زياد الرحباني
طَلَعَ البدر علينا إذن، يُهَلِّله فؤاد السنيورة. طَلِعَ بشكل حكومةٍ قديرةٍ بمجلس نيابي وراءها، قوية بجماهير 14 آذار المائجة «حقيقةً»، حكومة دون منازع ولا رقيب ولا حسود. حكومة واعدةٍ رغم وجود ملك جمال القوات الوزير سركيس ووصيفته الأولى نائلة الملكة رمز الإثارة النيابية وعصير البرتقال، حكومة فتحت في الثاني من آذار أجمل ما في الكلمة من «حوار». فتنفست المعمورة، وخاصة أنَّ بيانها الوزاري عاد وجمع بين السياحة والتحرير إكمالاً لمسيرة الشهيد الحريري ومزارع شبعا وعصير البرتقال.
ميليس يشحن حصان «زورو» بحراً ويغادر جواً، وسط جو من التوعّد بالأفصَح والأفضَح. يصل سيرج براميرتس، خليفته، من الأبجد والهوّز بإذن الله. فحجَجُ «زورو» ومطالعاته كما مصادره ومجموع الإفادات توصلت إلى ما فحواه أنَّ: استشهاد الرئيس الحريري جاء نتيجةَ محاولة اغتيال ناجحة، لذا فهو استُشهد. ثانياً: من المؤكد أن العملية تَمَّت على الطريق البحري بين فندقي الفينيسيا ومار جاورجيوس. ثالثاً: من المُرَجَّح أن يكون هذا التفجير نتيجةَ شحنة متفجرة هائلة موضوعة إمّا فوق الأرض وإمّا تحتها على أبعد تقدير. أمّا الشهود فكلهم ملوك، كما لا توجد شهادة واحدة للتلف. وللتأكد من ذلك يمكن مراجعة الوثائق كلها أو، «ماكسيموم»، إعادة التحقيقات من الأول. الحوار الوطني يستمر مُذَلِّّلاً العقد الوطنية الكبرى، ببطء لكن بتأنٍّ، حتى وصول البحث إلى نقطة «الاستراتيجية الدفاعية للبنان»، ذلك عند أوائل شهر حزيران حيث برز تباين رئيسي بين فريقي آذار. يرفع الرئيس السنيورة الحوار إلى أواخر الصيف، إفساحاً في المجال للحصان الاقتصادي كي يتَبختر ويختال بعَراقة ودلال، ورحمةً بطوابير السيَّاح الوافدين إلى جنة الله الواسعة، إلى لبنان الأسطورة كالكذب، فعلاً، حتى قال في 12 تموز، الكريم: خذوا...
(الجمهورية تَكفَهرّ، الصيفُ يَتَكَوَّر، الحوارُ يَتَعَوَّر، الدرَّاقُ والإجاصُ يتأخَّر، العِبادُ تُهَجَّر، والكثير الكثير يهاجرُ يَتَبَعثَر، لم يكن أحدٌ يتصوَّر...)*
عدنا إلى السفن والزوارق عِوَضاً عن الطائرات، عدنا إلى المازوت بدل الفيول، عدنا إلى الأمام وإلى الوراء. كان «الكريم» فعلاً على حق. قال خذوا وأخذنا. كل شيء مشتعل ومحاصر، والحكومة صامدة مصرّةٌ على تقرير سياسة لبنان الدفاعية، دون حوار، والآن، وتحت آلاف الآلاف من الصواريخ الأميركية. لكن لبنان بدأ فجأةً، في 13 تموز، كتابة تاريخٍ، نوعه نادر عليه وعلى محيطه، لا أثر لطائفة فيه. فحتى التراب اليابس، الداكن اللون في الجنوب، يواجه العدو، يتطاير نحو المقاتلات الإسرائيليات. وهذي صيدا وصور، كما دوماً، ظهْرُ المقاومة المنيع الضليع، العاسي التاريخي. هذي حديقة الصنائع في بيروت، لمنامة الجنوبيين. الشيعة، كما دائماً، في صدارة المواجهة. الطوائف الأخرى يصدمها هول الحقد الصهيوني الذي حَلَّقَ فوقها كلها، ذكَّرها ورَوَّعها، فلا تعرف ما تفعل. تتضامن حياءً، تذوق عيباً، تحدّث في الانسانية! وهنا الحدث. إبداعٌ فينيقي آخر دامَ ثلاثة وثلاثين يوماً.
في اليوم الرابع والثلاثين، استيقظ هذا الوفاق على منامٍ بشع. إنه المنام المُفَصَّل أعلاه حيث تعايش مُكرهاً تحت ضغط المشاعر الإنسانية المقرفة. فعند إعلان وقف إطلاق النار اعتقد الفرقاء، «يَه» ما أحلاهم، أن هذا الوقف يسري أيضاً على الحوار، على التعايش، فأوقفوا معه التعايش والحوار. وأعلن فتح المطار، فاعتقد الفرقاء، «يَه» ما أبهاهم، أنَّ هذا الفتح يسري على الحسابات، ففتحوا الحسابات المتبادلة كلها من أصل الميثاق إلى الدستور إلى الشرعية وساروا من اتفاق الطائف نزولاً، عكس التاريخ، إلى وثيقة الاستقلال. وهذه عادة سيئة تلازم الفرقاء، تحديداً منذ وثيقة الاستقلال. إنَّ كلمة تعايش، كلمة خاطئة حتى لغوياً في لبنان، إنَّه: إما عيشٌ مشترك أو لا عيش، أمّا التعايش فلا مَندُوحَةَ منه ولا معه.

* يستحسن ألّا يقرأ أيٌّ من رؤساء الحكومات اللبنانية هذا المقطع المؤثر بين قوسين.

يتبع يوم الأربعاء