منذ عام 2007، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من 22.44 مليار دولار في نهاية عام 2006 إلى 49.82 مليار دولار في نهاية عام 2014. في هذه الفترة أيضاً، واصلت حصّة الأجور من مجمل الناتج انهيارها لتبلغ حالياً 20% فقط بعدما كانت تبلغ أكثر من 55% في السبعينيات قبل الحرب وأكثر من 35% في التسعينيات بعد الحرب.
وفي هذه الفترة أيضاً وأيضاً، صرّحت المصارف عن أرباح معلنة بعد سداد الضريبة تتجاوز 11.5 مليار دولار، وارتفعت أسعار المساكن بنسبة تتجاوز 100%، وكذلك ارتفع التضخم بنسبة تفوق 41%، وتوصل البنك الدولي في دراسة سابقة له الى أن ريوع الاحتكارات التجارية السنوية باتت تمثل نحو 16% من الناتج، فيما تقدّر قيمة البيوعات العقارية السنوية بأكثر من 10 مليارات دولار. وفي هذه الفترة كذلك، ارتفع عدد اللبنانيين المهاجرين من متوسط سنوي يبلغ 15 ألف شاب في التسعينيات إلى 50 ألف شاب وشابة في السنوات الأخيرة، 40% منهم جامعيون وعمالة ماهرة، وبات اللبنانيون المهاجرون يموّلون الاستهلاك المحلي عبر تحويلات بما بين 6 مليارات و8 مليارات دولار سنوياً، في حين أن الأسر المقيمة باتت مديونة للمصارف بنحو 17 مليار دولار، منها 10 مليارات لشراء المساكن و1.5 مليار دولار لشراء السيارات و150 مليون دولار لتعليم الأبناء وتحضيرهم للهجرة.
أين عمّال لبنان من كل ما يجري؟ تُعدّ معدلات البطالة اليوم مرتفعة بصورة مقلقة؛ وتبلغ 34% في صفوف الشباب، وتصل إلى 18% في صفوف النساء، و14% في صفوف حملة الشهادات الجامعية. وخلال السنوات العشر المقبلة، من المتوقع أن يصل متوسط عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل إلى 23 ألف شخص سنوياً. وبهدف استيعابهم، ينبغي للاقتصاد اللبناني استحداث المزيد من الوظائف بمقدار ستة أضعاف ما يوفره حالياً، إلا أن هذا «الاقتصاد» القائم لم يوفّر سوى 3400 وظيفة جديدة فقط سنوياً، تتركز في قطاع التجارة (61%) والقطاعات الخدمية ذات الإنتاجية المتدنية (33%)، وبات نصف العمّال تقريباً يعملون كأجراء أو لحسابهم في القطاعات غير النظامية، أو ما يُعرف بسوق العمل السوداء، فيما تراجع الأجراء النظاميون من نحو 60% من مجمل القوى العاملة قبل الحرب الى 29% حالياً.
ماذا بعد؟ يوجد الكثير ليقال في عيد العمّال. ولكن هذه اللوحة المختصرة تكفي لقول أمر محدد: كل رهان على إمكانية اصلاح هذا النظام بما يتيح عدالة أوسع للطبقة العاملة هو رهان على تعاظم المأساة التي تعيشها فئات اجتماعية واسعة، أي بقاء نصف المقيمين (قبل النزوح السوري) بلا أي تغطية صحّية، وبقاء نصف العمّال محرومين من حقهم بالحد الأدنى للأجور وساعات العمل وبدل النقل والمنح التعليمية والضمان الصحي وتعويضات نهاية الخدمة، وبقاء ثلاثة أرباع العمال من دون معاشات تقاعدية... والأهم، أن نصف كل رعيل شاب يتسمّر على أبواب السفارات بحثاً عن فرصة عمل وبقاء ثلث الشباب غير المهاجرين عاطلين من العمل وعاجزين، مع المزيد من الأسر، عن تأمين المسكن اللائق.
النقابات العمالية ضرورة، لكنها لا تكفي وحدها لتأسيس البرنامج السياسي التغييري، هذه مهمّة الأحزاب أيضاً