موسى مهتم بالبعد الإقليمي والجميّل يفعّل مبادرته والسنيورة يتمسك بموقفه وتشييع محمود اليوم
واصلت قوى المعارضة اعتصامها في وسط بيروت، وبدا أنها تقترب من خطوات جديدة خلال الايام القليلة المقبلة، وخصوصاً بعدما تبلغت من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى رفض السلطة التراجع وتأليف حكومة وحدة وطنية. وأعلن العماد ميشال عون مساء امس أنه لا مجال للتراجع الى الوراء، وهو ما أكده لـ“الاخبار” أيضاً نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بينما رفع الجيش اللبناني مستوى تأهبه ونشر المزيد من الجنود والمدرعات العسكرية في بيروت وضواحيها محذراً الاطراف السياسية من أنه لا يتحمّل الإنهاك بواسطة مشاغبات الشارع وأنه لا بد من تسوية سياسية سريعة للوضع في لبنان.

عون وقاسم

وفيما كرر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رفضه الاستقالة حذر العماد عون في حديث لـ“المنار” من أعمال الشغب التي تقوم بها السلطة ومناصروها. وقال: “إن الخلل الأمني سيؤدّي الى سقوط الحكومة بكاملها تحت أقدام الناس”. وأضاف: “إنهم يحاولون إلباسنا حالة الشغب، ولكن قدرة الانضباط هي ما أبرز أن الجريمة أتت من الطرف الآخر، وأنصار الحكومة لا يتحرّكون بالبنادق والرصاص إن لم يحظوا بغطاء سياسي”. ورد على الوزير فتفت بالقول “أنت تعرف من أطلق النار يا معالي الوزير، ومن تعرض للنار كانوا عائدين بشكل سلمي ليرتاحوا بعد اعتصامهم”.
وأكد أنه ليس أمام المعارضة إلا التقدم الى الأمام في تحركها، منبّهاً الى فشل الحكومة الحالية على مختلف الأصعدة وخاصة الاقتصادية ــــــ الاجتماعية، وتاريخ الرئيس السنيورة في الديون العامة والخارجية وخاصة حين توليه حقيبة المالية. وسخر من تصريحه بأنه باقٍ قائلاً: «أنا باكٍ؟ أم باقٍ؟»، ورأى أن المطلوب هو فقط المشاركة في الحكومة، داعياً الجميع الى الحذر في استخدام التعابير خاصة مثل “الحياة أو الموت”، وذكّر عون بأنه رفض “تهجّم بشار على السنيورة وكذلك ورقة الاستحضار السورية لمروان حمادة ووليد جنبلاط ووافقنا على المحكمة الدولية”.
ورأى أن “الجو السياسي يذكّرنا بأجواء حرب تموز، هم أنفسهم الذين وقفوا ضد المقاومة مع حلفائهم الخارجيين، يعودون الى الاصطفاف نفسه اليوم، كذلك حالة الشغب التي تحدث اليوم تكملة لذلك الموقف”. وأكد أن الموضوع المطروح هو إقالة الحكومة وليس تأليف حكومة في الوقت الحاضر.
من جانبه قال الشيخ قاسم إن المعارضة وضعت برنامجاً شاملاً للتحرك وهي تختار الخطوة التي تتناسب مع التطورات، مشدداً على أن هناك من يريد جر البلاد الى فتنة والمعارضة لن تستجيب. وأكد ان الدعم الذي تتلقاه الحكومة من القوى الخارجية لا ينفع وان تحرك المعارضة مستمر حتى حصول التغيير وتوفير مشاركة كاملة في السلطة التنفيذية بصورة كاملة. وأكد قاسم أن التنسيق بين قوى المعارضة يشمل كل التفاصيل، وأن ما هو معروض حتى الآن سياسياً لا يغير في واقع الحال شيئاً.
على صعيد التحرك السياسي لم يظهر وجود تقدم حقيقي، علماً بأن الرئيس امين الجميل كان قد تطوّع للقيام بمحاولة بين المعارضة وفريق السلطة، وهو بحث الأمر مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ثم مع قادة من 14 آذار ومع السفير السعودي عبد العزيز الخوجة الذي يزور اليوم البطريرك الماروني نصر الله صفير. وتقوم فكرة الجميل على معالجة الوضع من خلال “سلة كاملة تفترض انتخاب رئيس توافقي جديد للجمهورية يليه تشكيل حكومة وحدة وطنية تضع قانوناً جديداً للانتخاب من أجل انتخابات نيابية مبكرة. فتكتمل مراحل التغيير الشامل في مهلة أقصاها تسعة أشهر وتستوفي الشروط لولادة طبيعية لسلطة جديدة، على ان تترافق المرحلة الاولى مع تشكيل لجنة تدرس البنود المختلف عليها في القضايا الاقتصادية والامنية والمحكمة الدولية تمهيداً لإقرارها في بداية عهد الحكومة الجديدة”.

موسى: تسوية عربية

وكان موسى أنهى زيارته لبيروت بلقاء مع رئيس الجمهورية إميل لحود وأطلعه على حصيلة جولته، وقال انه لمس “إرادة وأملاً للانتهاء بسرعة من الوضع الحالي” وانه ينتظر “تطورات كثيرة في لبنان الى الافضل إن شاء الله”. ورأى أن “على المجتمع السياسي في هذا البلد أن يعمل معاً وأن يتحرك من أجل إنقاذه”. ونقل عن موسى انطباعه بأن ما عبّرت عنه الأكثرية للقيادتين المصرية والسعودية عن حجم المعارضة ومشروعية مطالبها لم يكن دقيقاً قياساً مع حقيقة الاعتراض الشعبي القائم على الأرض. ورأى موسى أن عودة الاطراف المتنازعين الى طاولة الحوار لا تكفي لأن تكون مدخلاً الى تسوية او حل في ضوء الحجم الكبير لمطالب المعارضة ومشروعيتها، وان الوضع بات يحتاج الى ضمان مسبق يوصل الى تسوية. لكن موسى اكد لأصدقائه أنه سيبحث مع المسؤولين المصريين والسعوديين مدى استعدادهم لفتح المجال للاجتماع بالقيادة السورية.

الاعتصام والتوتر

ومع ان التوتر ظل مخيماً على الشارع بعد تعرض المواطن أحمد محمود للاغتيال أول من امس، فإن تيار “المستقبل” حشد خلال نهار أمس الآلاف في عدة مناطق دعماً لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بينما اندلعت مواجهة إعلامية بينه وبين قناة “المنار” على خلفية التقارير عن حادثة محلة قصقص، فيما لم يصدر عن الجهات الامنية أي بيان يوضح حقيقة ما حصل. وجرى امس تأبين للشهيد محمود الذي نقل جثمانه الى ساحة رياض الصلح قبل ان يُشيّع اليوم.
وكان قد وقع امس حادث في محلة العجة على طريق البربير ــــــ المتحف بين مناصرين للمعارضة وفريق السلطة تخلله إحراق إطارات وتراشق بالحجارة فتدخل الجيش وألقى قنابل مسيلة للدموع وفرّق المحتشدين. وأفيد ان خمسة جرحى سقطوا في محلة قصقص أمس من جديد ونقلوا الى مستشفى الرسول الأعظم. وفي برجا اعتدى عناصر من “المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي على مقر الحزب الشيوعي في البلدة. وقال بيان للحزب إن “زمرة موتورة حاقدة من زمر السلطة الفاقدة لشرعيتها” أقدمت على “التحرش بمركز الحزب وعناصره وتوجيه الشتائم الى الحزب وأمينه العام، وإطلاق النار عشوائياً من البنادق والمسدسات ترويعاً للأهالي”.
وفي موازاة تحرك المعارضة نظم تيار “المستقبل” تظاهرات مؤيدة للحكومة في مدينة بعلبك والبقاع الغربي والشمال، ردّد المشاركون فيها هتافات مؤيّدة لمواقف السنيورة، فيما تقاطر عدد من الوفود الشعبية والشخصيات والفاعليات الى السرايا الحكومية معبّرين عن تضامنهم مع رئيس الحكومة، الذي أبدى اسفه لمقتل محمود وقال إن هذا الحادث “يجب أن يكون درساً لكل من يمارس أعمال شغب للامتناع عن هذه الأعمال لأن ليس فيها مصلحة لأحد”. اضاف: “نحن نريد أن يعود الجميع إلى المؤسسات الدستورية وطاولة الحوار حتى نزيل المشاكل التي لدينا. لكن في هذه الآونة نحن صامدون في موقفنا لمصلحة الوطن وجميع اللبنانيين”.
وليلاً ترأس السنيورة اجتماعاً وزارياً ضمه و16 وزيراً بغياب الوزير الياس المر الممتنع عن التحرك لأسباب امنية. وعُرضت التطورات العامة في البلاد، وقال الوزير غازي العريضي إنه “لا سبيل للمعالجة إلا بالحوار السياسي في ما بيننا، والتسوية كفيلة بإخراج البلاد من هذه الأزمات”. كذلك بحث الاجتماع “التحضيرات لمؤتمر باريس ــــــ3”.
الى ذلك دعا مجلس الوزراء السعودي اللبنانيين الى «وحدة الصف وتغليب لغة الحوار» محذرا من ان استمرار الخلافات قد يؤدي الى المساس ب “استقرار لبنان واستقلال قراره السياسي».واكد بيان الحكومة بعد اجتماع برئاسة الملك عبد الله على «ضرورة أن يعمل اللبنانيون جميعهم على وحدة الصف اللبناني وتعزيز الأمن والاستقرار، وتغليب الشرعية والعقل والحكمة ولغة الحوار لتجاوز الظروف الحالية».