أحمد محمود شهيد أول لـ «انتفاضة الوحدة الوطنية»... وموسى يستطلع امكانية «المخرج المشرِّف»
سلكت المواجهة بين السلطة وقوى المعارضة المنحى الأكثر توتراً منذ بداية الأزمة السياسية. واتهم مرجع كبير في المعارضة قوى السلطة بأنها استعجلت نقل المواجهة الى الجانب الامني وبأنها تقف خلف أحداث شغب وإطلاق نار أدت الى مقتل الشاب أحمد المحمود في منطقة الطيونة وإصابة آخرين بجروح، بينما وجه الجيش اللبناني تحذيراً شديد اللهجة إلى القوى كافة بأنه لا يقدر على مواجهة انفلات من هذا النوع وأن قدرته على القمع تظل محدودة، فيما سارع الرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة الى التواصل بغية خلق مناخ من التهدئة عمل عليه قياديون من حزب الله وحركة امل طوال ساعات المساء في اكثر من منطقة ولا سيما في منطقة الشياح حيث يقطن الشاب الشهيد.
ومع ان نهار امس بدأ بنشاط لافت للحضور المسيحي من قوى المعارضة تميز بتظاهرة كبيرة لأنصار التيار الوطني الحر وتيار المردة في وسط بيروت، الا ان التوتر تنقل من منطقة الى اخرى حيث عمد عناصر قوى السلطة الى نصب كمائن لعائدين من الاعتصامات الى قراهم وبيوتهم في بيروت والشمال والبقاع، ما أدى الى توترات كبيرة عمل الجيش اللبناني على احتواء القسم الاكبر منها دون مواكبة جدية من جانب قوى الأمن الداخلي.
لكن الخرق السياسي الذي كان منتظراً وسط هذا التوتر السياسي والشعبي، اقتصر على نصف مبادرة قام بها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي واصل خلال ساعات الليل اجتماعاته بأقطاب من قوى السلطة بحثاً عن مخرج للأزمة بعدما تلقى من الرئيس نبيه بري اقتراحاً مفصلاً دون أن يحمل إليه جديداً. وقال بري لـ“الأخبار” إنه لا يريد الإفصاح عن اقتراحه تاركاً لموسى القيام بجهده، لكنه لفت الى ان ما نقل إليه عن لسان قوى السلطة لا يحمل أي تغيير بل يشير الى تمسكهم بموقفهم دون الالتفات الى ما يحصل في الشارع، مبدياً أسفه لحادثة مقتل الشاب أحمد المحمود وقال إنه كلف قيادة “أمل” العمل على احتواء الموقف فيما نقل عن لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قوله إنه “لو قتل منا ألف رجل فلن نرد سوى بتصعيد تحركنا السلمي”.
وباشر موسى لقاءاته مع الرئيس فؤاد السنيورة ثم زار الرئيس نبيه بري قبل ان يلتقي لاحقاً النائب سعد الحريري ثم النائب وليد جنبلاط ثم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي. كما أجرى اتصالاً بالرئيس سليم الحص والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وهو سيزور اليوم الرئيس إميل لحود في قصر بعبدا. ثم عاد والتقى ليلاً رئيس الحكومة في السرايا الكبيرة. وهو قال إنه لا يملك مبادرة محددة ولكنه يريد “تسهيل توصل اللبنانيين الى اتفاق يجنب لبنان فتنة قاسية. ولا بد من مخرج مشرف للجميع”.
في هذه الاثناء كان السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان يواصل تحريضه على المعارضة، وقال في مجلس حضره عدد من الشخصيات بينها من هو مقرب من المعارضة إن بلاده “تحذر من مغبة استمرار التظاهرات” وانها تعتبرها “أمراً خطيراً لا تسمح به” وتحمّل المعارضة المسؤولية عنه. وطرح ان يجتمع مجلس النواب في جلسة يقر فيها مشروع المحكمة الدولية، ثم يعمل بعد ذلك على تأليف حكومة وحدة وطنية.
وكشفت المراجع المعنية أن التحرك الأساسي لا يزال لسفراء الدول الغربية والعربية الذين يقولون أمام الرئيس بري كلاماً لافتاً ومستفزاً على ما قال مصدر مقرب من رئيس المجلس الذي نقل عنه قوله لهم: “كيف تصفون تحرك أهل السلطة في الشارع بأنه ديموقراطي وتصفون تحرك المعارضة بأنه تخريب وتقفون ضده؟ هذا موقف لا يعكس حقيقة ما يجري ويزيد من تعقيد الاوضاع”. وطلب بري من هؤلاء: “اذهبوا وتحدثوا مع جماعتكم لأجل التعقل والوصول الى تحقيق مطلب المعارضة بالمشاركة وإلا فأنتم تتحملون مسؤولية ما يجري”.
وكان نواب من فريق السلطة قد زاروا بري واقترح أحدهم تنظيم اعتصام في المجلس النيابي يشبه الاعتصام الذي نفذه المجلس ابان العدوان الاسرائيلي في 12 تموز الماضي، وذلك لتفادي وصول البلاد الى المأزق الذي يتجه إليه بسرعة قصوى، ولا سيما ما يتهددها من فتنة مذهبية وان استمرار التفرج على الوضع ستكون له انعكاسات خطيرة على المجلس النيابي وكل المواقع الأخرى.
واستغرب بري الدعوة رافضاً التشبيه بين الظروف التي رافقت العدوان الاسرائيلي والاعتصام السلمي المفتوح في ساحات بيروت. ونقل احد النواب عنه انفعاله ازاء الطرح داعياً الى التهدئة وترك الأمور لتأخذ مجراها السلمي وخصوصاً أن “أكثر من مليون انسان نزلوا الى الشوارع ولم يدعس احدهم على رجل الآخر”. وقال لهم: “بقي لدينا مجلس النواب لم يفرط، هل تريدون ان يستقيل نحو ستين نائباً حتى ترضوا بإدارة البلاد كما ترغبون”.
اعتصامات اليوم الثالث
وكان اعتصام المعارضة تواصل امس مع حشد لافت لأنصار “التيار الوطني الحر” وتيار “المردة” الذين احتشدوا بعشرات الآلاف منذ ساعات الصباح الباكر وشاركوا في قداس في وسط بيروت، قبل ان ينظموا حشداً كبيراً في ساحة الشهداء تلاقى مع حشد رياض الصلح حيث ألقيت كلمات أبرزها للوزير السابق سليمان فرنجية هاجم فيها حكومة السنيورة، متهماً إياها بإثارة الانقسامات الطائفية. كذلك اتهم الاكثرية باستغلال جريمة اغتيال الرئيس الحريري لتأجيج الانقسام، مؤكداً أن الحريري “شهيد كل لبنان” ومطالباً بحكومة وحدة وطنية. كذلك ألقى الوزير السابق طلال ارسلان كلمة انتقد فيها تدخلات القادة العرب والاجانب الذين يتصلون بالسنيورة والوزراء لتأكيد دعمهم. وأكد ان حكومة السنيورة لا تخدم لبنان بل السفير الاميركي جيفري فيلتمان.
وبعد الخطب استمر الآلاف يتدفقون الى ساحتي الاعتصام وأقيمت حفلات فنية بمشاركة حشد كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية، وهو تحرك سوف يتواصل اليوم، ويقام بين السادسة والتاسعة ليلاً حفل خطابي آخر.
التوترات الأمنية
ومنذ بعد ظهر امس كانت شوارع كثيرة من العاصمة مسرحاً لمواجهات وتوترات بين أنصار المعارضة وأنصار قوى السلطة، ولا سيما مجموعات من تيار “المستقبل” تجمعت في اكثر من منطقة، وكان الإشكال الابرز في منطقة قصقص ــــــ شاتيلا عندما تعرّض موكب متظاهرين عائد من الوسط التجاري الى الضاحية الجنوبية لرشق بالحجارة من قبل مجموعات كانت تقف خلف جامع الخاشقجي. ولكن ما لبثت أن اطلقت النيران من المنطقة ما ادى الى مقتل الشاب احمد علي المحمود وإصابة سبعة آخرين بالرصاص فيما اصيب البقية بالحجارة وشظايا زجاج سيارتهم. وتدخل اكثر من ألف جندي من الجيش اللبناني وقطعوا الطرقات وعملوا على إبعاد المتواجهين قبل ان يجري تبادل لإطلاق النار مع المسلحين الذين قالت مصادر في تيار “المستقبل” إنهم من المخيمات ولا صلة لهم بالتيار.
وأوقف الجيش عدداً من ابناء المنطقة بينهم من قال إنهم مسلحين بينهم شخص كان عضواً سابقاً في المخابرات السورية واللبنانية يقود مجموعة من عناصر “المستقبل”. كذلك أوقف الجيش ثلاثة سوريين كانوا يرشقون المتظاهرين بالحجارة في منطقة قصقص.
وليلاً جال قائد الجيش في أكثر من منطقة طالباً التشدد في قمع المخالفات دون النظر الى الهوية السياسية أو الطائفية، فيما وسع الجيش انتشاره في اكثر من منطقة توتر او يوجد احتمال حصول توترات كبيرة فيها.
وقال مرجع امني لـ“الأخبار” إن التوتر ساد معظم مناطق طرابلس والبقاعين الاوسط والغربي وأحياء بيروت والضاحية الجنوبية، وتوزعت الإشكالات بين مناطق قصقص، أرض جلول، صبرا، البسطة، بشارة الخوري، مار الياس والطريق الجديدة حيث جرت مواجهات بالعصي والاسلحة النارية والحجارة مما أدى الى مقتل أحمد المحمود في حي فرحات (منطقة قصقص) عدما اصيب برصاصتين، من دون ان يوضح مصدر الرصاص الذي اطلقه المسلحون في المنطقة باتجاه المتظاهرين وباتجاه الجيش اللبناني، وان التحقيق هو الكفيل بتحديد مصدر الرصاص. وقال ان عدد الجرحى بلغ 22 جريحاً توزعوا على مستشفيات بيروت والمناطق ومعظمهم اصيب برشقات الحجارة ونيران مختلفة.
وعلى اثر حادث قصقص وجه الحريري نداءً إلى“جميع أنصار تيار المستقبل وجماهير الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كل لبنان”، دعاهم فيه الى “التزام الهدوء وعدم الرد على الاستفزازات مهما كانت أشكالها، والتعاطي بروح الاستيعاب ورفض الفتنة التي تحاول عناصر مدسوسة ومشبوهة بثها في كل المناطق اللبنانية وخصوصاً في بيروت”. لكنه حمّل المعارضة المسؤولية بقوله: “إن الذين لجأوا إلى التصعيد في الشارع، واعتمدوا لغة الشتيمة والتخوين يتحملون مسؤولية قراراتهم والمنزلق الخطير الذي أوصلوا البلاد إليه”.
عربي ودولي
وتوقعت مصادر مصرية ان يوفد الرئيس المصري حسني مبارك قريباً وزير خارجيته أحمد أبو الغيط إلى لبنان للمشاركة فى المساعي الرامية إلى إيجاد مخرج للوضع الراهن. وقالت المصادر إن التحضيرات لزيارة أبو الغيط إلى بيروت جارية، من دون أن تكشف عن أية تفاصيل أخرى أو توضح ما إذا كان اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية سيرافق أبو الغيط فى هذه الزيارة أم لا. علماً بأن السفير حسين ضرار سيلتقي اليوم الرئيس بري ثم الحريري للغاية نفسها.
وفي طهران رأى النائب الأول للرئيس الإيراني برويز داودي انه يتعين تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان منبثقة من الشعب وبمشاركة جميع الطوائف. بينما قال وزير الخارجية منوشهر متكي ان “الذين اختبروا في السابق فشل سياستهم حيال لبنان بانتصار المقاومة خلال حرب الـ33 يوماً لا ينبغي أن يحاولوا تكرار أخطائهم وفرض سياساتهم على لبنان”.
بدورها دعت روسيا امس “جميع القوى السياسية” في لبنان الى الحوار والى البحث عن “حلول تسوية” حفاظاً على استقرار البلاد.



قُتل في طريق العودة
الساعة الحادية عشرة من مساء أمس احتشد عشرات الشبان أمام مستشفى الساحل عند جسر المطار حيث نقل جثمان الشهيد أحمد علي محمود (21 عاماً) الذي قتل برصاص مسلحين في منطقة قصقص. وفي تفاصيل الحادث، أفاد حسين محمود (أخ الشهيد) أنه بينما كان عائداً وأخاه على دراجة نارية من ساحة رياض الصلح إلى منزل أهلهما الكائن في أرض جلّول، اعترضهما بعض المسلحين بالقرب من «مغسل شاتيلا». وقال حسين إنه شاهد بعض المسلحين يطلقون النار من على أسطح المباني المجاورة بينما كان آخرون يرشقون الحجارة. ومن أمام «الساحل» كان أصدقاء الشهيد يتوعّدون بالرد على الجريمة في ظل غياب القوى الأمنية، مؤكدين أنهم مستعدون لـ«مقابلة الدماء بالدماء» إن لم تؤخذ الإجراءات المناسبة من قبل السلطات. وأشعل تصريح الوزير فتفت غضب المحتشدين أمام «الساحل».
أحمد محمود من مواليد زغدرايا قضاء صيدا، مواليد عام 1985، وكان يعمل في ميكانيك السيارات. يُشيّع ظهر الغد في روضة الشهيدين.