مبـادرة رئيـس المجلس: 5 بنـود تلقّـاها الحريـري ببـرودة وعطّلهـا السـفير الفـرنسي بواسـطة جنبـلاط

نقولا ناصيف

تتجه قوى المعارضة اليوم الى بت جدول أعمال المرحلة المقبلة. ويُعقد قبل الظهر اجتماع موسع في دارة الرئيس ميشال عون في الرابية بعد آخر تحضيري عقد مساء أمس في حضور ممثلين عن قوى المعارضة، ومشاورات قيادية مع القوى النقابية التي تستعد بدورها لوضع برنامج تحرك واسع.
يجري ذلك وسط مناخ لا مبادرات محلية ولا عربية وشيكة فيه، وحيث تبدو المواجهة متروكة للشارع، وليس ثمة من يجزم بأن الضمانات التي حالت حتى الساعة دون إقفال الطرق وشلّ المطار والمرفأ ستصمد طويلاً. الصورة قاتمة تماماً، ومرشحة لأن تكون أسوأ. وإذا عزمت الغالبية الحاكمة على انعقاد مجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس فريد مكاري في مكان ما لتعذّر الالتئام في ساحة النجمة تحدياً لرئيس المجلس نبيه بري ولفرض إرادتها في مشروع المحكمة الدولية أو في فتح استثنائي للمجلس خلافاً للأصول الدستورية، فلا ضمان إذذاك دون الانهيار الكامل.
يقول بري لـ“الأخبار”: “إذا فعلوا ذلك يكونون قد أطلقوا رصاصة الرحمة على اتفاق الطائف وأسقطوه نهائياً، بل أعدموه. وهم يعرفون ماذا يعني سقوط اتفاق الطائف ولماذا حصل اتفاق الطائف؟”. ويضيف: “على مرّ تاريخ لبنان هناك حكومة لامست التعرّض للدستور، لكن ليس ثمة حكومة انتهكت الدستور واستباحته على نحو فجّ كالذي تفعله الحكومة الحالية”.
رئيس المجلس الذي قرّر وضع مبادرته في الثلاجة وتجميد أي مناقشة لها، قرّر أيضاً أن يترك للغالبية أن تعثر على حل آخر بعدما استعجلت رفض مبادرة الحكومة العشرية الجديدة قبل أن تطّلع عليها. وهو يعتقد بأن عرقلة مبادرته نشأت عن دور سلبي اضطلع به ضمناً السفير الفرنسي برنار إيمييه.
وكان بري قد أثار مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مبادرته وشرح له الجهود التي بُذلت محلياً وعربياً في الأسابيع الأخيرة لتسوية المشكلة اللبنانية، فطلب الزائر التركي أن يتيح له فرصة مناقشتها مع الأفرقاء اللبنانيين الآخرين بعدما وجد فيها، كما قال لبري، عناصر إيجابية ومقبولة للحل. لكن رئيس المجلس، في ضوء سلسلة الاعتراضات المسبقة، رغب إلى محدثه في إبقائها مجمدة حتى إشعار آخر، ولفته إلى وجود سعي إلى إحداث فتنة سنية ــــــ شيعية، مؤكداً له أن أول الحل هو تصويب العلاقات السعودية ــــــ السورية. ورأى أن لتركيا ولأردوغان خصوصاً علاقات طيّبة مع جوارها كسوريا والعراق وإيران، وكذلك مع السعودية والولايات المتحدة بما يمكّنها من الاضطلاع بدور إيجابي لتسهيل حل المشكلة اللبنانية.
وقال له: “المشكلة الحالية هي أشبه بعمارة من ثلاث طبقات، أولى لبنانية، وثانية عربية عربية، وثالثة إقليمية دولية. وتالياً لا تستطيع الصعود إلى الطبقة الثالثة دون المرور بالثانية، ولا النزول إلى الأولى دون المرور بالثانية. وإذا شئت اختصار الطبقات الثلاث باثنتين، فهناك طبقة لبنانية وطبقة عربية عربية. وعندما تجلس السعودية يقف خلفها الأميركيون والفرنسيون، وعندما تجلس سوريا تقف وراءها إيران. وهكذا فإن المطلوب تسوية سعودية ــــــ سورية”.
بالعودة الى مبادرة بري فإنه يمكن تلخيص المراحل التي مرت بها بالآتي:
بعدما أخفقت مبادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ومغادرته بيروت في 21 كانون الأول، حاول رئيس المجلس طرح مبادرة بديلة، ما لبث أن كشف عنها الأحد 24 كانون الأول بعد مقابلته رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، على أن يطلقها في مؤتمر صحافي بعد عيد الأضحى، الثلاثاء 2 كانون الثاني 2007، وحدّد إطارها العام بحكومة عشرية تضم الأقطاب أو مَن يُنيبونهم عنهم (3 + 3 + 4)، على ألا يمسك أي من فريقي الغالبية والمعارضة بالثلثين المقرّرين والثلث المعطل. ورأى بري أن الوزراء الأربعة خارج حصتَي الغالبية والمعارضة هم من المستقلين لأنه لا محايدين في لبنان، وأعطى مثلاً عن شخصيات أرثوذكسية مستقلة لنيابة رئاسة الحكومة كالنائب غسان تويني والوزير السابق فؤاد بطرس، على أنهما رغم ميلهما إلى قوى 14 آذار فإن خبرتهما وحكمتهما تجعلهما يضطلعان بدور مستقل حقيقي وذي صدقية. وفي وسع كل من الغالبية والمعارضة أن يجد في الوزراء الأربعة المستقلين حلفاء له. وكان بذلك يقدّم أمثلة عن الوزير المستقل ليس إلا. إلا أنه شدّد في مسوّدة المبادرة التي كتبها بيده وتقع في صفحة واحدة وأقفل عليها في جارور مكتبه، على أن يكون الرئيس فؤاد السنيورة هو رئيس الحكومة العشرية رغم انقطاع اتصالاته به وخلافاته المتشعبة معه، عدا أن الوضع الداخلي يحتم أن يكون على رأس هذه الحكومة.
أما البنود الخمسة في مسوّدة المبادرة، فتضمنت الآتي:
1ــــــ المحكمة الدولية: بعد أن يصار إلى إلغاء نشر مشروعها في الجريدة الرسمية وإحالته إلى رئيس الجمهورية، يصار إلى درسه في الحكومة الجديدة وإقراره وسط ضمان بري هذا الإقرار بدون إبطاء. ويقترن بند المحكمة بفتح عقد استثنائي لمجلس النواب تأكيداً لضمان إقرار المشروع سريعاً والسير به، بضمان بري أيضاً، إلى حد المحاكمة نفسها لا الاكتفاء بدعم المشروع.
2ــــــ درس الحكومة الجديدة المشروع الاقتصادي والاجتماعي إلى مؤتمر باريس ــــــ3 وإقراره بدون إبطاء أيضاً نظراً إلى أهمية الهدف المتوخى منه.
3ــــــ إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يستمر التعاون مع الرئيس إميل لحود حتى نهاية ولايته لكونه يملك التوقيع الدستوري الملزم، وبرهنت الوقائع الأخيرة على مقدرته على تعطيل ما لا يوافق عليه أو يصار إلى تجاهل موقعه حياله. ولا يقتصر التعاون مع لحود على الحكومة الجديدة فحسب، بل يشمل أيضاً رئيس المجلس الذي لا اتصال ولا تعاون بينه وبين رئيس الجمهورية منذ وقت طويل.
4ــــــ إحالة مشروع قانون الانتخاب إلى مجلس النواب الذي يدرسه ويقرّه، ومن ثم يقرّر المجلس تقصير ولايته (لكونه صاحب الصلاحية القانونية) وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. ويعود قرار هذه الى المجلس والى الغالبية بالذات التي ترتئي بدورها تأييد انتخابات مبكرة أم لا، ما دامت تمسك بالأكثرية المطلقة داخل المجلس، وفي وسعها إذذاك فرض خيارها على الأقلية النيابية.
5ــــــ تعيين أعضاء المجلس الدستوري وإطلاق يده في العمل.
بذلك يكون الإطار الفعلي للمبادرة مجلس النواب المعني هو لا الحكومة العشرية بورشة العمل: إقرار المحكمة الدولية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وقانون الانتخاب وإمكان إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
فور بلورته بنود المبادرة هذه بعد عطلة الميلاد، اتصل بري بمسؤولين كبار في المملكة العربية السعودية وأطلعهم على خطته. ونُقِل الأمر إلى الملك عبد الله الذي أوعز إلى السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة العودة فوراً لمؤازرة رئيس البرلمان في مهمته. في الوقت نفسه أوفد بري معاونين له لإطلاع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والعماد عون على مضمون المبادرة، مع التمني عليهما إبقاءها سرية. وطلب أن يزوره السفيران الفرنسي برنار إيمييه وجيفري فيلتمان، على أن يلتقي السفير السعودي لدى عودته ويطلعه على تفاصيلها فينقلها الأخير إلى قوى 14 آذار.
استقبل بري السفيرين الفرنسي والأميركي تباعاً في 28 كانون الأول، وأبلغهما أنه في صدد مبادرة عرضها عليهما، قائلاً لكل منهما: “لا أريد منك إلا الآتي: إذا وافقت عليها حكومتك فلتعلن تأييدها لها في الإعلام على نحو تأييدها طاولة الحوار، وإذا رفضتها فلتقل ذلك”.
ردا فعل السفيرين أمام بري كانا متفاوتين: لم يُبدِ إيمييه ترحيباً مباشراً سائلاً عما آلت إليه مبادرة عمرو موسى كما لو أنها هي التي تجتذب اهتمامه، بينما وصفها فيلتمان بأنها “إبداع” مفضّلاً التريّث في إبداء موقفه إلى ما بعد التشاور مع حكومته، مع إظهار استعداده للتعاون.
في اليوم التالي وصل خوجة إلى بيروت مساءً، لكنه اتصل بعين التينة طالباً زيارة بري في اليوم التالي بدعوى الإجهاد من السفر. استغرب بري الأمر، لكنه استقبله في اليوم التالي.
في 29 كانون الأول تجمّعت لدى رئيس المجلس معطيات أفضت في تقديره إلى محاولة الغالبية تعطيل المبادرة قبل ولادتها:
1ــــــ نقل السفير الفرنسي في 28 كانون الأول إلى النائب سعد الحريري مضمون المبادرة، فنقلها الأخير بدوره إلى النائب وليد جنبلاط الذي رفضها لتوّه، وأطلق النار عليها ليلتذاك عبر قناة “العربية” التلفزيونية، واصفاً إياها بالـ“بدعة”.
2ــــــ في اليوم نفسه، 28 كانون الأول، بعدما كان قد تبلغ في وقت سابق نبأ استقبال الملك السعودي عبد الله وفد حزب الله في 26 كانون الأول، شعر جنبلاط، بالتزامن مع مبادرة بري، بأمر ما ربما يُطبخ ولا يصب في مصلحة الغالبية. وعزّز هذا الاعتقاد ما أبلغه السفير السعودي لبري لدى اجتماعه به في 29 كانون الأول، غداة عودته إلى بيروت، بأن الحريري كان مرتبكاً من مبادرة رئيس المجلس ورفضها، وأنه لمس هذا الارتباك من المصافحة.
3ــــــ صعّد جنبلاط من حملته على حزب الله عبر “العربية” واعتبره مشاركاً في سلسلة الجرائم التي سبقت أو تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. إذذاك لاحظ رئيس المجلس أن مخاوف حزب الله ربما كانت في محلها بعدما أخذ عليه سابقاً مغالاته في ربط المحكمة الدولية بالإرهاب الدولي واعتقاد الحزب بأنها ترمي إلى فتح ملفه هو لا الاكتفاء بكشف قتلة الحريري. وولّدت اتهامات جنبلاط اعتقاداً لدى بري بأن ما يطلبه الزعيم الدرزي وحلفاؤه يتجاوز المحكمة إلى جعلها مصيدة لحزب الله لإدانته. فقرّر تجميد البحث في مبادرة الحكومة العشرية، وطواها في جارور مكتبه من غير أن يكشف بنودها.
وهو لا يزال يقول إنه لن يناقش أمرها.
وكان بري قد رد أمس على تصريحات جنبلاط، فقال لإذاعة “الرسالة” التابعة لحركة “أمل”: “لا مسدس في رأسي ولا من يحزنون، ولست ممن يهددون. أنا كما أنا وكما تعهدني يا أخ وليد، لم أتغير لكنك أنت تغيرت، يا لخسارتي بك”.
المعارضة
في هذه الأثناء اجتمعت لجنة المتابعة لقوى المعارضة مساء امس وأعدّت مجموعة مقترحات لخطة تحركها الجديدة في مواجهة فريق السلطة، وسترفع إلى الإطار القيادي الذي يلتقي عند العاشرة قبل ظهر اليوم في دارة عون لإقرار هذه الخطة بكل تفاصيلها، مع وجهة واضحة لدعم الاعتصام المفتوح الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام قبل ظهر غد الثلاثاء أمام مبنى وزارة المال ــــــ مبنى الضريبة على القيمة المضافة عند تقاطع العدلية ــــــ تحويطة فرن الشباك وطريق النهر.
وفي المقابل تترقب المراجع الامنية بقلق هذه الخطوة يوم غد الثلاثاء بالنظر الى مدى وحيوية المنطقة التي ستشهد الاعتصام وفي مثلث حيوي جداً لوجوده عند تقاطع أساسي ومهم وفي منطقة تحتوي على الكثير من المؤسسات الحكومية والمقار الأمنية، وسيؤدي الاعتصام المفتوح فيها الى شلها كما سيسبّب زحمة سير اضافية، ذلك أن الاعمال والورش الكبيرة القائمة في المنطقة وفي اتجاه المتحف سبق لها ان سبّبت أزمات قائمة منذ مدة.
الحريري يبرّئ حزب الله
وخلافاً لاتهامات جنبلاط، برّأ النائب الحريري ساحة حزب الله في جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وقال: “إن حزب الله غير معني بالجريمة التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، لكنه اضاف: “نستغرب في الوقت ذاته أن تصر قيادات حزب الله على اعتبار المحكمة الدولية كما لو أنها مشروع دولي لمحاكمة الحزب”، وأسف “لأن يشكل حزب الله بقيادته السياسية وأجهزته الإعلامية وقدراته اللوجستية وإمكاناته المالية، رأس حربة في الهجوم المتجدد على باريس ــــــ3، وذلك خلافاً للتعهدات التي سبق لأمينه العام أن أرسل إشارات واضحة في شأنها، وقوله في غير مجال إنه لن يفرط بمؤتمر باريس ــــــ3”.