strong>«حـروب صغيـرة» تغطّي لبــنان وقـوى 14 آذار تسـتعدّ لاختــبار قــوّة بعـد باريـس ـ 3
شلت المعارضة لبنان أمس ووجهت ما اعتبرته إنذاراً قوياً الى الحكومة لتقبل بمطالبها محذرة من اللجوء الى خطوات احتجاجية إذا لم يُجر فريق السلطة مراجعة في اتجاه حل الأزمة القائمة، فيما بدت قوى السلطة أقرب الى النزول الى الشارع من زاوية أنها تحتاج الى إثبات قدرتها على المواجهة ايضاً، ولو أنها استظلت بمناخ سياسي متوتر داخلياً وبمزيد من الدعم الخارجي. وعلم أن قوى 14 آذار باشرت الإعداد لتحرك شعبي كبير في بيروت خلال الايام القليلة المقبلة، ويرجح أن يتم ذلك غداة انعقاد مؤتمر باريس ـ3.
وبعد يوم طويل تعطلت فيه الحياة العامة والخاصة في كل لبنان، أعلنت المعارضة مساء امس أن إضراب الثلاثاء هو إنذار قوي للسلطة وأنها مستعدة لتحرك أشد تأثيراً إذا لم تتراجع السلطة عن مواقفها الحالية. وحصل نقاش كبير بين قوى المعارضة تضمّن مراجعة لنهار امس مع تقويم إيجابي، واعتبار أن استمرار التحرك سوف يتم بصورة أكثر تأثيراً من الذي حصل. أما قوى 14 آذار فقد دعت القوى الامنية الى رفع ما وصفته بـ“الحصار على بيروت” وإلا “فإن قواها الشعبية سوف تعمد الى القيام بالأمر بنفسها”.
في هذه الاثناء كان الرئيس نبيه بري يتلقى اتصالات خاصة من قيادة الجيش اللبناني كما حال بقية قوى المعارضة والسلطة، مفادها أن القوى العسكرية منهكة كثيراً وباتت أمام واقع صعب يجعلها غير قادرة على الإمساك بالأمور اكثر، وأنها قد تجد نفسها في وضع يدفعها الى الانسحاب من الشارع، وهو الأمر الذي اخذته المعارضة في الحسبان في قرارها تعليق الإضراب، علماً بأن قواها كانت تعيش أجواء الاستمرار به حتى موعد انعقاد مؤتمر باريس ــــــ3.
ولم تأخذ المعارضة كثيراً بما صدر عن قوى 14 آذار بعد زيارتها الرئيس فؤاد السنيورة في السرايا الكبيرة وتلويحها بتحرك شعبي مضاد، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام مخاطر جديدة، كانت مدار بحث بين الرئيس بري والسفيرين السعودي والايراني عبد العزيز خوجة ومحمد رضا شيباني، من دون إعلان ذلك، بينما كانت السفارتان الفرنسية والاميركية تعملان على رفع معنويات فريق السلطة، وتعدان ببرنامج احتفالي كبير في باريس يعيد الى السلطة الزخم الذي تحتاج إليه لجولة المواجهة المقبلة.
وفي عودة الى التحرك، فقد سجلت قوى المعارضة حضوراً كبيراً غطى كل المناطق اللبنانية، حيث نزل نحو مئة ألف من أنصار المعارضة في كل لبنان وعمدوا الى قطع الطرقات الرئيسية التي توصل المدن بعضها ببعض أو التي تقود الى المرافق الاساسية في المطار والمرفأ والطريق الساحلية. وبين الالتزام بالإضراب والخوف من مشكلات، حصل إقفال عام لم تخرقه إلا محاولات خفيفة في الصباح انتهت مع ساعات الظهر حيث قرر أنصار فريق السلطة النزول الى الشارع لمواجهة المتظاهرين، وهذا ما قام به عناصر من “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل” في بعض مناطق جبل لبنان والشمال والبقاع، وتطور الأمر مساء امس في بيروت وطرابلس. وأدت مواجهات اليوم الطويل الى سقوط عدد من القتلى ومئات الجرحى غالبيتهم من قوى المعارضةومع ان فريق السلطة عمل طوال نهار امس على حصول المواجهة دون أي كلام سياسي، فإن الرئيس السنيورة وصف الإضراب بـ“ممارسات وتحرشات تجاوزت كل الحدود وذكرت بأزمنة الفتنة والحرب والوصاية”. وقال “إن عقولنا منفتحة وأيدينا ممدودة للحوار مع شركائنا في الوطن وصولاً إلى اتفاق حول المسائل الخلافية”. ورأى أن “الحالة المأزومة والمتفجرة الحاضرة تقتضي معالجة سريعة تستوجب إصدار مرسوم بفتح دورة استثنائية فوراً ودعوة نواب الأمة إلى الالتئام وممارسة كامل دورهم من اجل إنقاذ لبنان”. ودعا المشاركين في الاعتصامات والتحركات الى إنعام النظر في ما يجري في المنطقة من حولنا من أحداث جسام تحمل معها مخاطر كبيرة على الاستقرار الداخلي”.
أما مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني فقد هاجم التحرك المعارض وأكد “أن بيروت لن تسمح بالمسّ بعزتها وعنفوانها ولن تقبل بالاعتداء عليها”، لكنه اشار الى انه “ما تزال هناك فرصة للعودة الى الحوار الهادئ” وختم “إن محاولة إسقاط الحكومة من خلال الشارع ومن خلال حصار بيروت عن طريق العنف والتهديد والقهر لن تمر ولن نتركها تمر مهما كان الثمن، اللهم فاشهد”.
ودعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك اللبنانيين إلى حل مشاكلهم بعيداً عن الشارع والتقيد بالقوانين وانتظار موعد الانتخابات النيابية المقبلة لتغيير الحكومة التي يعترف بها المجتمع الدولي “كحكومة ديموقراطية”، كما دعا سوريا الى احترام سيادة لبنان، وإسرائيل الى حل مسألة مزارع شبعا المحتلة، نافياً إجراء اتصالات مع إيران بشأن لبنان.
موسى يحذر
حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أمس القوى اللبنانية “من الانزلاق الى المواجهة” الذي “ستكون له أضرار بالغة على لبنان”. ودعا جميع الأطراف السياسية اللبنانية “الى التوقف عن أعمال التصعيد حتى يمكن التوصل الى حل للخروج من المأزق الحالي”. وجدد مطالبته بضرورة التهدئة لتوفير فرص النجاح لمؤتمر “باريس ــــــ3” للدول المانحة للبنان “بصرف النظر عن الخلافات والمواقف السياسية لهذا الطرف أو ذاك”.
ووصف العماد ميشال عون الحكومة بأنها “مجرمة”، مؤكداً أن “انصارها يرتكبون جرائم” في حق المعارضين. ودعا الى توقيف جميع الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، فيما جدد النائب حسين الحاج حسن المطالبة بحكومة وحدة وطنية وانتخابات نيابية مبكرة، وقال إن “صم الآذان عن هذين الخيارين يعني خياراً ثالثاً يتمثل في توالي التصعيد”. وأضاف “إذا لم يتم التوافق فإن مسؤولية مصير البلد في رقبة الرئيس السنيورة”.
ووصف الدكتور سمير جعجع تحرك المعارضة بأنه “ثورة فعلية وانقلاب”، متهماً القوى الامنية بحماية من يقطعون الطرق لمنع الناس من التوجه الى أعمالهم”، لافتاً الى “وسائل إرهابية بكل معنى الكلمة” ومتسائلاً “هل المسؤولون الأمنيون يدركون ما يحصل أم هم متواطئون”. وقال النائب السابق فارس سعيد إن ما يجري “انقلاب واضح وصريح وليس اعتصاماً”، فيما أكد النائب أكرم شهيب أن “قطع الطرق يدل على نوع من الخطة المبرمجة لتعطيل الحياة، ولا تستطيع القوى الامنية ان تكون على الحياد”.
مساهمة أميركية كبيرة
قال مسؤولون كبار في الحكومة الأميركية أمس إن الولايات المتحدة تعتزم تقديم مساهمة “كبيرة” من المعونات الى لبنان في مؤتمر باريس ــــــ3، الذي ستدلي خلاله وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ببيان عن هذه المساهمة. ورفض المتحدث باسم الخارجية الاميركية شين ماكورماك ذكر أرقام. فيما قال مسؤول رفيع آخر إنه لا يريد ان “يسرق الأنظار من رايس” في المؤتمر. وأضاف: “الولايات المتحدة سيكون لها موقف قيادي كبير. ونحن نتوقع من المجتمع الدولي أن يكون كريماً للغاية”.
واتهم مسؤولون أميركيون، منهم ماكورماك، المعارضة في لبنان بمحاولة خلق توقعات كاذبة قبل اجتماع باريس وبذكر أرقام متضخمة حتى يبدو أن السنيورة فشل في محاولته جمع أموال. وقال ماكورماك “هذا تكتيك يستخدمونه لصرف أنظار الناس عن حقيقة أنهم هم أنفسهم لم يفوا بوعود قطعوها بإعادة بناء جنوب لبنان”. وقال المسؤول الأميركي الرفيع إن قول المعارضة إن المؤتمر سيسفر عن جمع ما بين سبعة مليارات دولار وتسعة مليارات غير صحيح. وأضاف انه ليس من الصواب ربط بعض المعونات الاميركية بإصلاحات اقتصادية يتعيّن على لبنان تنفيذها. وأقر بأن لبنان لم يف بإصلاحات وعد بها من قبل لكن الآن هناك ما يدعو الى الاعتقاد بأنه سيفعل ذلك هذه المرة.
ومن جهتها دعت روسيا أمس جميع الأطراف اللبنانية الى تسوية مشكلاتها الداخلية عن طريق الحوار الوطني، وقال بيان لوزارة الخارجية “إن موسكو مقتنعة بأن حل المشاكل اللبنانية الداخلية المعقدة فعلاً لا بد من أن يتم عن طريق الحوار الوطني العام مهما كان صعباً”. وقال البيان إن مؤتمر باريس ــــــ3 سيتطرق، إلى جانب القضايا الاقتصادية، إلى مسائل سياسية أيضاً. وأضاف “إذا كانت للبنان علاقات متوترة مع جيرانه فسيتعذر إعادة إعمار البلد”. وأشار في الوقت نفسه إلى “أن تسييس المؤتمر أكثر من اللازم سيكون برأينا توجهاً غير بنّاء”. وقال: “نعتقد أن على المؤتمر أن يؤكد دعم سيادة لبنان واستقلاله وحرمة أراضيه كما أنه مطالب بأن يسهم بقسطه في توحيد اللبنانيين، لأنه من دون السلام المدني والوفاق الوطني ستكون كل مساعدة خارجية عديمة الفاعلية”.