فرنسـا تعـدّ لمشـروع قـرار عن مجلـس الأمـن يخـوّل الحكومـة تجـاوز رئاسـتي الجمهوريـة والمجلـس
يدخل لبنان ابتداءً من يوم غد فصلاً جديداً من المواجهة السياسية الداخلية وذات البعد الخارجي، فيشهد الثلاثاء موجة جديدة ونوعية من التحرك المعارض الهادف هذه المرة الى إسقاط الحكومة والعمل على تكوين سلطة جديدة، بينما يستعد أركان الحكومة للسفر سريعاً إلى باريس مقابل دعوات فريق السلطة الى عدم المشاركة في التحرك.
يجري ذلك في ظل تواصل الجهود السياسية من خارج لبنان، إذ باشرت إيران تحركاً بين سوريا والسعودية في إطار السعي الى حل للأزمة اللبنانية، فيما تتجه فرنسا والولايات المتحدة نحو خطوات من شأنها تفجير الموقف في لبنان.
وعلمت “الأخبار” أن باريس تناقش مع الاميركيين والبريطانيين مشروع قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن الدولي يعتبر حكومة السنيورة حكومة لبنان الشرعية والناطقة باسمه والمخوّلة بت كل الأمور التي تخصه مع العالم، ما يتيح لها توقيع اتفاقية المحكمة الدولية مع الأمم المتحدة دون الحاجة الى توقيع الرئيس إميل لحود (الذي انتُخب خلافاً للقرار الدولي 1559) ومن دون انتظار المجلس النيابي الذي تعطله قوى سياسية لبنانية وخارجية. كما يناقش الفرنسيون احتمال توسيع مهمات ومناطق عمل القوات الدولية اضافة الى إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع.
وفيما أعلن إرجاء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسبب استمرار محادثاته في دمشق، دون أن تكون لزيارته صلة سلبية بما يجري في لبنان حالياً. لكن العاصمة السورية استقبلت امس، بشكل عاجل، رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني علي لاريجاني الذي نقل الى الرئيس بشار الأسد رسالة من نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، تتعلق بالأزمة اللبنانية وما يحصل في فلسطين. وعلم في هذا السياق أن الزيارة تأخذ في عين الاعتبار رغبة طهران والرياض في وضع دمشق في مناخ الاتصالات الجارية بينهما، وعدم القفز فوقها، وان السعودية بدأت تعمل على تحقيق توافق عربي عربي لضمان نجاح القمة العربية الدورية التي ستستضيفها الرياض أواخر آذار المقبل، ما يساعد على ترتيب علاقتها مع سوريا سريعاً.
وقالت مصادر إيرانية لوكالة “يونايتد برس إنترناشونال” إن لاريجاني أكد “دعم بلاده المستمر لحزب الله في لبنان مع السعي للحد من تصاعد الأمور في هذا البلد في اتجاه تحقيق توافق بين جميع الفرقاء”. وشدد على “أهمية الاستقرار في لبنان وعلى ألا تتدهور الأمور هناك لتؤدّي إلى فلتان أمني”.
تحرك الثلاثاء
إلى ذلك واصلت اللجان الداخلية في قوى المعارضة استعداداتها لتحرك الغد، حيث تقضي خطة المعارضة بإقفال جميع الطرق الرئيسية والفرعية في جميع المناطق اللبنانية من الشمال الى الجنوب والبقاع وبيروت، وستقطع الطرق بإطارات الدواليب التي جمعت من مختلف المناطق، وتواكب ذلك تظاهرات راجلة على مختلف المفارق والطرق، بحيث يتولى سكان المناطق قطع الطرق في مناطقهم من دون الانتقال إلى مناطق أخرى، بما يعوّض تدخل القوى الامنية لفتح الطريق في نقطة ما، وقطعها في منطقة أخرى لشل الحركة نهائياً.
وقد نشط امس قادة المعارضة في تعبئة قواعدهم، ودعا العماد ميشال عون إلى المشاركة بكثافة قائلاً إن “الفرصة متاحة” لمحاسبة الحكومة. وأضاف “اليوم الفرصة متاحة لمحاسبة الطاقم الذي اشترك في حكم لبنان ثلاثين عاماً”. وتابع “الحريرية حبل مشنقة... اقطعوه قبل أن يؤرجحكم”. أما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية فقال إن الإضراب سيكون مقدمة لتحركات اخرى، الى “أن يسقطوا” وأضاف “ابتداءً من الثلاثاء (غداً) سيرون أموراً لم يروها من قبل”، فيما تعهد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بأن المعارضة لن تتنازل عن أهدافها ومطالبها. وقال: “فعاليات المعارضة ستكون قوية ومؤثرة وكبيرة، والأهم من ذلك أننا لن نترك الشارع حتى تحقيق أهدافنا”. وأشار الى أن الإضراب “هو خطوة متدحرجة من مجموعة خطوات، ولن نخرج من الشارع إلاّ عندما يتحقق الهدف بإعادة تكوين السلطة عبر انتخابات مبكرة وسنصل إليه مهما طال الزمن، فنفسنا طويل وصبرنا طويل”.
من جانبه يعقد الرئيس فؤاد السنيورة اليوم مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه عن مؤتر باريس ــــــ3 وأهميته بالنسبة الى لبنان، ثم يتحدث عن التطورات الجارية في ضوء الإضراب الذي ستنفذه المعارضة غداً. وهو دعا القادة الأمنيين الى اجتماع استثنائي للبحث في الوضع الامني، والإجراءات الواجب اتخاذها في ضوء المعلومات التي توافرت عن اتجاه لدى المعارضة الى إقفال الطرق منذ ساعات الصباح الاولى قبل أن يتوجه المواطنون الى أعمالهم.
ودعا رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري اللبنانيين إلى عدم التجاوب مع دعوة المعارضة الى الإضراب العام غداً، وقال في بيان له: “إن يوم الثلاثاء يجب أن يكون يوماً عادياً بالعمل والإنتاج والدراسة”. وأشار الى أن الداعين الى الإضراب “يريدون تعطيل باريس ــــــ3 من بيروت، وبيروت لن تقفل أبوابها في وجه الحياة”.
وقال قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع: “إن الذي يحضّر له هو قطع طرقات أكثر مما يحضّر لإضراب عام”. وأوضح أن الحكومة “لن تغتال نفسها” بالرضوخ لمطالب المعارضة. ودعا الوزراء والنواب الى اتخاذ الاحتياطات اللازمة مكرراً خشيته من حصول مزيد من الاغتيالات السياسية.
من جهتها رفضت الهيئات الاقتصادية الإضراب “لأن أي محاولة لإفشال باريس ــــــ3 بمثابة ضربة قاصمة للاقتصاد اللبناني كله، وللثقة الدولية والعربية بلبنان”.
صفير
وبينما أخذ مفتي الجمهورية الشيخ رشيد قباني موقفاً الى جانب السلطة داعياً “كل المؤسسات الدينية في لبنان الى فتح أبوابها للعمل وممارسة أعمالها اليومية كالمعتاد الثلاثاء”، كان اللافت أمس موقف البطريرك نصر الله صفير الذي ساوى للمرة الاولى بين الموالاة والمعارضة، وقال: “إنهما تتشبثان بمواقفهما، سواء أكان صواباً أم خطأ، فيما البلد يتفتّت ويذوب، والناس كادوا يكفرون به وبالمسؤولين عن مقدراته، سواء أكانوا في موالاة أم معارضة. وكأن الأمر بالنسبة إلى كل منهما يقوم على إظهار أنه على حق، ولو خرب البلد، ومات الناس جوعاً”. وأضاف: “لقد آن الأوان، ومؤتمر باريس الثالث ينعقد، هذا الأسبوع، لإقالة لبنان من عثرته، أن يفكر المسؤولون اللبنانيون بمصير وطنهم ومواطنيهم قبل التفكير بمصيرهم الشخصي”.