الأكثرية النيابية في مجلس النواب، عمد الرئيس بري الى “بقّ البحصة” وكشف جانباً مهماً من وقائع الاتصالات التي جرت في الآونة الاخيرة، مقدماً العديد من العناصر التي تعكس التزام المعارضة بتسهيل كل ما يؤدي الى حل سريع، وحاصراً المشكلة في رفض فريق الأكثرية مبدأ المشاركة الكاملة للمعارضة في الحكومة الجديدة.
وفيما حرص بري على إبقاء الباب مفتوحاً أمام الحوار الجاري بينه وبين الحريري، سارع الجانب السعودي الى تبني كلامه والإشادة به، متمنياً على الجانبين استئناف الحوار في أسرع وقت ممكن. وعلمت “الأخبار” أن الاتصالات أثمرت توافقاً على عقد لقاء سريع بين الرجلين اثر عودة الحريري أمس الى بيروت، علماً بأن بري أبلغ الجانب السعودي أن من المفيد عدم ترك الحوار على ما كان عليه والعمل لأجل بت الأمر الخلافي الاخير، وهو ما أعرب السعوديون عن تفهمهم له. كذلك علم أن البيان الذي وزعه السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة عكس توجهاً من أعلى المستويات في المملكة.
ونقل زوار بري عنه ترجيحه أن تكون الأيام الفاصلة عن موعد القمة العربية حافلة بتطورات تصب في مصلحة التوصل الى حل نتيجة مساع سعودية حثيثة لدى الفريق الاكثري الذي ظهر للعيان أمس أنه هو من يؤخر هذا الحل. وقال معارضون إن بري طلب من الجانب السعودي ضمانات بتقدم واضح من جانب الحريري وفريقه باتجاه الإقرار بتأليف حكومة على قاعدة 19 + 11.
تحرك الأكثرية
وكان نواب فريق 14 آذار قد نفذوا امس “غزوة ساحة النجمة”، حيث قاد جنبلاط اكثر من اربعين نائباً سعوا للدخول الى الهيئة العامة للمجلس النيابي وعقد جلسات نيابية ضمن برنامج يهدف الى عقد جلسة بحضور 71 نائباً وبرئاسة نائب الرئيس فريد مكاري يوم الثلاثين من الشهر الجاري اثناء وجود الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيروت، وإبلاغه أن غالبية النواب تريد إقرار المحكمة الدولية وأنه يمكن الأخذ باجتماعهم والسير بالإجراءات، من دون انتظار أي مصادقة من نوع مختلف.
وقد تكشفت هذه الخطة لدى رئيس المجلس وآخرين من قيادة المعارضة خلال الايام القليلة الماضية، بعدما “ضبطت” مراسلات قام بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وآخرون من فريق 14 آذار الى الامانة العامة للأمم المتحدة وبعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وذلك رداً على رفض روسيا والصين إقرار المجلس الأممي المحكمة تحت الفصل السابع أو دون الحصول على موافقة لبنانية وفق الاصول الدستورية.
وقالت المصادر إن بري كان قد لفت انتباه الحريري الى مخاطر تحرك أمس، ولما نفى الأخير علمه بهذا التوجه، طالبه رئيس المجلس بأن يكون الاجتماع رمزياً وتوافق معه على ذلك. وتلقى بري من الحريري، بحسب المصادر نفسها، وعداً بأن الاعتصام سيقتصر على نحو 12 نائباً يمثلون قوى 14 آذار فقط. لكن الحريري وعد بري أيضاً بتثبيت هذا التوجه ووضعه في الأجواء لاحقاً، لكنه لم يعاود الاتصال وهذا ما زاد من شكوك رئيس المجلس.
وتابعت المصادر أن بري انتظر حتى الحادية عشرة والثلث قبل ظهر امس، عندما تبلغ أن عدد النواب المحتشدين في المجلس فاق أربعين نائباً بقيادة جنبلاط، فقرر عقد مؤتمره الصحافي الذي أورد فيه وقائع الاتصالات وأذاع نص مشروعه للاتفاق.
وتضمن هذا المشروع “موافقة المعارضة على مشروع المحكمة ومناقشته بكل إيجابية توصلاً الى إقراره من خلال تأليف لجنة من الموالاة والمعارضة، تعمل ايضاً على توزيع الحقائب في الحكومة الجديدة. ويرفع المشروعان من لجنة الاربعة الى المدعوين في السعودية لأخذ تواقيعهم جميعاً على المحكمة والحكومة، وهم أركان طاولتي الحوار والتشاور”. ويضيف المشروع أنه “بعد العودة الى بيروت يعرض مشروع المحكمة بصيغته الجديدة على الحكومة الموسعة في حضور رئيس الجمهورية وتوقيعه، بعد إلغاء النشر القديم (في الجريدة الرسمية) والموافقة عليه من دون أي مناقشة، ثم يدعو رئيس المجلس النيابي الى جلسة لمجلس النواب من دون المرور باللجان النيابية، ويرسل القانون بعد توقيعه من رئيس مجلس النواب الى رئيس الحكومة الذي يوقعه كما يوقع الوزراء”.
وقال بري إن المشروع يتناول ملف الحكومة على أساس “موافقة الموالاة على تأليف حكومة وحدة وطنية موزعة على الشكل الآتي: 19 للموالاة و11 للمعارضة، وأن تضمن المملكة العربية السعودية هذا الحق، كما يتعهد كلا الطرفين بعدم تقديم استقالة وزرائهما أو غيابهم عن الحكومة بما يؤدي إلى اعتبارها مستقيلة او معطلة ويوقع الجميع على هذا التعهد”. أما في ما يتعلق بقانون الانتخابات، فإن مشروع بري يقول بـ“إحالة مشروع القانون، الذي توصلت إليه لجنة فؤاد بطرس، سريعاً من الحكومة الى المجلس النيابي، لكي يناقش ويكون هو الاساس، وبمعنى آخر التعجيل في وضع قانون انتخابات”.
كذلك عرض بري ما وصفه بخطة الفريق الآخر لتمرير مشروع المحكمة من دون تعديل. ونفى مراراً أي صلة لسوريا بالأمر، وتحدث عن تأثر الآخرين بوصايات خارجية متعددة.
جنبلاط
وكان جنبلاط قد هاجم بري في وقت سابق، قائلاً إنه “لم يحضر ونريده أن يحضر، وألا تكون هناك دول لتملي عليه خطف المجلس، لا إيران ولا سوريا”. وأضاف أن الحوار بين بري والحريري “لم يعط النتيجة الأساس حتى هذه اللحظة... لكن هنا مركز الحوار، وهنا مركز القرار، وهنا مركز القوانين ونحن لن نقبل إلا بالملاحظات الشكلية على المحكمة الدولية ونرفض الملاحظات الجوهرية جملة وتفصيلاً”. وشدد على “أننا سنعود، وسنبقى هنا في هذا المجلس في الاسبوع المقبل، وهنا سننتخب رئيساً شرعياً للجمهورية بعيداً عن رئيس الوصاية الذي فرضه النظام السوري”.
وتدارس قادة 14 آذار امس في إصدار “رد موحد” على رئيس المجلس.
استياء سعودي
لكن جنبلاط أعلن لاحقاً إلغاء مؤتمره الصحافي بعدما تناهى إليه استياء سعودي عكسه تعليق السفير خوجة على كلام بري بقوله إنه “كلام مسؤول صادر عن رجل دولة يعرف أبعاد كل ما يقوله ولم يعتد على أحد ولم يوجه كلاماً قاسياً الى أحد. كما انه أوضح الأمور كلها ووضع النقاط على الحروف، وأكد استعداده للحوار وإيمانه بأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلد”.
وعلم أن ما أعلنه خوجة كان بتوجيه من الملك السعودي عبد الله لأن القيادة السعودية تلقت باستياء بالغ “العرقلة الاكثرية” لمشروع الحل، الذي يعمل بري والحريري على بلورته من خلال الحوار الدائر بينهما.
كذلك، أعلن مصدر رسمي سعودي في الرياض وجود “تفاؤل سعودي بأن يتم التوصل الى اتفاق في لبنان لتسوية الازمة السياسية الحادة بين الحكومة والمعارضة قبيل موعد القمة العربية ما سيسمح بمشاركة وفد لبناني موحد ومتفق عليه” فيها. لكن المصدر نفسه، الذي امتنع عن الإدلاء بتفاصيل عن نتائج الاتصالات التي تجريها السعودية في بيروت للتقريب بين الافرقاء اللبنانيين، قال “يجب ان نكون حذرين، فمن الممكن ان تتعرقل الامور في اللحظة الاخيرة”. وأضاف “ان ما نراه وما نسمعه يدفع نحو التفاؤل، لكن المهم هو الاتفاق على النقاط الاخيرة وهذه في العادة تكون حساسه ودقيقة”.