strong>ابراهيم الأمين
مع احتدام الوضع على الأرض بأكثر مما كان عليه في الأيام القليلة الماضية، بدا أن السباق يشتد بين مساع محلية وعربية وبين إعلان انسداد افق الوساطات السياسية بما يدفع المعارضة الى المرحلة الثانية من التحرك الاحتجاجي، مقابل إعلان فريق 14 آذار أنه لن يكون بمقدوره الامتناع عن بدء تحرك شعبي مضاد وخصوصاً باتجاهي رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي إذا لزم الامر، وسط رفع مستوى التحذيرات من جانب الجيش والقوى الامنية من ان استمرار الوضع على حاله دون علاجات سياسية من شأنه إنهاك القوى الامنية وإدخال البلاد في مرحلة من الفوضى غير المنظمة.
ومع ان تحرك الوسطاء المحليين ظل في حدود ضيقة نتيجة ازمة الثقة القائمة، فإن العمل الفعلي يجري على ما تركه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى من افكار ناقشها مع الجميع واتفق في نهاية الامر مع الرئيس نبيه بري على صياغة شبه موحدة، على ان يجري العمل على طبخها مع الجهات المعنية داخلياً وخارجياً.
وأكد الرئيس نبيه بري لـ“الأخبار” ان الحديث يدور عن جزءين واحد داخلي وآخر اقليمي، وانه يدعم جهود موسى لترتيب الجانب الاقليمي الذي يتركز على إحياء الاتصالات السورية ـــــــ السعودية لما لذلك من انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني، بينما قال بري إن الشق الداخلي لا يزال متصلاً بالأفكار السابقة وما يدور من حولها من افكار، رافضاً الجزم بنتيجة البحث ولكنه ابدى خشيته من التطورات السلبية على الارض. وقال إنه تلقى امس اتصالاً من النائب سعد الحريري معزياً باستشهاد احمد محمود، واتفق معه على تخفيف الحملات العامة وعلى ان تقوم هدنة إعلامية ولا سيما بين محطات ووسائل الاعلام التابعة لقوى السلطة والمعارضة على حد سواء.
وكشف مصدر واسع الاطلاع لـ“الأخبار” ان موسى انطلق عائداً الى القاهرة وغيرها لبت الجانب المتصل بالعلاقات العربية ــــــ العربية، وهو بحث مع القيادتين المصرية والسعودية إمكان إيجاد أساس لتوافق يتيح استئناف الاتصالات المباشرة وخصوصاً بين الرياض ودمشق. وجرى الحديث عن احتمال تكليف مبارك رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان مهمة مستعجلة في سوريا، فيما بادر الرئيس بري الى الاتصال بالحلفاء من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون وآخرين، ثم تقررت مباشرة درس بعض الامور ولا سيما ما خص ملف العلاقات السورية ــــــ السعودية. وأُوفد معاون نصر الله السياسي حسين الخليل ومعاون بري السياسي علي حسن خليل الى دمشق للقاء كبار المسؤولين هناك قبل العودة واستكمال البحث في هذا الشق الذي تابعه موسى من الخارج، وأطلع بري على نتائجه أولاً بأول.
مبادرة موسى الداخلية
لكن مبادرة موسى الداخلية ظلت تروح وتجيء أثناء وجوده في بيروت. وهي قامت على الآتي:
“يجري التأكيد على ان الحوار المباشر وغير المباشر هو السبيل الى الحل، وما دام صعباً إقناع أي من الطرفين بالتنازل الآن، فإنه يمكن عرض اتفاق على مرحلتين:
الاولى: يصار الى الأخذ بهاجس قوى 14 آذار في ما خص المحكمة الدولية، ويصار الى تأليف لجنة مشتركة من المعارضة ومن السلطة تدرس خلال ايام قليلة وبصورة مكثفة الملاحظات والتعديلات، ويتم الاتفاق على صياغة موحدة قابلة للاعتماد رسمياً. ولا مانع ــــــ بحسب مبادرة موسى ــــــ من أن يحصل ذلك دون إنهاء المعارضة اعتصامها وأن يجري الحوار والجمهور في الشارع. ويجري العمل على إقرار هذه المسوّدة مع التعديلات وإفساح المجال أمام توفير كل مستلزمات عقد اجتماع باريس ــــــ3 بنجاح، لأنه يصعب تمريره في ظل الظروف السياسية والامنية القائمة في لبنان الآن، ثم تؤلف حكومة وحدة وطنية تضم الأفرقاء كافة شرط ألا تضم أياً من القوى غير الموجودة داخل المجلس النيابي. وفي شأن فكرة الثلث المعطل، اقترح موسى ان يكون لفريق السلطة 19 وزيراً وأن يكون للمعارضة 10 وزراء، أما الوزير المستقل فتسمّيه المعارضة. وإذا وضعت السلطة حق الفيتو عليه تعود المعارضة وتسمي وزيراً آخر وإذا رفضته السلطة يُثبت الثالث باقتراح من المعارضة دون أي اعتراض من السلطة، على أن يتعهد هذا الوزير بعدم افتعال مشكلة واستعمال حق الفيتو لتعطيل الحكومة وممنوع عليه الاستقالة.
الثانية: تخص ملف الانتخابات، حيث يتم التوافق بين الفريقين على شخصية تُنتخب رئيساً للجمهورية على ان يترافق ذلك مع إقرار الحكومة قانون انتخاب جديداً قبل الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة”.
وقال المصدر الواسع الاطلاع إن موسى حمل الاقتراح بصيغته الاخيرة الى الرئيس بري طالباً منه منحه الموافقة أو إعطاء جواب سلبي. فرد بري بعد التشاور مع نصر الله وعون بأنه يجب اولاً التأكد من أن ما يحمله موسى يحظى بقبول فريق السلطة. فخرج موسى ليعود مع موافقة الرئيس فؤاد السنيورة الذي يبدو أنه اشترط مراراً الحصول على كلام رسمي من فريق المعارضة بأنه ليس هناك فيتو على بقائه في رئاسة الحكومة. ولكن بري أبلغه أنه مع احترامه لموقف السنيورة وموقعه إلا أن هذا الاتفاق يحتاج لأن يحظى موسى بموافقة كل من النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط وبموافقة سفراء فرنسا والولايات المتحدة الاميركية والسعودية، وخرج بعدها موسى ولم يعد.
وكان الملف مدار بحث أمس بين الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قال إن «مصر والسعودية حريصتان على استقرار لبنان واحتواء الاحتقان الحالي في الشارع اللبناني». وأشار الى أن السفيرين المصري حسين ضرار والسعودي عبد العزيز خوجة في بيروت يجريان حالياً مشاورات مع الاطراف اللبنانية المختلفة «لاحتواء الاحتقان الراهن وتفادي تصعيد الموقف الى ما ينذر بشرور ومنزلقات خطرة».
أما موسى فقال في القاهرة إن مشاوراته في بيروت تناولت موضوعات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري وموضع تأليف الحكومة اللبنانية. وقال ان «هناك بصيصاً من الأمل في لبنان» لإنهاء الازمة. وأكد أنه سيبحث في الملف اللبناني خلال زيارته لواشنطن اليوم.
وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إن هناك «شيئاً من التفاؤل بإمكانية التوصل الى اتفاق بين الاطراف اللبنانية». وأضاف ان موسى قدم «مقترحاً ناتجاً عن محادثاته مع الاطراف المختلفة في لبنان، والفرقاء قالوا انهم سيدرسون هذا المقترح بجدية ونحن ننتظر جواباً منهم».
تواصل الاعتصام وتحرك يكن
وكان البارز امس التحرك الذي قام به رئيس جبهة العمل الإسلامي النائب السابق فتحي يكن باتجاه القيادات المعنية. وبعد زيارة قام بها ليل امس الأول الى الأمين العام لحزب الله، توجه أمس الى الرئيس السنيورة عارضاً عليه مبادرة تقوم على العودة سريعاً الى طاولة التشاور مقابل التأكيد على منح الثلث الضامن للمعارضة، مشيراً الى ان “السنة هم من يستطيع تثبيت هذا الثلث الضامن”. وقال يكن إنه لمس «تجاوباً كبيراً والمبادرة تعيد القضية إلى آخر محطة من محطات طاولة التشاور لا طاولة الحوار، والتي تتعلق بشكل أو بآخر بقضية الثلث الضامن أو المعطل، هنا بالفعل نود أن نوجد مخرجاً يتفق عليه الجميع ويرتاح له الجميع من غير تخوف أي فريق من فريق آخر، وإنما الجميع يمكن أن يعملوا ضمن إطار ورشة عمل حكومية واحدة، ثم تتهيأ الفرصة لاستصدار قانون انتخابات جديد ثم بعد ذلك تجري انتخابات لكن في أجواء مريحة للجميع وتأتي بعهود جديدة ابتداءً من الرئاسة الأولى ومروراً بالهيئة الاشتراعية، مجلس النواب، ثم بعد ذلك بالحكومة وهكذا».
ومع ان يكن لم يشر لاحقاً الى توافق معيّن مع رئيس الحكومة الا ان الاخير طلب الى الوزير أحمد فتفت ان يعلن باسمه أن المبادرة قيد التداول والبحث وأن ما لدى فريق السلطة هو هو بشأن توسيع الحكومة لتضم 19 للسلطة و9 للمعارضة مع وزيرين مستقلين، علماً بأن يكن سوف يجتمع اليوم بأركان اللقاء الوطني لإبلاغهم بنتائج اتصالاته.
وتواصلت امس انشطة قوى المعارضة في مكان الاعتصام المفتوح، حيث ألقيت المزيد من الخطب السياسية وسط زيادة في الحشود المشاركة ليلاً، ويفترض ان تقام يوم الجمعة صلاة حاشدة في رياض الصلح يؤمّها الداعية يكن الذي سيلقي خطبة سياسية الى جانب الخطبة الدينية، بينما عقد قادة المعارضة امس اجتماعات لدرس الخطوات اللاحقة وبرنامج نهاية الاسبوع الحالي.
أما الجيش فقد شدد إجراءاته الامنية التي تركزت على الطرقات المؤدية الى وسط العاصمة، وخصوصاً بعد المواجهات التي جرت بين معارضين ومؤيدين لتيار “المستقبل” على اكثر من طريق، ما دفع بالجيش الى إقفال طريق قصقص ــــــ شاتيلا لمنع حصول أي مصادمات. لكن التوتر ظل متنقلاً، علماً بأن مناصري “المستقبل” واصلوا أنشطتهم وتظاهراتهم المؤيّدة لرئيس الحكومة في عدد من المناطق ولا سيما في الشمال وإقليم الخروب والبقاع.
أما قوى الامن الداخلي فقد باشرت اتخاذ إجراءات داخلية بعد حالة من التململ قامت على اثر بيان قوى الأمن الصادر أول من أمس عن إشكال في بيروت وبدا انحيازاً سياسياً بينما لم يصدر أي بيان أمني حول جريمة اغتيال الشهيد احمد محمود الذي شيّع امس في الضاحية الجنوبية بمشاركة شعبية واسعة وممثلين عن قوى المعارضة.