باريس ــ بسّام الطيارة
يترأس الرئيس الفرنسي جاك شيراك اليوم مؤتمر باريس ــ 3 لدعم لبنان بمشاركة 37 دولة و14 مؤسسة مالية دولية تنوي رفع مستوى الدعم لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، مقابل برنامج إصلاحات سياسية اقتصادية ومالية، من دون توقع أي أخذ للوضع القائم في لبنان، ما عدا ما هو متوقع على لسان وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل.
وفور وصوله إلى باريس توجه الرئيس فؤاد السنيورة إلى الإليزيه فاستقبله شيراك واستبقاه على الغداء وأبلغه أن فرنسا ستقدم للبنان قرضاً بقيمة نصف مليار يورو “بشروط ميسرة جداً”، وقال إن “هذه المساهمة الكبيرة تعبير عن الصداقة العميقة والتضامن والثقة التي تجمع فرنسا بلبنان وبجميع اللبنانيين”. وأمل أن تعرب الدول والمؤسسات المالية الدولية المشاركة في المؤتمر عن تضامنها عبر تقديم “عرض كبير”.
وبدوره قال السنيورة: “كان اجتماعنا جيداً جداً مع الرئيس شيراك، وكان مجال للبحث في الأمور المختلفة بما يتعلق بالعلاقات الثنائية وأيضاً ما يتعلق بأوضاع لبنان والمنطقة والتحضيرات، وما هو مرتقب بالنسبة لنتائج المؤتمر”. وقال: “رأيت أن المجتمع الدولي وكل الذين يحبون لبنان ويتمنون له الخير يؤلمهم ما جرى في لبنان أمس”.
وفي واشنطن قال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة ستتعهد تقديم حوالى 770 مليون دولار من المساعدات للبنان، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للصحفيين وهي في طريقها إلى باريس للمشاركة في مؤتمر للمانحين الدوليين: “الرئيس سيطلب من الكونغرس 770 مليون دولار دعماً للبنان”.
وعشية افتتاح المؤتمر اعتدلت اللهجة الفرنسية في الحديث عن “اعتراض قسم من اللبنانيين على الإصلاحات” التي بُنيت عليها ورقة الحكومة الإصلاحية. وفسر مراقبون ذلك “بالخوف من سلبيات الصورة التي حملها يوم الإضراب” على مواقف بعض المشاركين، وخصوصاً أن بعضهم طلب مهلة إلى اليوم لتقديم تعهدات مالية.
ورددت مصادر فرنسية مختلفة مقولة أن “مؤتمر باريس ليس لمساعدة حكومة السنيورة، بل لمساعدة لبنان” لتبديد الغموض الذي تركه إصرار شيراك على استعجال المؤتمر رغم عدم انقشاع صورة الوضع المؤسساتي والسياسي في لبنان. وقد فسر السنيورة والجهات الرسمية الفرنسية هذا الإصرار بأن “تكلفة تأجيل المؤتمر أكبر من تكلفة القيام به في هذه الظروف”، وهي عبارة صعب تفسيرها إلا إذا كانت منطلقة من زاوية الأجندة الفرنسية الداخلية، وخصوصاً أن بعض الخبراء المشاركين في المؤتمر لم يترددوا في القول إنه كان يمكن تأجيل المؤتمر عدة أسابيع حتى لا يبرز كأنه عملية “كسر عظم للمعارضين”.
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن “باريس تبدو واثقة من أن المعارضة ليست موجهة للمؤتمر ولا للمساعدات التي هي بالطبع لكل لبنان، لأنها كانت حاضرة في المفاوضات التي بدأت لتحضير باريس 3 منذ تأليف الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة”. ومن هنا يرى المراقبون أن الإدارة الفرنسية التي ستأخذ تعهدات مالية على مدى طويل لا تريد أن ترهن مواقفها بشكل لصيق بمواقف فريق الأكثرية، من باب الحيطة للمراحل المقبلة، وخصوصاً أن فرنسا على أبواب تغيير عهد”.
وعلم أن المؤتمر سيبحث في مساعدة لبنان تحت ثلاثة عناوين:
أولاً ــ المساعدات لسدّ بعض من العجز ودفع فوائد الديون المتراكمة. وهذا الشق من المساعدات يرتكز على التخصيصات وزيادة الضرائب.
ثانياً ــ التشديد على “حسن إدارة المساعدات” وتحسين “الحصانة القضائية للاستثمارات الأجنبية”.
ثالثاً ــ الموضوع الاجتماعي، حيث إن كثيراً من الدول أرادت أن تكون مساهمتها “مشاريع توافق عليها مسبقاً وتراقبها” منعاً للهدر.
وكان رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو قد أعلن أن المفوضية سترفع من قيمة مشاركتها المالية في عملية إعادة إعمار لبنان لتصبح 500 مليون يورو.
ردود فعل
في هذه الأثناء تواصلت ردود الفعل على الإضراب العام الذي نفذته المعارضة أمس، فقال الرئيس الأميركي جورج بوش، في خطاب حال الاتحاد أمام الكونغرس فجر أمس، إن “إرهابيي حزب الله، الذين زرعوا، بدعم من سوريا وإيران، الصراع في المنطقة، يسعون إلى تقويض حكومة لبنان المنتخبة والشرعية”، مشيراً إلى أنه “في الفترة الأخيرة، أصبح واضحاً أيضاً أننا نواجه خطراً متزايداً من المتطرفين الشيعة، وهم عدائيون تجاه أميركا، ومصممون على الهيمنة على الشرق الأوسط. ومن المعروف أن العديد منهم يأخذون أوامرهم من النظام في إيران، الذي يموّل ويسلّح إرهابيين مثل حزب الله، المجموعة التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث إزهاقها لأرواح الأميركيين بعد تنظيم القاعدة”.
وفي موسكو قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي ميخائيل مارغيلوف أمس إن التحسن النسبي للوضع في لبنان ظاهرة مؤقتة. وأضاف أن سلسلة التظاهرات التي شهدها لبنان ستستمر ما لم يبدأ الوضع الاقتصادي والسياسي في البلد بالاستقرار. وقال: “للأسف لا يدرك حزب الله، الذي يعارض توجه السلطات لطلب تقديم مساعدات خارجية والإجراءات المقترحة لاحتواء الأزمة، أنه لا يمكن تفادي الانهيار الاقتصادي في لبنان من دون اللجوء إلى مساعدة الغرب”.
وفي الرياض عبّر الأمين العام لمنظمةالمؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو عن أسفه واستياءه لما شهده لبنان، ودعا إلى بذل كل الجهود من أجل إعادة الهدوء إلى كل المناطق اللبنانية وتوفير الأجواء المناسبة للعودة إلى طاولة الحوار.
وعبّر ملك الأردن عبد الله الثاني في اتصال مع رايس عن “قلق الأردن العميق” لما آلت إليه الأمور في لبنان، ودعا “جميع اللبنانيين إلى الاحتكام للغة الحوار والمنطق وإنقاذ لبنان مما يواجه من اتساع لنطاق الخلاف، ما ينذر بالمخاطرة بمستقبل الشعب اللبناني”.