strong>جنبلاط يحرّض الحريري على مهاجمة المعتصمين.. ومساعٍ أمنية لمنع الانفجار في الوسط التجاري
بينما ينتظر الجميع في بيروت نتائج الاتصالات السعودية الايرانية السورية بشأن مسعى التوفيق بين الفرقاء اللبنانيين، كان الهدوء مسيطراً على الشارع الذي كان يضجّ بكلام كرره سياسيون وناشطون من الحزب التقدمي الاشتراكي عن أنهم يستعدون لما سمّوه “تحرير بيروت من الغزاة” وحديث مباشر عن تحضيرات لإخراج المعتصمين من المعارضة وسط بيروت بالقوة، وأن هذا الامر يجب أن ينفّذ قبل اي شيء آخر، وهو ما استدعى اتصالات قادها مسؤول امني بارز من فريق السلطة الذي قال إن لديه معلومات تشير الى أن حصول مثل هذا الامر قد يؤدي الى مضاعفات خطيرة جداً، طالباً من النائب سعد الحريري التدخل لمنع أنصار جنبلاط من القيام بالأمر. علماً بأن الاخير لم يُبد اعتراضاً على حصول أي إشكالات وقال “إن اختراق المعتصمين لسوليدير سوف يقدم خدمة كبيرة لفريق السلطة”. وهو ما دفع القوى الامنية الى مضاعفة إجراءاتها في المنطقة.
إلا أن جنبلاط الذي اجّل مؤتمره الصحافي امس، ترك الحديث لحليفه قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي استعاد صورة القائد العسكري، ليتوعد معارضيه ولا سيما “التيار الوطني الحر”، بأن أي تحرك اعتراضي لهم سوف يدفعه في المرة المقبلة الى التصرف بطريقة مختلفة. وهو المناخ الذي أشاعه جعجع بين كوادره أول من امس وأمس، من ان ما حصل في بيروت كان ضروروياً ومثّل انتصاراً لفريق 14 آذار، وأنه لا بد من امر مماثل يجعل المعارضة في الشارع المسيحي تتراجع تحت وطأة التهديد بالفتنة المباشرة. في هذه الاثناء خيّم الهدوء الحذر على شوارع العاصمة والضواحي، فيما اتخذت القوى الامنية والعسكرية مزيداً من الإجراءات الصارمة لمنع تجدد هذه الصدامات، وسط استمرار الشائعات وسماع مواطنين إطلاق نار في محلة قصقص شاتيلا مساء امس. وباشرت القوى العسكرية بعد ظهر امس حملة توقيفات شملت عناصر تبيّن انها كانت تستخدم السلاح ومارست اعتداءات على القوى الامنية وعلى المواطنين. وتواصلت اعمال التحري والبحث عن اشخاص ظهروا في صور نشرت في وسائل الاعلام. وتبيّن أن الاساسيين منهم فروا الى مناطق في الجبل بعدما ظهر أن جنبلاط كان قد استقدمهم الى بيروت مساء الثلاثاء الماضي.
وأمس أبلغ مرجع أمني “الأخبار” أن التوقيفات لم تشمل “القناصة” الذين ظهروا اول من امس في الطريق الجديدة ومحيط المدينة الرياضية، وقال: ان التوقيفات شملت من تمكنت القوى الامنية من ضبطه في الشارع، وبعض الذين تعرضوا للقوى الامنية بالقوة وللمواطنين الذين تعرضوا للأذى.
وقال المرجع ان ما شهدته منطقة الجامعة العربية له الكثير من الدلالات، أخطرها في ظهور القناصة بين البيوت وعلى سطوح المباني، وهو امر خطير مثّل تطوراً لافتاً في مجريات الاحداث المتنقلة.
وبعد مؤتمر صحافي كال فيه الاتهامات يميناً ويساراً، كرر قائد القوات مواقف فريقه المدافعة عن أعمال الترهيب التي حصلت من جانب فريق السلطة معتبراً أنها رد على تحركات الفريق الذي قال إنه يتبع لمحور خارجي، لكن الرد جاءه مساءً على لسان العماد ميشال عون الذي قال إنه لا يعرف بأي صفة يتحرك جعجع وعناصره لمواجهة تحرك المعارضين. وحذّر عون “الآخرين من أن يعيشوا وهم الانتصار” لافتاً “الى ان تسلح عناصر فريق السلطة بحجة الحماية يعني أن على الآخرين ومنهم التيار، اللجوء الى الاسلوب نفسه” وقال: “عملاً بالمثل الذي يقول بأنه مش كل مرة بتسلم الجرة، فأنا أدعوهم الى التنبه من تكرار الاعتداء على الناس”. وأكد ان ما قامت به “ميليشيات السلطة أول من امس في بيروت هو تكملة لما قاموا به الثلاثاء ضد المعارضين، وان هدف هؤلاء هو جر المقاومة الى استخدام سلاحها في الداخل وهم ضاقوا ذرعاً بأن تحركاً يستمر منذ 57 يوماً لم يستخدم فيه السلاح ولا العنف”. وكرر عون تمسك المعارضة بمشروعها التغييري وقال إن ما حصل لن يغير في خططها. ولفت الى ان هناك من يفكر بأن تصدر من بيروت دعوة الى حماية امنية خارجية وعلى أيدي قوات عسكرية تتبع لدول إسلامية سنية، وهو الكلام الذي ردّده مقربون من رئيس الحكومة قبل مدة من ان تطور الامور بصورة سلبية وعدم قيام الجيش بقمع المعارضين سوف يدفع الى استصدار قرار من مجلس الأمن بقدوم قوات دولية تكون من تركيا واندونيسيا وماليزيا.
وفي الوجهة نفسها، أعلن القيادي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين أن ما حصل لن يغير في عمل المعارضة ولا في برامجها وأنها سوف تتمسك بكل الضوابط مهما تعرّض مناصروها للاعتداءات من قبل فريق السلطة. وتوجه الى السنيورة قائلاً: “أنت يا رئيس الحكومة لن تبقى الى الأبد، أنت رئيس حكومة غير شرعية لا تقبل بها غالبية اللبنانيين، فكر بما بعد خروجك من منصبك، فسوف تبقى في ذاكرة اللبنانيين رئيس الحكومة الذي باع لبنان من أجل مصالح الدول وستكون من أصحاب السمعة السيئة التي لم تؤدِّ بالبلاد إلا الى الخراب والفتن”.
المسعى السعودي الإيراني
على المستوى السياسي قال زوار الرئيس نبيه بري إنه ينتظر أن يتلقى “بعض المعطيات المطمئنة عما توصلت إليه المساعي السعودية الايرانية وخصوصاً ان الاتصالات متواصلة بين الرياض وطهران بمعرفة وموافقة كل الدول المعنية أو التي على تماس بلبنان وأزمته الداخلية”. وأضاف بري: “أنا أعلق آمالاً كبيرة على المسعى السعودي ــــــ الإيراني المتواصل يومياً، وأنه في أجواء الاتصالات ومضمونها. وان تحركه سيبدأ فور تلقيه النتائج الأساسية لإنضاجها داخلياً وتظهير الأفكار والمقترحات لبنانياً بغية إيجاد حل للأزمة بين السلطة والمعارضة بحيث إنه سينطلق الى ترجمة هذه الحال من خلال حوافز مشجعة ستتكوّن لديه”.
وحذر بري من تجدد محاولات الفتنة “لأنها إذا تجددت واستُجيب لها فقد لا يستطيع أحد السيطرة عليها” ودعا القادة “الى التعقل وتقديم مصلحة لبنان على أي مصالح أخرى”. وكرر القول إنه يقرع جرس الكنيسة الحزين وقال: “يجب ألا نعرّض الجيش للتجارب الصعبة والقاسية لأنه لا يزال المؤسسة الجامعة لوحدة لبنان، فحذار المس بالجيش وتعريض وحدته وبنيته للتفكك”.
وتلقى بري أمس اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي أطلعه على نتائج مؤتمر باريس ــــــ3 والمساعدات المالية التي قدمتها الدول الصديقة للبنان “من أجل إعادة الإعمار ومساعدته للخروج من الضائقة الاقتصادية”. وشكر بري لشيراك “وقوفه الدائم الى جانب لبنان في المحطات الصعبة وتوفيره مشاركة استثنائية في المؤتمر جاءت نتائجها بحجم الثقة بلبنان ومستقبله”. وتخلل الاتصال بحث في التطورات التي شهدها لبنان في اليومين الماضيين. وأعرب شيراك عن أمله “بأن يعبر لبنان هذه المرحلة الصعبة بوعي قادته ومسؤوليه من خلال الحوار والمصالحة الوطنية”، وأكد “أن فرنسا تدعم بقوة وحدة اللبنانيين وعيشهم المشترك”.
من جانبه وبعد عودته الى بيروت امس اتصل الرئيس فؤاد السنيورة بالرئيسين إميل لحود وبري وعدد من القادة السياسيين والدينيين، كذلك اتصل بعدد من القادة العرب. وقال: “إن المهم العودة الآن الى التلاقي والاجتماع بأي طريقة كانت، لأنها الطريق الوحيد لتجنيب أنفسنا تجارب مؤلمة، لأن البقاء كما نحن مخيف وخطير”.
أما النائب سعد الحريري فقال “لا بديل أمام القيادات من طاولة الحوار”، مجدداً الدعوة التي كان قد وجهها إلى السيد حسن نصر الله وقيادة حزب الله “لأن الكل اصبح امام الخط الاحمر، وهنا يجب ان نتوقف ونتراجع الى خطوط الحوار وتشجيع المبادرات التي تبحث عن مخارج حقيقية لأزمتنا الوطنية، بما في ذلك مبادرة الامانة العامة لجامعة الدول العربية”.