من المتوقع أن يقول جمال بن عمر، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، لمجلس الأمن الدولي في جلسة اليوم، وفقا لمعلومات مؤكدة خاصة، أن الأزمة الإنسانية المستفحلة هي أهم ما تمخضت عنه الحملة العسكرية الخليجية الجارية بمساعدة الولايات المتحدة، فضلا عن تمكين تنظيم "القاعدة" من كسب نفوذ ومساحات ما كان يحلم بهما. وسيؤكد أن القاعدة يستفيد من عسكرة الوضع اليمني بصورة مباشرة وغير مباشرة حيث أن المعونات العسكرية والمالية تسقط في يد التنظيم من عدة جهات، بينما تقوم عصاباته بالسطو على المصارف كما فعل "داعش" الذي فتح بدوره فرعا له في اليمن.
وسيركز أيضا على أن العملية السياسية لم تفشل، بل جرى تفشيلها بقرار قضى بعرقلتها من قبل جهات لن يسميها، لكنه كان قد سماها في حواراته الإعلامية وهي حزب التجمع اليمن للإصلاح القريب من السعودية الذي وصفه بأنه "يراوغ وينافق"، وأنه "يضيع الوقت ولا يريد التوصل إلى حلول نهائية".
بن عمر الذي يقدم آخر إحاطة له عن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢١٦ بعد تعيين الموريتاني إسماعيل ولد شيخ أحمد مكانه، سيتحدث عن الحاجة الماسة إلى مبادرة سياسية عاجلة تنقذ اليمن من حرب طويلة لأن الصراع بحسب تقييمه انتقل من المحلي اليمني إلى الإقليمي والدولي، ولا سيما بعد عاصفة الحزم التي تقودها السعودية بمشاركة دول متحالفة معها. وسيعرب عن خشيته من أن تتحول الأزمة الإنسانية إلى كارثة تجعل اليمنيين نهبا للتنظيمات المتشددة، وتعدي دول المنطقة، وترفع مستوى التطرف فيها.
لذلك سيدعو إلى مشاركة إقليمية فعالة في أي حوار أو خطط إنقاذ يفضل أن تكون برعاية دولية وبتدخل مباشر من الدول النافذة. موقف لن يسرّ دول مجلس التعاون الخليجي التي ما زالت تراهن على استسلام تام للحوثيين تحت وطأة الضربات باسم جديد بدلا من عاصفة الحزم التي فشلت.
بن عمر سيضع أعضاء المجلس بما توصلت إليه المفاوضات الأخيرة قبل تعليقها عند بدء الهجوم السعودي. وكان المستشار الخاص قد عقد اجتماعات في أوائل الشهر الحالي مع مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومع الدول العشر غير الدائمة العضوية على نحو منفصل. وقال في تلك الاجتماعات إن التوافق كان شاملا في كافة الأمور عدا موضوع الرئاسة وعلى ترتيبات تقاسم السلطة.
والمتوقع أن يسأله أعضاء المجلس في جلسة المشاورات الأخيرة عن عواقب التطورات العسكرية، وعن تأثيرها في نتائج الحوار المتوقف. وسيطلعهم أيضا على المبادرات التي قدمتها الدول، ولا سيما المبادرة الإيرانية والمبادرة العمانية ونتائج اتصالاته في كل من الدوحة والرياض. وكانت السعودية وقطر قد أعربتا عن عدم رضاهما عن الدور الذي أداه بن عمر في المفاوضات، والذي أظهر حيادية دون انحياز للفريق الذي تدعمانه. وهو ما جعل الخليجيين يشنون حملة إعلامية عنيفة ضده ويتهمونه بالانحياز إلى جماعة "أنصار الله"، الذين لم يكونوا يثقون به تماما أيضا. وفي النهاية، وبرغم أن بيان مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦ الذي قدمته دول مجلس التعاون الخليجي والأردن بدعم غربي أعرب عن دعمه لمهمة المستشار الخاص للأمين العام جمال بن عمر، قادت السعودية في الأمم المتحدة حملة منسقة من أجل تبديله وقيل إنها ربطت تقديم ٢٧٤ مليون دولار لبرنامج الإغاثة الدولية بإزاحة بن عمر. وهو ما حصل عندما طلب من بن عمر التنحي عن مهمته. ووعدته الأمم المتحدة بمنحه دورا جديدا سيحدد في الأيام القليلة المقبلة.
أما خليفته إسماعيل بن ولد شيخ أحمد، الموريتاني، فهناك الكثير من علامات الاستفهام التي تحوم حوله. من ضمنها أنه قبل توليه منصبه الجديد، لم يفصح عن ثروته رسميا كما تقتضي الأعراف الأممية. وهو لم يفعل ذلك حتى عندما عمل في برنامج مكافحة الإيبولا أو عندما كان مساعدا لطارق متري، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة مساندة ليبيا. هذا مع العلم أن من شروط تولي أي منصب دولي أن يفصح المتقدم له عن كامل ثروته في بلاده وخارجها. وفي حالة ولد شيخ أحمد هناك دلائل كثيرة على متانة علاقات التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي تجعل حياديته موضع شك.
روسيا ومعها دول أخرى في مجلس الأمن مثل الصين وفنزويلا وأنغولا تدعو إلى أن تقود الأمم المتحدة العملية السياسية والحوار في المرحلة المقبلة، لكن الدول الغربية والخليجية تتحفظ بناء على أن زيادة دور الأمم المتحدة سيقوض شرعية الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، الذي ستتراجع سلطته ولا يعود قادرا التأثير حين يلزم. علما بأن هادي بات معتمدا كليا على الدعم الخليجي السياسي وبالمال والسلاح والغارات. وبالتالي فإن ولد شيخ أحمد سيكمل الدائرة، لكونه أيضا غير قادر بحكم علاقاته التجارية على تخطي دول مجلس التعاون، وسينسق مع هادي بالكامل ووفقا للإرادة الخليجية. وبذلك سيعرقل أي حوار يكون فيه لأنصار الله كلمة تعبر عن قوتهم الحقيقية على الأرض وبين الأطياف السياسية اليمنية.
في جلسة اليوم، سيتم بحث التأثير السلبي للحصار البحري المفروض على اليمن بحجة منع تهريب السلاح على الحالة الإنسانية داخل البلاد. وكان مندوب روسيا فيتالي تشوركين قد أثار الإثنين الماضي في جلسة مجلس الأمن عن الوضع الإنساني السوري، موضوع تأثير الحصار المفروض على اليمن. وطلب فتح تحقيق أممي في الموضوع. ونبه إلى أن اليمن متجه نحو سيناريو سوريا ما لم يتم تدارك الوضع الإنساني الخطير فيه.
لكن دعوته لم تستجب من جانب الدول الغربية. ومن المتوقع أيضا أن يدعم جمال بن عمر الطرح الروسي في جلسة اليوم مقدما أرقاما ومعلومات دقيقة حول أهداف الغارات بضرب صوامع القمح والمزارع، ومصانع ومستودعات الأغذية ومحطات الماء والطاقة ومنع وصول الوقود، وتأثيرها السلبي على معيشة المواطنين. وهو ما نبهت إليه المنظمات الإنسانية الدولية. وإن كان سيتحدث أيضا عن تأثير قتال الأحياء بين المجموعات المسلحة المختلفة على سلامة المدنيين، ولا سيما في عدن ومحيطها.
بن عمر كان قد تحدث عن اليمن في عام ٢٠١٣ كقصة نجاح من قصص الربيع العربي، ونبه آنذاك إلى ضرورة معالجة الظواهر الصاعدة مثل حركة "أنصار الله" التي طلب فرض عقوبات عليها وعلى الرئيس علي عبدالله صالح بصفتهما معرقلين للعملية السياسية. وكان يتبنى حينها موقفا متطابقا مع الدول الخليجية التي راهن على أنها وحدها تستطيع مساعدة اليمن. وانطلق في رؤيته من دعم المبادرة الخليجية برعاية دولية. واستطاع بالفعل أن يدرج شخصيات على قائمة المقاطعة، لكنه لم يطلب إدراج زعيم "أنصار الله" عبدالملك الحوثي أو أحمد علي عبدالله صالح لكونه يدرك أن "أنصار الله" يمثلون فريقا مهما في تركيبة المجتمع اليمني ولهم قوة لا يستهان بها. أيضا لأنه كان إذا وضعهم تحت قائمة المقاطعة لا يستطيع النجاح في حواره. كان هذا ما أرادته السعودية وقطر اللتان بتعنتهما جرّتا البلاد إلى أتون النزاع المصيري القائم. وفي هذه الصورة لا يبقى سوى الميدان يحدد النتيجة، وربما كانت السيطرة على عدن هي المفتاح للحل بخروج منتصر. وعدم السيطرة قد يغرق البلاد في نزاع طاحن يقود إلى المجهول.