مع وصول هذا العدد الى أيدي القراء، إذا وصل، يفترض أن تكون شوارع لبنان ومدنه وقراه مسرحاً لأوسع تحرك شعبي احتجاجي على السلطة، وسط انتشار أمني وعسكري هو الأوسع في تاريخ لبنان الذي يبدو للمرة الاولى أمام خطر المواجهة الشاملة بين فريقين يمثل كل منهما وجهة نظر في مستقبل البلاد. ولكن ما لم يكن معلوماً حتى ساعة طبع هذا العدد، هو حجم الاستجابة الشعبية لدعوة المعارضة الى الإضراب العام، وتوزع المشاركة فيه بحسب المناطق، بعد الاستنفار الضخم الذي لجأت إليه قوى السلطة طوال نهار وليل امس لأجل إقناع جمهورها بعدم التجاوب مع الإضراب وحضه على القيام بنشاط يظهر لبنان في حال عادية، وهو الأمر الذي يبدو متعذراً في ظل ما هو مفترض من إجراءات قررت المعارضة القيام بها تعبيراً عن رفضها لموقف السلطة الرافض إجراء تغيير في طريقة إدارة البلاد.ومع أن قوى الأمن الداخلي استنفرت امس كل من هو في سلكها من إداريين وعسكريين وأمنيين وباشرت خطة انتشار ابتداءً من الثامنة والنصف مساء امس، فإن الجيش اللبناني أبلغ الحكومة أنه ليس قوة قمع وليس في وارد التعرض لأي متظاهر لا يتعرض للمصالح العامة والخاصة، وباشر من جانبه الاتصالات بهدف منع أي صدام. لكن بحسب ما هو مقرر فإن مجموعات تضم عشرات الألوف من أعضاء القوى المعارضة سوف ينطلقون قبل فجر اليوم لتنفيذ خطة تحرك هدفها شل الحياة العامة في كل لبنان، وإقامة تجمعات شعبية متفرقة في كل المناطق والساحات العامة، واستخدام كل الأساليب الكفيلة بإنجاح هذا التحرك، مع التشديد على عدم الانجرار الى أي مواجهة لا مع القوى الامنية والعسكرية ولا مع أي جمهور من فريق السلطة يحتمل أن يدفع الى أعمال هدفها حرف التحرك عن وجهته. علماً بأنه جرى ابلاغ القوى الامنية الرسمية بسيل من المعلومات عن نية قوى في السلطة القيام بأعمال شغب هدفها تشويه صورة المعارضة، وأبرز هذه المعلومات تولي عناصر حزبية من الحزب التقدمي الاشتراكي و“القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” ارتداء ثياب تعود لعناصر امنية رسمية.
وإذا كانت السلطة وقواها وداعموها في الخارج قد عملوا بقوة لإعطاء الانقسام الداخلي في المرحلة الاولى من التحرك الطابع المذهبي، فإن الجهود المركزة التي بذلت خلال اليومين الماضيين انصبّت على منع التحرك الفعال وسط الشارع المسيحي، باعتبار أن إعلام السلطة المحلي والخارجي حاول تقديم صورة منقوصة عن مشاركة المسيحيين في التظاهرات والاعتصامات السابقة، وهو الأمر المتعذر في حالة الاحتجاج المناطقي الذي سيكون في كل منطقة على حدة. وتولى قادة فريق السلطة طوال امس التناوب على عقد المؤتمرات الصحافية التي تجدّد رفض مطالب المعارضة من جهة، وتكرّر معزوفة “التورط” المعارض في المحاور الإقليمية من جهة ثانية، مع تعديل لافت وبارز في مؤتمري النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع اللذين أشارا بإيجابية الى تحرك عربي ــــــ إقليمي واتهام لقوى في المعارضة برفض هذه الجهود والعمل على تعطيلها.
وإذا كان الرئيس فؤاد السنيورة عمل ومساعديه امس على إقناع القوى الأمنية ولا سيما منها الجيش بمنع قطع الطرق بأي ثمن، فإنه كان يتدارس في طريقة مغادرته لبنان إلى فرنسا للمشاركة في مؤتمر باريس ــــــ3 وسط معلومات تقول بأن طائرة فرنسية سوف تنقله من منطقة البيال على البحر في اتجاه قبرص لنقله من هناك الى باريس، علماً بأنه كرر مواقفه من الأزمة السياسية القائمة لناحية القول إنه يؤيّد توسيع الحكومة لا تعطيلها (أي إنه يؤيد مشاركة أفرقاء جدد في الحكومة دون منح المعارضة الثلث المعطل) وانه يؤيد التزامن بين إقرار المحكمة الدولية وبين تأليف الحكومة الجديدة (أي فرض إقرار المجلس النيابي لمشروع نظام المحكمة قبل إقرار التغيير الحكومي) وانه يؤيد إقرار قانون انتخابات نيابية تجرى في موعدها الدستوري (أي عدم وضع برنامج زمني لإقرار القانون الجديد للانتخابات ورفض إجرائها بصورة مبكرة)، ما يعني انه يرفض في المطلق كل مطالب المعارضة ولا يعترف بوجود أزمة تستدعي الحل. وكرر في المقابل كلامه عن ان تعطيل باريس ــــــ3 إنما هو امر يضر بجميع اللبنانيين، دون ان ينسى تكرار وعوده للناس بغد أفضل.
في هذه الأثناء كان جنبلاط وجعجع يعقدان ندوتين صحافيتين يطلبان فيهما من أنصارهما التوجه الى العمل اليوم في شكل عادي، ويصران على ان تقوم القوى الامنية بأي شيء من أجل منع إقفال الطرق او تعطيل الحياة العامة، بينما هدّد أنصار جنبلاط وجعجع وكل المؤسسات التابعة للنائب سعد الحريري، العاملين فيها بأن المشاركة في إضراب اليوم تعني فصلهم من أعمالهم، وسط ضغوط من رؤساء البلديات والمؤسسات التربوية بضرورة التروي في هذا الموقف وترك المجال أمام الناس ليتصرفوا بالطريقة التي تناسبهم، فيما ناقش أصحاب مصارف معلومات يجري تداولها في أوساط المعارضة عن احتمال قوي لتعرضها لعملية مقاطعة شاملة في الفترة المقبلة، وعن قرار من إدارات المصارف بمنح المديرين الاقليميين والفروع صلاحية اتخاذ القرار المناسب.