لستُ أدري، بالضبط، كيف التقينا، وأين، في بيروت المحاصَرة 1982...كان الإسرائيليّون أحاطوا بالعاصمة اللبنانية تماماً.
الشوارع مهجورة.
والأصدقاءُ من أهل الأدب والصحافةِ شرعوا يهجرون بيروت إلى أماكنَ آمنةٍ، مثل طرابلس، ودمشق.
ربّما كان لقائي ومحمد الفيتوري في صحيفة «السفير».
الفيتوري كان دبلوماسيّاً، يتمتع بالحصانة.

يسكن في الشرقيّة، ويأتي إلى الغربية، عبر حواجز الكتائب، من أجل «السيولة» على حدّ تعبيره، وهو يعني
سحبَ مبالغ ماليّة من مصارفَ أو مظانّ، في الغربية.
شاهدَني حائراً، مدَوّخاً...
قال لي: لِمَ لا تأتي معي؟
استفسرتُ: إلى أين؟
أجابَ: إلى الشرقيّة... ماذا تفعل هنا؟
قلتُ: والحواجز؟
أجابَ: سيُرَحِّبون بك. أأنت خائفٌ؟ أنت معي في سيّارة دبلوماسيّة. سأخبرُهم مَن أنت...
لم نواصل الحديث.
أظنُّ الفيتوري أدركَ استحالةَ أن أقبلَ عرضَه.
تناولْنا غداءً سريعاً.
وعاد هو، بالسيّارة الدبلوماسية، إلى الشرقيّة.

■ ■ ■



أُعجِبْتُ بطريقة الفيتوري في الإلقاء المحترِف.
نحن نرتبك: نرفع الصوتَ، أو نخْفضه، بدون تدقيقٍ مرهَفٍ.
ونُجهِدُ أنفُسَنا بلا فائدة.
لكنّ للفيتوري شأنٌ آخرُ...
كان يفتح عينيه واسعتَينِ جدّاً.
يُقَرِّبُ الميكرو حتى يكاد يلامسُ شفتَيه.
ويقرأُ مثل مغنّيةِ ابن الرومي (وحيد): تتغنّى كأنها لا تغَنّي من سكون...

■ ■ ■



سألتُ عبد الوهاب البيّاتي عن لقَب «الفيتوري».
أجابني البيّاتي (وكان خصماً لمحمد مفتاح الفيتوري):
هو من قبيلة سودانيّةٍ على الحدود الليبيّة، تُدْعى: الفواتير!
تغمّدَ الله، الإثنين، برحمته السابغة.

تورنتو 27.04.2015