لا معالجات متوقعة قريبة للأزمة العاصفة بين فريقي السطة والمعارضة، فالبلاد تدور في مدار عطلة الأعياد وتملأها مواقف تلوّح بتصعيد متبادل ابتداءً من مطلع السنة الجديدة بعد تراجع المبادرة العربية من غير استبعاد عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية الى بيروت “إذا دعت الحاجة” كما كان قد أعلن السبت الماضي.وفي هذه الأثناء يبدو المشهد السياسي كالآتي: الأكثرية تتمسك بمواقفها رافضة التنازل عمّا يمكن أن يفقدها السلطة أو يجعل الآخرين شركاء لها فيها وهي تفكر في عقد جلسة للحكومة تقر فيها تعيينات وشؤوناً مالية وغيرها الأسبوع المقبل. والمعارضة تتمسك بمطلب حكومة الوحدة الوطنية أو الذهاب إلى انتخابات نيابية فرئاسية مبكرة، وهي تستعد لتنفيذ خطة تحرك جديدة مضافة إلى اعتصامها المفتوح في وسط بيروت.
وقال مصدر قيادي في المعارضة لـ“الأخبار” إنها ستعمل بعد عطلة الاعياد على رفع “الدوز السياسي” لتحركها بما يُحكم الخناق على الفريق الحاكم “الذي بدأ يتصرف بتوتر وكيدية مما يؤكد أن الاعتصام قد فعل فعله”. وأضاف ان “توتر رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط وتهديده الرئيس السوري بشار الأسد بالقتل ناشئ من رؤيته الأميركيين الجمهوريين والديموقراطيين يفتحون أبواب دمشق، ومن نجاح زيارة الأسد الأخيرة لموسكو وارتياحه الى الموقف الروسي، وكذلك من اقتناعه بأن البحث الجدي في إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لن يبدأ قبل آذار المقبل”.
ورأى المصدر نفسه “ان الفريق الاكثري قد بدأ اللهاث في منتصف “الطلعة”، وليس معلوماً لديه ما تخبئه له المعارضة من مفاجآت”. وقال: “لا أهمية عند المعارضة لأي جلسة تعقدها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي باتت حكومة غير دستورية وكل ما يصدر عنها غير دستوري”.
وفي اعتقاد المصدر أن ليس لدى الرئيس بري مبادرة معينة وأنه بقوله إن هناك “مبادرة جديدة” إنما أراد أن يؤكد استمرار سلمية التحرك، وأن الرهان ما يزال على حل سياسي للأزمة لا على أي شيء آخر.لكن مصادر الرئيس بري قالت إن المبادرة التي تحدث عنها موجودة لديه قبل المبادرة العربية لكنه أحجم عن طرحها ليفسح في المجال أمام الاخيرة لعلها تبصر النور، ولكن بعد فشلها رأى أنه لا بد من التحرك لأنه لا يجوز ترك البلاد نهباً لحال الانقسام وفي مهب تصعيد سياسي ودستوري من فريقي السلطة والمعارضة.
وأضافت المصادر ان بري يتكتم على مضمون مبادرته الى ما بعد عطلة الاعياد التي سيستغلها لتوفير المناخات الإيجابية “لأن الجميع أدركوا خطورة ما نحن ذاهبون إليه وتفرض عليهم التحرك لإخراج البلاد من المأزق الذي وصلت إليه”. وتوقعت أن تتبلور طبيعة الخطوات التي سيتخذها بري بحيث يحدد ما إذا كان في الإمكان توجيه دعوة الى طاولة حوار أم يستبقها بخطوات ما من موقعه رئيساً لمجلس النواب، لأنه انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية والسياسية يشعر بأنه قادر على فعل شيء في صدد الأزمة. وذكرت المصادر نفسها ان الرئيس سليم الحص الذي زار بري امس وأطلعه على المبادرة التي أطلقها باسم “القوة الثالثة” سأله عن مضمون مبادرته فأكد له أنها لم تتضح بعد وأنه ما يزال يدرسها. وأشارت الى ان وجهات النظر كانت متقاربة بينهما وأن بري وجد في مبادرة الحص أفكاراً جيدة يمكن الاستئناس بها في صياغة أي حل للأزمة.
لكن جو اللقاء الذي عقد قبل ظهر أمس في السرايا الحكومية بين الحص ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة لم يكن بالهدوء الذي اتسم به لقاؤه مع بري، إذ علم أن الحص دخل في نقاش وجدل دستوريين مع السنيورة في مدى دستورية وشرعية حكومته ليطاول أداء الأكثرية الحاكمة واستئثارها بالسلطة.
وأفادت معلومات توافرت لـ“الأخبار” أن الحص حرص على التأكيد للسنيورة أنه لا يطرح مبادرته ليحل مكانه في رئاسة الحكومة، وأكد له أنه يعمل للمصلحة العامة وأنه لا يقول بإسقاط الحكومة وإنما بتصحيح وضعها وتصحيح الوضع الحكومي برمّته.
وقالت مصادر اطلعت على أجواء اللقاء إن السنيورة كان متصلباً ومتشدداً في مواقفه مستنداً الى مواقف وقرارات مسبقة، وأصر على اعتبار حكومته دستورية وشرعية، مؤكداً أنه غير مستعد لاتخاذ أي خطوات أو للتعامل مع أي مبادرات لا تستند إلى الإقرار بشرعية حكومته ودستوريتها.
وإذ أوضح الحص بعد اللقاء أنه قال في مبادرته “إن رئيس الجمهورية يجب أن يعلن بالطريقة التي يراها ملائمة، بعد استشارة المحامين أو القضاة لديه، أن هذه الحكومة أصبحت في حكم المستقيلة”، رد المكتب الإعلامي للسنيورة عليه معتبراً أن “ما تقدم به من تسوية مقترحة ليس في الواقع حلاً بل إيغال في تعميق المشكل”. واستغرب دعوته “الى مخالفة أحكام الدستور والدفع في اتجاه أعراف وبدع جديدة تضاف الى البدع التي ترتكب هنا وهناك إلا إذا كان الهدف إعطاء المبرر لرئيس الجمهورية للإقدام على مخالفة دستورية جديدة”.
وكان السنيورة قد التقى مساء امس جنبلاط الذي واصل حملته على المعارضة وعلى النظام السوري. فبعد أن هدّد أول من أمس الرئيس الأسد بالقتل بواسطة “نواف غزالي” آخر كالذي اغتال الرئيس السوري أديب الشيشكلي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وصف المرحلة الراهنة بأنها “صعبة” موضحاً أنه “تشاور” مع السنيورة في “مواجهة الانقلاب السياسي والاقتصادي والثقافي الذي أعلنه النظام السوري على لبنان من خلال أدواته. وعلينا ألا نتناسى أيضاً الانقلاب الأمني، لأن النظام السوري لم يرحم ولن يرحم”، وأضاف: “لدينا خطوات عديدة، وكل شيء سيكون في وقته وسنرى من سينتصر، قوى الشر والظلام أم قوى الخير والمحبة”.
لا دور سعودياً مخفياً
من جهة ثانية أعربت المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في مسقط امس، في ختام محادثات العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مع السلطان قابوس بن سعيد، عن دعمهما للحكومة اللبنانية، وورد في بيان مشترك صدر بعد المحادثات أن الجانبين “عبّرا عن قلقهما لتطورات الأحداث والاختلافات السياسية المؤسفة في لبنان، ودانا بشدة مسلسل العنف والاغتيالات (الذي يهز البلاد منذ عامين) وأكدا دعمهما للحكومة اللبنانية وتأييدها” أمام المعارضة.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إن المحاثات السعودية العمانية تناولت في جانب منها “حالة الاضطراب السياسي السائد في لبنان” وأكد ان “المملكة ليس لها أدوار مخفية في لبنان بل أدوارها مكشوفة ونحن نؤمن بسياسة الشفافية” مضيفاً ان السعودية تسعى “الى إيجاد حل للخلافات اللبنانية وأن يكون هناك تفاهم واحتكام الى الشرعية والمؤسسات الدستورية في لبنان”.