غزة، القاهرة ــ الأخبار
قدر الموت يلاحق الفلسطينيين بشتى الوسائل، والدماء المسالة على هامش القضية باتت سمة “بندقية الثورة”، التي يبدو أنها أسقطت من حساباتها وجود الاحتلال، وأصبحت فوهتها موجّهة إلى صدور أصحابها؛ فالقتل الإسرائيلي والاجتياح والاعتقال لم تعد كافية لإيقاذ الفلسطينيين من غيبوبة الفتنة، التي تهدد بإحراق الأرض ومن عليها.
أربعة شهداء سقطوا في اجتياح إسرائيلي لوسط رام الله، انشغلت القنوات الفضائية بنقل مشاهد حية منه إلى العالم. لكن الفلسطينيين في قطاع غزة كانوا خارج السمع. لم يعودوا معنيين، على ما يبدو، بالاحتلال. كانوا يتولون مهمة قتل من نوع آخر، هدفها ملتبس، إن لم يكن مشبوهاً، وأفقها أسود.
سبعة قتلى وأكثر من 60 جريحاً هي حصيلة آخر موجات جنون الاقتتال الداخلي الفلسطيني. سقط معظمهم من صفوف الحركتين الرئيسيتين على الساحة الفلسطينية، “حماس” و“فتح”، اللتين تتصارعان على السلطة. لم توفّرا حتى المتظاهرين المحتجين على صراعهما؛ فقد فتح المتقاتلون النار عليهم ليصرعوا شادي أبو عصر (23 سنة) ويصيبوا 15 شخصاً.
أما المواجهات الأكثر ضراوة، ودموية، فقد دارت رحاها في بيت لاهيا وجباليا، حيث قتل العقيد في الأمن الوقائي محمد غريّب (50 عاماً) ومرافقه محمد جبر خليل بعد محاصرة منزله، وأمين سر حركة «فتح» في شمال القطاع حسين أبو هليل (45 عاماً)، إضافة إلى عضو القوة التنفيذية أيمن صبح (26 عاماً)، والمدنيين إيهاب يوسف المبحوح (28 عاماً)، وأحمد سهيل الشوربجي (18 عاماً).
في المقابل، سعت حركة “الجهاد الإسلامي” إلى وضع حد للاقتتال الداخلي، مهددة بإنزال عناصرها إلى الشارع لفض الاشتباكات. وعقد لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، مساء أمس، بحضور الوفد الأمني المصري، لمحاولة وقف الاقتتال.
في هذا الوقت، طالب هنية “جميع المسلحين بالانسحاب من الشوارع وإنهاء المظاهر المسلحة فوراً وإبعاد شبح السلاح عن الشوارع ومقتضيات العلاقات الفلسطينية ــ الفلسطينية لأن الدماء الفلسطينية عزيزة وغالية”.
ورغم عدم تأثير عدوان رام الله على الوضع الداخلي، إلا أنه كان حاضراً بقوة في القمة المصرية الإسرائيلية في شرم الشيخ، التي ظللتها الخلافات على الأولويات، وغابت عنها، إعلامياً على الأقل، كل الملفات التي كان من المقرر أن تبحثها؛ فبينما أصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على “إيقاف العمليات الإرهابية الفلسطينية لإحياء عملية السلام”، شدد الرئيس المصري حسني مبارك، خلال مؤتمر صحافي مشترك، على أهمية معاودة استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط باعتبارها الضمان الوحيد للأمن والاستقرار.
ورفض مبارك ربط إسرائيل استئناف عملية السلام بإيقاف إطلاق صواريخ القسام. وقال “لا يجب إيقاف عملية السلام لأن شخصاً أو اثنين قاما بإطلاق الصواريخ”، مضيفاً انه “يجب ألا نعير موضوع إطلاق الصواريخ اهتماماً كبيراً، فالسلام يستحق كل تضحية».
وقال أولمرت، في معرض رده على سؤال عن تصريحه في ألمانيا الشهر الماضي عن امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية، إن “إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تدخل أسلحة نوويةالى المنطقة، ومثلما قلت سابقاً، فإن إيران هي العنصر الذي يهدد المنطقة عن طريق إدخال أسلحة نووية تشكل تهديداً لإسرائيل ولمصر ودول أخرى”.
ولكن مبارك جدد دعوة بلاده إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. وحذر من خطورة بروز سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
وعن إمكان استئناف مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، قال مبارك «أنا أعرف أن لدى إسرائيل شكوكاً في النوايا السورية، إلا أنه إذا تقدمت سوريا بمقترحات فلا يجب رفضها. يجب أن نبدأ المفاوضات”. وأضاف ان “الحل الوحيد هو الرد على المبادرة؛ فالجمود ليس حلاً بل خطر”.