تحرّكـات تبـدأ بمقـرّ TVA مـروراً بالـوزارات والمـرافق وصـولاً إلى الإضـراب العـام المفتـوح
تدخل البلاد، بدءاً من اليوم، في جولة جديدة من المواجهة بين فريقي السلطة والمعارضة، بعدما أقرّت الأخيرة الخطة (ب) لتحركها التصاعدي، مؤكدة بذلك أنها ما تزال تملك زمام المبادرة بعدما ظنّت السلطة أن الاعتصام المفتوح في وسط بيروت هو سقف التحرك المعارض، فيما ردت عليها قوى “14 آذار” معلنة “مواصلة التصدي” لما سمّته “المحاولة الانقلابية المتجددة والدفاع عن اقتصاد لبنان ولقمة عيش ورفاه اللبنانيين”.
في ظل هذه الاجواء ينتظر أن تكون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إطلالة تلفزيونية قريبة يتحدث خلالها عن مجمل التطورات الجارية ويعلن مواقف المعارضة منها. وفيما يستقبل الرئيس عمر كرامي اليوم السفير الأميركي جيفري فيلتمان في لقاء يتناول هذه التطورات والموقف الأميركي منها، قال رئيس الجمهورية أمام زواره امس “بعد انتصار الديموقراطيين وموقف رئيسة مجلس النواب الاميركي الداعي الى سحب القوات الاميركية من العراق، إنه على ثقة بعودة شيء من التوازن الى السياسة الاميركية، بعدما استأثر المحافظون الجدد بكل القرارات الخارجية وخاضوا على أساسها حروباً لم تكن في مصلحة الشعارات التي حملتها”. وقال إن لبنان كان “أول من دفع ثمن هذه السياسة الانتقائية.. ودفعنا ثمن ذلك حروباً على أرضنا”.
التحرك العمالي
وإذ ينفذ الاتحاد العمالي العام تظاهرته واعتصامه أمام مقرّ الضريبة على القيمة المضافة، عند تقاطع العدلية ــــــ المتحف ــــــ فرن الشباك، اليوم، في باكورة سلسلة تحركات مطلبية قرّر تنفيذها، أعلنت المعارضة دعمها لهذا التحرك والمشاركة فيه بقوة.
وفي هذا الإطار، أشار أحد أقطاب المعارضة الى أن رئيس الحكومة والفريق الحاكم “أعطوا، بإقرارهم ورقة الإصلاحات الى مؤتمر باريس ــــــ3، مادة شكّلت جسر عبور سريع لقطار التحرك المعارض في مرحلته الثانية”، مكّن المعارضة من أن “تخاطب أولئك الذين تضلّلهم الأكثرية بشعاراتها وطروحاتها”، مضيفاً: “إن التحرك باتجاه الوزارات الذي قرّرته المعارضة سيكون في اتجاه التدرّج العلوي لا الأفقي فقط”، ومتسائلاً: “هل طويت صفحة المبادرات السياسية، المحلية والعربية، في ضوء ما احتواه بيان المعارضة؟”، وقال: “إن هذه المبادرات باتت مستبعدة”.
وعلمت “الأخبار” أن المعارضة تدرس جدياً وقف التعامل مع المبادرات، بما في ذلك التخلي عن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري المجمّدة، وقال مصدر بارز في المعارضة إن هذا الأمر ما يزال قيد الدرس وإن الرئيس بري ما زال يبدي بعض التحفظ على هذا الأمر. ولم يستبعد هذا المصدر أن تلجأ السلطة الى دعوة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى خلال اليومين المقبلين للعودة الى بيروت في إطار سياسة كسب الوقت التي تمارسها بغية إلصاق تهمة تعطيل المبادرات بالمعارضة على عكس ما هو حاصل.
وكشف المصدر أن المعارضة ستعمل، ابتداءً من اليوم، على تنفيذ سلسلة تحركات تصاعدية من اليوم وحتى 25 من الجاري موعد انعقاد مؤتمر باريس ــــــ3، ومن الافكار المرجح تنفيذها في الأسبوع الأول من خطة التحرك الجديدة، تحويل التظاهرات التي ستنطلق الى الوزارات وخصوصاً وزارات التربية والعدل والاقتصاد والمال والصحة، الى اعتصامات دائمة فيها داخل خيم وغيرها. أما في الاسبوع الثاني فسيطاول التحرك كل المعابر البرية والبحرية والجوية بما فيها المعابر الحدودية الشرقية والشمالية بين لبنان وسوريا، على أن تكون ذروة التحرك في الأسبوع الثالث بحيث توجه دعوة الى إضراب عام مفتوح يترافق مع خطوات لمنع تنفيذ مقررات مؤتمر باريس ــــــ3 إذا أصرت السلطة على انعقاده على أساس ورقة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرّتها.
سلطة انقلابية
وكان أركان المعارضة قد اجتمعوا في منزل رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون امس وقرروا خطة التحرك الجديدة ابتداءً من اليوم عبر “حركة يومية تصاعدية” تستهدف “الوزارات والمرافق العامة” لإسقاط الحكومة، وأعلنوا في بيان أصدروه بعد الاجتماع، تبنّيهم دعوة الاتحاد العمالي العام إلى الاعتصام اليوم أمام مقر “الضريبة على القيمة المضافة” التابع لوزارة المالية داعين “الى المشاركة فيه بكثافة”. وقرروا “تصعيد التحركات الشعبية وتحويل تظاهرة الثلاثاء (اليوم) الى حركة يومية تصاعدية في اتجاه كل الوزارات والمرافق العامة وصولاً الى تحقيق كل مطالبها”. وانتقدوا بشدة البرنامج الإصلاحي الذي أقرته الحكومة لتقدمه في مؤتمر باريس ــــــ3، وأوضحوا أن المعارضة، إلى جانب الاعتصام والتظاهر المتنقل، «ستواصل اعتصامها المفتوح في ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت”.
ورفض عون بعد الاجتماع تأكيد ما اذا كان التحرك في اتجاه الوزارات والمرافق العامة سيشمل المطار أو المرفأ. وقال: “تحركاتنا اليومية تمتد الى كل الوزارات والمرافق العامة، وهي عملية جراحية توجع ظرفياً لكنها تشفي المريض”. وأضاف: “إمعاناً في سياسة إفلاس الدولة وإفقار اللبنانيين جاء البرنامج في توقيت مشكوك فيه مرتبط بأسباب سياسية خارجية”. وأضاف “ان الحكومة اصبحت سلطة انقلابية على الدستور، ومن واجب اللبنانيين والمسؤولين التعاطي معها على هذا الاساس”، وقال: “أذكر السنيورة بأن دعم أميركا له لن يجعله بقوة اميركا (...) ولن يجعل منه رئيساً قوياً في لبنان”، معتبراً أن “الوصاية السورية رفعت عن لبنان وهي ليست إلا قشرة مقارنة بالوصاية العالمية التي تمارس علينا اليوم”.
... و“المحاولة الانقلابية”
وفي المقابل ردت هيئة المتابعة لقوى “14 آذار”، في بيان وزعته بعد اجتماع لها أمس، على تحرك المعارضة باتهام “حزب الله” وحلفائه بأنهم “يمعنون في سياسة التفرد والتعطيل والتأزيم والتصعيد”. وقالت إنه “تم استحضار القيادة الحالية للاتحاد العمالي العام التي يعود تركيبها الى عصر الوصاية، والتي ترعرع أفرادها في أحضان ضباط المخابرات السورية (...) لاستخدامها كواجهة نقابية ترفع الشعارات المطلبية الشكلية فيما يصطف خلفها مناصرو حزب الله وحلفائه الذين يتحركون وفق جدول أعمال سياسي بحت لا يمت بأي صلة الى الشعارات المرفوعة”. واتهمت حزب الله وحلفاءه بـ“زرع العراقيل ووضع العصي في دواليب مؤتمر باريس ــــــ3”، وقالت “إن هذا السلوك التفردي والتدميري الذي سينعكس سلباً على المصالح الحيوية لجميع اللبنانيين يأتي، ويا للأسف الشديد، هروباً الى الأمام واستكمالاً لمحاولات تعطيل قيام المحكمة الدولية خدمة للنظام السوري”، وأعلنت “مواصلة التصدي للمحاولة الانقلابية المتجددة والدفاع عن اقتصاد لبنان ولقمة عيش ورفاه اللبنانيين”.
وقالت مصادر موالية في قراءتها للبيان الذي صدر عن اجتماع المعارضة وحديث العماد عون بعد الاجتماع الذي عقد في دارته في الرابية فوصفته بأنه “متشنج”، وفي اطار خطة لتعطيل مصالح المواطنين ومعاملاتهم من دون أي رادع.
وقالت المصادر إن الموالين اليوم نزلوا الى الشوارع من قبل واعتصموا “لأهداف وطنية كبيرة منها المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان وإنهاء عهد الوصاية وإزاحة قادة النظام الامني”، لا “من أجل المشاركة في الحكومة بداية ومن ثم من أجل الثلث المعطل أو الضامن، وبعدها حتى استقالة الحكومة وأخيراً من أجل ضرب باريس ــــــ3”.
وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قد استقبل السفير فيلتمان وعرض معه الأوضاع العامة والتطورات، ثم ترأس اجتماعاً وزارياً تشاورياً استدعى إليه قائد الجيش العماد ميشال سليمان واستمع منه الى الإجراءات المتخذة اليوم لمواكبة الاعتصام. كذلك استقبل وفداً من قوى “14 آذار”، وعلى الاثر قال النائب انطوان زهرة باسم الوفد إن “أي محاولة احتلال أو اقتحام أو تعطيل أي مرفق رسمي أو قصر رسمي تسهم بتعطيل الحياة العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبنانيين، هي خط أحمر بالنسبة إلينا ومرفوضة بالكامل، وطلبنا أن تقوم الحكومة اللبنانية والقوى العسكرية والامنية بواجباتها كاملة في هذا المجال، فلا حياد في موضوع الحفاظ على المؤسسات”.
وعشية تحرك الاتحاد العمالي ترأس وزير الداخلية والبلديات حسن السبع، الاجتماع الدوري لمجلس الأمن المركزي، وأطلع المجتمعين على الإجراءات المتخذة إزاء الاعتصام العمالي اليوم وأكد “أن حرية التظاهر مصونة في الدستور”، طالباً من المسؤولين الأمنيين “حماية المشاركين ومواكبتهم في التظاهرة والاعتصام من جهة، وحماية الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على أمن المواطنين من جهة اخرى”. لكنه شدد على “عدم السماح لأي كان بقطع الطرقات أو الاعتصام بطريقة تحد من حرية الآخرين أو تحد من عمل المؤسسات العامة والخاصة”، داعياً الاتحاد العمالي العام إلى “ضرورة الالتزام بمضمون وأحكام القرار رقم 1024 المتعلق بأصول وقواعد تنظيم التظاهرات والاعتصامات”.
جنبلاط يرد على بري
من جهة ثانية، رد رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على رد الرئيس بري عليه أول من أمس، فقال في إطار حديثه الأسبوعي الى مجلة “الأنباء” الاشتراكية: “أدعو الأخ الرئيس نبيه بري الى أن يمارس دوره السياسي والتشريعي كاملاً، طالما لا مسدس في رأسه وطالما انه ليس ممن يهددون كما قال، فهو مسؤول عن مجلس النواب الذي يمثل الشعب اللبناني بمختلف اتجاهاته، وهذا المجلس هو الموقع الدستوري المناسب للحوار السياسي، فلماذا تعطيله؟”.